«ضربة قاسية» جديدة من الحكومة تربك شوارع دمشق

رفعت سعر البنزين «المدعوم»

مشجعو لعبة كرة السلة في دمشق في 29 نوفمبر الماضي ( رويترز)
مشجعو لعبة كرة السلة في دمشق في 29 نوفمبر الماضي ( رويترز)
TT

«ضربة قاسية» جديدة من الحكومة تربك شوارع دمشق

مشجعو لعبة كرة السلة في دمشق في 29 نوفمبر الماضي ( رويترز)
مشجعو لعبة كرة السلة في دمشق في 29 نوفمبر الماضي ( رويترز)

وجهت الحكومة السورية «ضربة قاسية» جديدة، ما أربك شوارع دمشق والأهالي المنهكين بسبب استمرار ارتفاع الأسعار وتآكل قدرتهم الشرائية، وذلك لدى قرارها برفع سعر البنزين المدعوم بنسبة تصل إلى نحو 46 في المائة، بعد توجيهها عدة ضربات قاسية مماثلة لهم، وذلك في إطار توجه حكومي لرفع الدعم عن المواد والسلع المدعومة بشكل تدريجي.
وإذ لم يصحُ الأهالي في مناطق سيطرة الحكومة من صدمة قرار الحكومة رفع أسعار الكهرباء شبه المعدومة رغم فقر غالبيتهم المدقع، أعلنت «وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك» عبر منشور على حسابها في «فيسبوك»، ليل السبت/ الأحد الماضي، تحديد سعر المبيع للمستهلك من مادة البنزين الممتاز (أوكتان 90) المدعوم المتسلم على «البطاقة الذكية» بـ1100 ليرة/ نحو 30 سنتاً أميركياً للتر الواحد بعدما كان بـ750 ليرة، بنسبة زيادة وصلت إلى نحو 46 في المائة، علماً بأن الدولار الأميركي يساوي حالياً نحو 3500 ليرة، بعدما كان ما بين 45 و50 ليرة قبل اندلاع الحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات. وقالت الوزارة إن قرارها يأتي بهدف التقليل من الخسائر الهائلة في موازنة النفط وضماناً لعدم انقطاع المادة أو قلة توفرها.
ورصدت «الشرق الأوسط» حالة من الاستياء في أوساط الأهالي بدمشق بعد صدور القرار الذي بات حديث العامة، ويقول أحدهم: «بتعرف (الحكومة) كل المعرفة أنو الراتب ما بكفي خمسة أيام، وكل يوم والتاني بترفع سعر مادة. يعني عم تقول ما بتمهني معيشة الناس، المهم جيب مصاري».
مواطن آخر يوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن القرار «يعني رفع جديد لأجور الموصلات التي أصلا المواطن يشكو من ارتفاعها، وصار لوحدها بدها راتب شهر، كما يعني رفع جديد لأسعار المواد الغذائية والخضار بحجة ارتفاع تكاليف النقل». ويضيف: «الحكومة بقراراتها تصعّب على الناس حياتهم، بدل ما تفرّج عنهم». ويتابع: «الحق مو على الحكومة الحق على الناس يلي بقيت هون».
«القادم سيكون أصعب. الله يستر»، بهذه العبارة علقت مدرسة ثانوي على القرار، وتضيف: «الناس تعاني الويل بعد تمديد فترة استلام السلة الغذائية (من شهر إلى شهرين وبعض العائلات إلى ثلاثة أشهر) والحكومة عم تدرس إلغاء الدعم في المواد التموينية والمحروقات عن كتير من الناس، يعني بدها تدبح (تذبح) الناس على الأخير».
وهذه الزيادة على سعر لتر البنزين هي الرابعة خلال العام الحالي، إذ رفعت الحكومة في يناير (كانون الثاني) الماضي، سعر المدعوم منه إلى 475 ليرة بعدما كان 450 ليرة، وأعقبته في منتصف مارس (آذار) بقرار رفع سعره إلى 750 ليرة وتخفيض حصة السيارة الشهرية من 200 لتر إلى 100 توزع عبر «البطاقة الذكية» بواقع 25 لتراً كل أسبوع.
كما تم رفع سعر البنزين غير المدعوم الذي يعرف بـ«أوكتان 95» ثلاث مرات خلال العام الجاري، آخرها بداية يوليو (تموز) الماضي، ليصل إلى 3 آلاف ليرة بزيادة 500 ليرة. وسبق أن أعلنت الحكومة مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رفع أسعار الكهرباء لجميع فئات الاستهلاك المنزلي بنسبة مائة في المائة، في وقت تمر فيه عموم مناطق سيطرة الحكومة بأزمة كهرباء خانقة هي الأسوأ خلال سنوات الحرب، حيث تصل ساعات انقطاع التيار إلى ما بين 22 و23 ساعة في اليوم، بينما تغرق كثير من المناطق بالظلام ليومين متتاليين وبعضها لثلاثة.
ورفعت الحكومة أيضاً في يوليو (تموز) الماضي، سعر لتر المازوت (الديزل) إلى 500 ليرة بعدما كان 180 ليرة، ما أدى إلى مزيد من الارتفاع في أسعار أغلب المواد الغذائية والخضراوات وأجور النقل. كما رفعت سعر رفع سعر ربطة الخبز المدعوم (7 أرغفة) إلى 200 ليرة سورية، بعدما كان 100 ليرة.
وتعاني مناطق سيطرة الحكومة منذ فترة طولية من أزمة خانقة بالمحروقات بسبب سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية على حقول النفط والغاز في شمال وشمال شرقي البلاد، وصعوبة في تأمين النفط خارجياً بسبب العقوبات الأميركية.
وتأتي قرارات الحكومة السابقة على الرغم من أن الراتب الشهري للموظف الحكومي لا يتجاوز 80 ألف ليرة سورية، في حين تؤكد دراسات أن العائلة المكونة من خمسة أفراد تحتاج في ظل الغلاء غير المسبوق إلى أكثر من مليون ونصف المليون ليرة، علماً بأن 94 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب خبراء ودراسات.
وتجهد الحكومة بدمشق في تقليص الدعم للمواد الأساسية لتخفيف العبء عن الحكومة العاجزة عن ترميم الوضع الاقتصادي المنهار، وازدياد حدة الفقر بين الناس.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.