أحكام سجن ضد ناشطين مؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ

TT

أحكام سجن ضد ناشطين مؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ

عبّر قطب الإعلام في هونغ كونغ، جيمي لاي، عن اعتزازه بحكم السجن الصادر في حقه أمس الاثنين إلى جانب 7 ناشطين آخرين منادين بالديمقراطية، بتهمة المشاركة عام 2020 في تجمع محظور لإحياء ذكرى ضحايا أحداث «ساحة تيان أنمين» في 1989.
وجيمي لاي (74 عاماً)؛ صاحب صحيفة «آبل ديلي» المؤيدة للديمقراطية والتي أغلقتها سلطات المدينة هذا العام، أدين الأسبوع الماضي مع كل من الصحافية السابقة غوينيث هو، والمحامية في مجال حقوق الإنسان تشاو هانغ تونغ، بتهم تتعلق بمشاركتهم في التجمع المحظور، وقد حكم عليه أمس بالسجن 13 شهراً.
وخلال جلسة النطق بالحكم أمس، تلا محامي قطب الإعلام روبرت بانغ رسالة مكتوبة من موكله من السجن الذي يعتقل فيه. وكتب لاي: «إذا كان إحياء ذكرى هؤلاء الذين قتلوا بسبب الظلم جريمة، فاحكموا عليّ بهذه الجريمة واتركوني أقضي العقوبة عن هذه الجريمة لكي أتمكن من مشاركة عبء ومجد هؤلاء الشباب والشابات الذين أهرقوا دماءهم، في 4 يونيو (حزيران)». وأضافت الرسالة: «تذكروا هؤلاء الذين قدموا دماءهم، ولكن لا تتذكروا الوحشية... فلتتغلب قوة الحب على قوة الدمار».
وحكم على هذه المجموعة من الناشطين الثمانية المطالبين بالديمقراطية والذين اعترفوا بذنبهم، بعقوبات سجن تتراوح بين 4 أشهر و14 شهراً بتهمة مخالفة حظر التجمع في 4 يونيو 2020، ورسمياً بسبب «كوفيد19».
وكانت سلطات المدينة وجّهت العام الماضي الاتّهام إلى نحو 20 سياسياً وناشطاً في مجال الدفاع عن الديمقراطية في أعقاب مشاركتهم في وقفة احتجاجية تكريماً لضحايا الحملة الدموية التي شنتها بكين في 1989 لقمع حركة احتجاجية كانت تطالب بالديمقراطية. وكان بعضهم دعا عبر خطابات أو مقابلات سكان هونغ كونغ إلى إضاءة شموع في هذه المناسبة. واكتفى آخرون، مثل لاي، بالمشاركة في الحدث وإضاءة شمعة، وهو عمل يعدّ بسبب شهرته، بحسب القاضية أماندا وودكوك، «تحريضاً» على المشاركة في تجمع غير مشروع.
كانت تشاو هانغ تونغ؛ وهي محامية تتولى الدفاع عن نفسها، وصفت إدانتها بأنها «خطوة في إطار المحو المنهجي للتاريخ، في الوقت نفسه مجزرة (تيان أنمين) وتاريخ المقاومة المدنية الخاص في هونغ كونغ». وأضافت أن محاكم هونغ كونغ «تؤكد بالواقع السلطة غير المتساوية التي تمارسها الحكومة» ضد المعارضين. وتابعت شاو: «لا يمكن ردع أصحاب الضمير الحي عن طريق الاحتجاز»، مؤكدة أن «إضاءة الشموع ستتواصل رغم الحظر والقوانين المقيدة».
يوجد لاي وشاو خلف القضبان أساساً مثل عشرات الناشطين الآخرين، ويخضعون لملاحقات منفصلة بموجب القانون المشدد حول الأمن القومي.
وفي يونيو 2020، فرضت بكين قانوناً صارماً للأمن القومي على المدينة، يهدف بشكل خاص إلى تجريم أي معارضة. وقد وُجّهت التهم بموجب هذا التشريع إلى أكثر من 70 شخصاً، واعتُقل أكثر من 140 شخصاً؛ بمن فيهم لاي وتشاو وهو.
وكانت القاضية وودكوك رفضت أساساً الحجة القائلة إن السلطات تضيق حرية التعبير. وقالت الأسبوع الماضي إن الأشخاص الذين تجمعوا في «متنزه فيكتوريا» شاركوا في «عمل تحد واحتجاج ضد السلطة». ولحقت بالناشط البارز في «تحالف هونغ كونغ»؛ المجموعة التي تنظم هذه التجمعات، لي شوك يان، أقسى عقوبة؛ وهي السجن مدة 14 شهراً.
يذكر أنه منذ أكثر من 30 عاماً يتجمع عشرات الآلاف من الأشخاص في 4 يونيو من كل عام في وقفات احتجاجية لإحياء ذكرى القمع الدموي في 1989 في «ساحة تيان أنمين» بالصين. وأصبحت هذه التجمعات التي رُددت خلالها شعارات مؤيدة للديمقراطية في الصين من رموز الحريات السياسية التي تتمتع بها هونغ كونغ.
والعام الحالي، أوضحت بكين أنها لن تتسامح بعد الآن مع مثل هذه التجمعات في هونغ كونغ أو ماكاو. وقبل بضعة أشهر، حُكم على 16 من القادة السياسيين والناشطين؛ بمن فيهم جوشوا وونغ أشهر وجوه الحركة الاحتجاجية في هونغ كونغ، بالسجن لمدد تتراوح بين 6 و10 أشهر لمشاركتهم بهذه الوقفة في 2020.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟