حوار فلسطيني ـ أميركي الثلاثاء يناقش الوضع المالي للسلطة

رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية افتتح «المستشفى الفلسطيني - الفنزويلي» شمال شرقي رام الله أمس (وفا)
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية افتتح «المستشفى الفلسطيني - الفنزويلي» شمال شرقي رام الله أمس (وفا)
TT

حوار فلسطيني ـ أميركي الثلاثاء يناقش الوضع المالي للسلطة

رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية افتتح «المستشفى الفلسطيني - الفنزويلي» شمال شرقي رام الله أمس (وفا)
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية افتتح «المستشفى الفلسطيني - الفنزويلي» شمال شرقي رام الله أمس (وفا)

قال مستشار رئيس الوزراء لشؤون التخطيط وتنسيق المساعدات، استيفان سلامة، إن حواراً اقتصادياً فلسطينياً - أميركياً رفيع المستوى سيجرى غداً الثلاثاء لمناقشة قضايا عدة خاصة بالوضع المالي للسلطة؛ سواء فيما يتعلق بالمشكلات مع الجانب الإسرائيلي والدعم الأميركي المباشر للسلطة.
وأضاف سلامة، في حديث للإذاعة الرسمية: «الحوار الذي سيكون بمشاركة ممثلي عدة وزارات ودوائر فلسطينية وأميركية سيغطي جوانب ثنائية عديدة (أميركية - فلسطينية)، وأيضاً بما يتعلق بالمساعدة الأميركية في الضغط على حكومة الاحتلال للتعاون في العديد من الملفات الحيوية». وأردف: «ستكون هناك جلسة خاصة بالقضايا المالية المتعلقة بالجانب الإسرائيلي ودور الإدارة الأميركية في المساعدة على حل تلك القضايا».
وسيكون هذا ثاني حوار على هذا المستوى مع الأميركيين، بعد أول حوار في 2016. ويتطلع الفلسطينيون إلى عودة الدعم الأميركي المباشر للخزينة الفلسطينية؛ وهو دعم توقف في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، كما يتطلعون إلى ضغط أميركي على إسرائيل من أجل وقف الاقتطاعات الضريبية وتعديل «بروتوكول باريس الاقتصادي».
وتمر الحكومة الفلسطينية بوضع مالي صعب اضطرت معه إلى دفع 75 في المائة من رواتب موظفيها عن الشهر الماضي بعد تراجع الدعم الخارجي ومواصلة إسرائيل اقتطاع أموال من العوائد الضريبية.
وبلغت الاقتطاعات عن الشهر الماضي نحو 214 مليون شيقل، فيما لم تتجاوز المساعدات الخارجية طيلة العام 10 في المائة مما كان يصل في العادة إلى الخزينة الفلسطينية.
وأفادت بيانات صادرة عن وزارة المالية الفلسطينية بتراجع الدعم والمنح والمساعدات المالية المقدمة للخزينة العامة بنسبة 89.6 في المائة بواقع 31.5 مليون دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2021 مقابل الفترة المقابلة من العام الماضي. وقال سلامة: «الحوار مهم لنا؛ خاصة في ظل الإدارة الأميركية الحالية. ونحن نأمل من خلال الحوار أن تتم عودة المساعدات الأميركية؛ خاصة الاقتصادية، قريباً».
وأكد سلامة أن الإدارة الأميركية أعطت وعوداً بعودة الدعم المالي لموازنة الدولة الفلسطينية، «لكن ما يؤخر ذلك هو القوانين الأميركية التي تحد من الدعم المباشر للحكومة الفلسطينية، وخاصة الدعم التشغيلي لخزينة الموازنة الذي كان يذهب لدعم الرواتب ودعم العائلات الفقيرة».
وأوضح أن «الدعم الأميركي الإنساني والتطويري عاد من خلال أطراف ثالثة، لكن ليس بالحجم الذي كان سابقاً، ونحن نعمل على زيادته وتطويره؛ وهذا يعدّ دعماً غير مباشر، وهذا سيتم نقاشه خلال الحوار الاقتصادي؛ الذي نأمل أن يكون ناجحاً».
وأضاف: «تحدثنا مع الأميركان، وما زلنا نتحدث، حول قيام الحكومة الإسرائيلية بقرصنة أموال الضرائب الفلسطينية من خلال اقتطاعات شهرية تصل إلى نحو 200 مليون شيقل، وخلال الحوار المرتقب سيتم طرح هذا الموضوع بقوة، ونتطلع لأن تزيد الإدارة الأميركية حجم تلك الضغوط على إسرائيل؛ خاصة ما يتعلق بالقضايا المالية، والأزمة المالية ما زالت موجودة، وجزء كبير من أسباب ذلك هو ما تقوم بها إسرائيل من قرصنة لأموالنا».
وبخصوص الدعم الأوروبي لخزينة الحكومة، قال سلامة: «إننا نعمل على دراسة الاتفاقيات، ومن المتوقع أن يستأنف هذا الدعم خلال شهر فبراير (شباط) أو مارس (آذار) القادمين. هناك بوادر بأن يكون العام القادم أفضل من العام الحالي مالياً فيما يتعلق بالدعم الدولي». وأكد أيضاً أنه يجري العمل على استعادة الدعم العربي للموازنة.
ويتوقع مسؤولون فلسطينيون أن تخرج الحكومة من الأزمة المالية الحالية خلال 6 أشهر؛ إذا أعادت الأطراف الدعم الخارجي، وتجاوبت إسرائيل مع وقف الاقتطاعات.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.