غضب في محكمة جزائرية بسبب رفض إحضار رئيس حزب من السجن

تواصل الإدانات بحق المتظاهرين... وسجن نشطاء سياسيين

TT

غضب في محكمة جزائرية بسبب رفض إحضار رئيس حزب من السجن

رفض المناضل اليساري الجزائري المسجون فتحي غراس أمس «المحاكمة عن بعد» انطلاقا من سجنه، ما استدعى تأجيل مساءلته أمام القاضي إلى 24 من الشهر الجاري، وذلك للمرة الثانية في ظرف أسبوعين. واحتجت زوجته مسعودة شاب الله، المعروفة بنضالها ضد السلطة، إلى جانبه بحدة، ضد الرفض القاطع للمحكمة، حضوره جسديا أمامها، بذريعة «التقيد بتدابير الوقاية من (كورونا)».
وخاطب غراس رئيس «محكمة باب الواد» بالعاصمة، بالفيديو قائلا إنه من حقه الدفاع عن نفسه بالحضور جسديا أمامه، مبديا استغرابا من عدم تحفظ السلطات على تنظيم تجمعات دعائية، في إطار الانتخابات البلدية التي جرت في 27 من الشهر الماضي، وعدم التشدد في مسألة الالتزام بشروط التباعد الجسدي.
ولاحظ محامون كانوا حاضرين أمس بالمحكمة، أنها كانت مكتظة ولا أثر لإجراءات الوقاية من الوباء. وبالتالي، لم يكن هناك مبرر موضوعي، حسبهم، أن يرفض القاضي إحضار غراس (48 سنة) من محبسه الذي يقع على بعد حوالي 20 كيلومترا من المحكمة. وهي ثاني مرة يتم فيها رفض طلب المناضل البارز، حضوره جسديا.
وأظهر محامو غراس، الذي يرأس حزب «الحركة الديمقراطية والاجتماعية» (الحزب الشيوعي الجزائري سابقا)، تأييدا لموقفه. وغادروا المحكمة مستائين، فيما كانت زوجته الناشطة في الحراك الشعبي، خارجها في قمة الغضب. وصاحت أمام الصحافيين والناشطين «هذا النظام جبان... هذا النظام يعلم أنها محاكمة سياسية. النظام والأشخاص الذين يخدمونه جبناء... يجب أن يعلن الجميع بأن فتحي سجين سياسي... ما ذنب فتحي حتى يرمى في السجن ويبقى فيه لمدة 6 أشهر؟ هل ضبط متلبسا بالمتاجرة بالكوكايين؟». وعاتبت المحامين، كونهم حسبها، لم يشددوا على القاضي بأن يأمر باستخراجه من السجن للمحاكمة جسديا.
واعتقل فتحي في 30 يونيو (حزيران) الماضي، وفتش الأمن بيته وصادر أغراضا له، ثم عرضه على قاضي التحقيق الذي وجه له أربع تهم: «نشر كتابات مضرة بالمصلحة الوطنية» و«التحريض على الكراهية» و«إهانة هيئة نظامية»، و«الإساءة إلى رئيس الجمهورية». وتتعلق التهم بنشاط غراس المعارض للسلطة، وله تصريحات قوية على حسابه بـ«فيسبوك»، تصف الرئيس عبد المجيد تبون بـ«الحاكم غير الشرعي». كما أن السلطة لم تغفر له فتح مقر حزبه، لاجتماعات المعارضة ولدفاع معتقلي الحراك بغرض تنظيم مؤتمرات صحافية اتسمت بالحدة ضد الحكومة.
وكان «الاتحاد الوطني للمحامين، طالب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بوقف المحاكمات عن بعد بالوسائل الرقمية. وصرّح رئيسه بأن محاكمة الموقوفين عن طريق الفيديو «يمس بحقوقهم وبحقوق الإنسان عموما، ويترتب عنها إجحاف كبير... فهي تحرمهم من المثول أمام القاضي والتفاعل معه، بعكس ما يوجبه قانون الإجراءات الجزائية». وأبرز أن «هذه الطريقة في المحاكمة اتسمت كثيرا برداءة الصورة والانقطاع المستمر للبث، إذ تسمع كلمة ولا تسمع باقي إفادة المتهم».
وتحصي «اللجنة الوطنية للدفاع عن معتقلي الحراك» (هيئة تضم ناشطين يرصدون كل المعلومات المتعلقة بالمتظاهرين المعتقلين)، حوالي 300 شخص في السجن، بسبب مواقف وآراء لا تعجب السلطة، أغلبهم دونوها في حساباتهم بمنصات التواصل الاجتماعي. أما الحكومة، فترى أنهم «يتلقون توجيهات من الخارج، بغرض زرع الفوضى وضرب الاستقرار في البلاد».
وأمر قاضي التحقيق بـ«محكمة سيدي امحمد» بالعاصمة أمس، بوضع 12 شخصا في الحبس الاحتياطي، بعد اتهامهم بالإرهاب. وكان الأمن اعتقلهم مطلع الشهر بناء على تحريات، تفيد بأنهم ينشطون في تنظيم «رشاد الإسلامي»، المصنف من طرف الحكومة «منظمة إرهابية». ونفى محامو المعتقلين أي صلة لهم بالإرهاب، مؤكدين أنهم معارضون يشتغلون بالسياسة.
وفي تيارت (300 كلم غرب العاصمة) أدانت المحكمة المحلية أمس، 23 متظاهرا بدفع غرامة مالية على إثر اتهامهم بـ«التجمهر غير المسلح». ومنعت السلطات مظاهرات الحراك، في مايو (أيار) الماضي، باستعمال القوة رغم أن رئيس البلاد صرح مرات عديدة، أن الاحتجاجات الشعبية ضده لا تزعجه.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.