صحراء العلا في انتظار الدورة الثانية من معرض «ديزرت إكس»

يحمل عنوان «سراب» ويفتتح في فبراير 2022

من معرض «ديزرت إكس العلا» في عام 2020 عمل للفنان التونسي إلسيد
من معرض «ديزرت إكس العلا» في عام 2020 عمل للفنان التونسي إلسيد
TT

صحراء العلا في انتظار الدورة الثانية من معرض «ديزرت إكس»

من معرض «ديزرت إكس العلا» في عام 2020 عمل للفنان التونسي إلسيد
من معرض «ديزرت إكس العلا» في عام 2020 عمل للفنان التونسي إلسيد

في عام 2020 أقيمت الدورة الأولى من معرض «ديزرت إكس» Desert X في العلا. مثّل المعرض الفريد من نوعه تجربة مدهشة بكل المقاييس تناثرت من خلالها أعمال الفنانين من السعودية وخارجها على رمال صحراء العلا، محاطة بتلك الصخور الشاهقة الضاربة في القدم. لكل من زار المعرض في تلك الأيام كانت الدهشة والانبهار هما الانطباع الأول الذي انطبع في الذهن، لكنهما تراجعا بعد وقت ليصاحبهما إدراك الحوار البصري بين الأعمال الفنية والطبيعة حولها.
وأعلن، هذا الأسبوع، عن عودة المعرض الضخم، بكل معانيه، للعلا في فبراير (شباط) 2022.
وسيعود فنانون محليون وعالميون لعرض أعمالهم التي تتجاوب مع الطبيعة وتتحاور معها مرة أخرى لتلك الرمال الذهبية وعلى الجمهور الانتظار حتى تعلن الأسماء المشاركة. في حوار لـ«الشرق الأوسط» مع نورا الدبل، مديرة البرامج الفنية والثقافية في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، دار الحديث حول ما يمكن أن يتوقعه الجمهور من تجليات فنية قادمة. تقول لنا إن المعرض وهو نتيجة لشراكة فنية بين الهيئة الملكية للعلا مع فعالية «ديزرت إكس» في كاليفورنيا كان جزءاً من سياسة الهيئة الملكية للعلا «لبناء ما نطمح إليه من إقامة مشاريع فنية تحاكي التاريخ والطبيعة المحيطة». وتضيف أن الهدف من المعرض كان أيضاً ليكون نقطة للتخاطب بين الصحراء في كوتشيلا بكاليفورنيا وصحراء العلا عبر أعمال لفنانين السعوديين وعالميين. وتصف الدورة الأولى بأنها كانت «تجربة فريدة من نوعها» وأنها لاقت نجاحاً كبيراً وقبولاً من الزوار.
لا تفصح الدبل عن أسماء الفنانين المشاركين في الدورة الثانية، فهو أمر سيعلن في وقته، يناير (كانون الثاني) 2022، ولكنها تتحدث عن التوسع في البرامج الفنية التي ستصاحب الدورة الثانية، وهو أمر أساسي في الخطط المقامة: «الدورة الأولى قدمت برنامجاً لطلاب المدارس حقق نجاحاً وقبولا كبيراً. نريد الآن أن ننمي تلك التجربة وأن نقدم برامج أكثر للعائلات وأيضاً للمعلمين في المنطقة حتى ينقلوا التجربة المفصلة لتلاميذهم والهدف منها تنمية مهارات الطلاب.
من الآثار الإيجابية لوجود الفنانين في المنطقة هو التعامل مع الأفراد في المجتمع المحلي «كانت هناك مجهودات فردية في استقطاب المهارات المحلية سواء في صناعة العمل أو تقديم ورش عمل لتنمية المهارات، لاقت قبولاً كبيراً من المجتمع ومن الفنانين الذين وجدوا فيها وسيلة للتعرف على العلا من منظور آخر... نريد أن ننمي هذه العلاقة بين الفنان والمجتمع المحلي». تلك التجارب الناجحة والمحدودة أدت إلى التفكير بالمزيد «نرغب في تنمية التجربة وأن نقدم برامج أخرى مخصصة للعائلات ولمدرسي الفنون». تشير إلى أن البرامج «لن تكون مقصورة على سكان المنطقة، بل هي مفتوحة لمن يرغب من داخل المملكة وخارجها».
تحمل الدورة الثانية عنواناً موحياً وساحراً وهو «سراب»، تعلق: «الموضوع عام يرتبط بالصحراء وعلاقتها بالواحة»، وتضيف: «المعرض يحمل رؤية عدة مختصين من ضمن ريم فضة ونيفيل ميكفيلد ورنيم فارسي».
نعرف من الدبل أن المعرض الجديد سيقدم في منطقة مختلفة عن المرة الماضية، وأن بعض الأعمال التي قدمت في الدورة السابقة ستظل في مكانها، «ديزرت إكس بطبيعته في كاليفورنيا هو معرض مؤقت، ولكننا وجدنا أن بعض الأعمال التي قُدمت ستمثل إضافة جميلة للمنطقة واخترنا منها أعمالاً للفنانين: نديم كرم ومحمد أحمد إبراهيم وشيرين جرجس ومنال الضويان».

نيفيل ويكفيلد من كوتشيلا للعلا
يأخذني الحديث للمنسق نيفيل ويكفيلد وهو المدير الفني المشارك لـ«ديزرت إكس العلا». يحدثني عن الدورة الأولى «كانت تجربة مهمة جداً بالنسبة لنا أن نستطيع إقامة هذا النوع من الحوار». وللغوص في التفاصيل يشرح لنا الفرق بين تنسيق المعرض في كوتشيلا الأميركية وبين العلا، يقول لنا ويكفيلد: «من الناحية التنسيقية والتنظيمية كان الأمر مختلفاً، هناك اختلاف في طبيعة المواقع. من وجهة نظر المنسق الفني أرى أن المعرض في العلا كان منظماً على هيئة حوار بين ثلاثة أطراف: بين الفنانين السعوديين والفنانين من المنطقة والفنانين العالميين. هنا في كاليفورنيا لا ننتبه كثيراً لهذا النوع من الحوار القائم، وإن كانت مشاركة الفنانة السعودية زهرة الغامدي في (ديزرت إكس) بكاليفورنيا هذا العام كوّنت حدثاً مهماً بالنسبة لنا، فبرأيي وبرأي الصحافة هنا كان عمل الغامدي هو نجم العرض في كوتشيلا. وهو ما يؤكد أن الحوارات المتبادلة تنتقل عبر الأماكن المختلفة».
الاختلاف بين كوتشيلا والعلا أيضاً اختلافي في الأحجام والمسافات «في كوتشيلا يمتد العرض على مساحة 600 ميل، بينما في العلا كان العرض محدداً بمساحة الوادي مكان العرض. ما كان لدينا في العلا ولم يوجد في كاليفورنيا هو الصلات بين الأعمال المختلفة، بشكل كبير كان المكان هو العامل الأهم». يقول إن المساحة الهائلة في كوتشيلا بين الأعمال فرضت على المعرض أن يكون بمثابة «رحلة فنية بالسيارة» ولكن «في العلا كان سهلاً المشي على الأقدام بينها، وكانت العين تحيط بأكثر من عمل في نفس الوقت».
ويشير إلى أن موقع العرض الثاني سيكون وادياً آخر، ولكنه أكبر حجماً، واضعاً في حساباته جلال المكان الذي «سيلعب دوراً غالباً، فمن الصعب تغافل ذلك وأن ننفصل عن التاريخ المتمثل في الصخور الضخمة حولنا». ولكن المكان أيضاً له تاريخ عريق في التجارة التي شكّلت حوارات بين مجتمعات مختلفة في الأزمان القديمة، يرى أن ذلك «يجعل مهمتنا أسهل في إعادة تكوين حوارات معاصرة».
* معرض «ديزرت إكس العلا» من 11 فبراير 2022 حتى 30 مارس (آذار) 2022



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».