خط باريس ـ برلين ما بعد عهد ميركل

«الثنائي التاريخي»... على خطاها يريد أوروبا قوية

تقليد دأب عليه الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني أن تكون أول زيارة خارجية إلى عاصمة شريكه التاريخي (رويترز)
تقليد دأب عليه الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني أن تكون أول زيارة خارجية إلى عاصمة شريكه التاريخي (رويترز)
TT

خط باريس ـ برلين ما بعد عهد ميركل

تقليد دأب عليه الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني أن تكون أول زيارة خارجية إلى عاصمة شريكه التاريخي (رويترز)
تقليد دأب عليه الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني أن تكون أول زيارة خارجية إلى عاصمة شريكه التاريخي (رويترز)

بعد أقل من عشرين يوماً، يحل دور فرنسا في ترؤس الاتحاد الأوروبي لستة أشهر. وقبل ثلاثة أيام، عرض الرئيس إيمانويل ماكرون، في مؤتمر صحافي، برنامجاً حافلاً لما ينوي الدفع به من أجل بناء السيادة الأوروبية الأمنية والدفاعية والصناعية، والالتفات إلى مسائل الهجرات المتدفقة على أوروبا، وتعديل اتفاقية شنغن للتنقل الحر بين الدول الموقعة عليها، وسلسلة من الاجتماعات والقمم والمشاريع الخاصة بالتعليم وتنقل الطلاب في إطار برنامج «إيراسموس»، والاهتمام بأفريقيا ومنطقة البلقان الغربي، وغيرها من المشاريع الطموحة.
بيد أن طرح المشاريع شيء وتحقيقها -أو على الأقل بعضها- يحتاج من داخل الاتحاد إلى شريك قوي. وثمة ثابتة في تاريخ الاتحاد قوامها أن التفاهم الفرنسي - الألماني هو الضامن لدفع الاتحاد إلى الأمام، إذ أنه كان -ولا يزال- العربة التي تشده. وخلال السنوات الثلاثين الأخيرة، شهد تاريخ الاتحاد قيام ثنائي فرنسي - ألماني ترك دمغته على المشروع الأوروبي، ومنهم -على سبيل المثال- الجنرال ديغول وكونراد أديناور، وفاليري جيسكار ديستان وهلموت شميت، وفرنسوا ميتران وهيلموت كول، وآخرهم إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل. والحال أن الأخيرة المنتمية إلى اليمين الألماني غادرت بحر الأسبوع الفائت المسرح السياسي بعد 16 عاماً من الحكم المتواصل، لتترك ماكرون يتدبر أموره مع خليفتها الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس.
وثمة تقليد دأب عليه الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني، وهو أن تكون أول زيارة خارجية إلى عاصمة شريكه التاريخي. ويذكر الفرنسيون أنه بعد انتخاب فرنسوا هولاند عام 2012، توجه مساء تنصيبه إلى برلين، إلا أن الأحوال الجوية السيئة كادت تسقط طائرته، ما اضطره إلى العودة إلى باريس. وقتها، تأجلت زيارته 24 ساعة فقط.
وجرياً على هذه العادة، زار شولتس العاصمة الفرنسية أول من أمس لغداء تعارف وعمل مع ماكرون. وقياساً على الأجواء التي سادت اللقاء، والتصريحات التي أدلى بها الطرفان، يمكن الرهان على أن العلاقة بين المسؤولين ستكون امتداداً للعلاقة الخاصة التي ربطت ماكرون وميركل. وقد سارع الرئيس الفرنسي، بعد اللقاء، إلى تأكيد أن «هذه المحادثات الأولى تعكس بوضوح تطابقاً متيناً في وجهات النظر». ورد شولتس على ذلك بتأكيده وجود «مقاربات بناءة كثيرة»، مضيفاً أنه «واثق من أن العلاقات الفرنسية - الألمانية ستواصل الازدهار».
وكانت وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة، أنالينا بيربوك، قد توجهت إلى الطرف الفرنسي قائلة: «بإمكانكم الاعتماد على دعم ألمانيا». ويريد الطرفان أن يعبئا جهودهما من أجل «خدمة أوروبا».
وثمة مواضيع ملحة للغاية يتعين على ماكرون وشولتس التعاون والتنسيق بشأنها، وأولها الأزمة الأوكرانية، والتوتر القائم بين المعسكر الغربي وروسيا، على الرغم من الاتصال الهاتفي الذي حصل بين الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين. وكانت هذه الأزمة على رأس المسائل التي بحثها الطرفان اللذان يجمع بينهما رؤية تجد من المفيد الحوار، بل التعاون مع روسيا، بدل سلوك مسار يمكن أن يفضي إلى حرب باردة جديدة. وباريس وبرلين معنيتان أكثر من غيرهما بالملف الأوكراني، لأنهما يرعيان ما يسمى «مجموعة نورماندي» التي تضم -إلى جانبهما- موسكو وكييف.
ومع كل تصعيد بين السلطة المركزية في أوكرانيا ومناطق الشرق الانفصالية، تعود الوساطة الأوروبية إلى الواجهة، على الرغم من عجزها عن الدفع إلى تطبيق اتفاقات مينسك التي رسمت الطريق لوضع حد للأزمة الأوكرانية. وثمة من يرى أوروبياً أن بوتين يفضل التعامل مباشرة مع نظيره الأميركي، بدل الاستمرار في مسار أوروبي لم يفضِ إلى حلول.
وفي أي حال، فإن باريس وبرلين متفاهمتان على ضرورة اتخاذ إجراءات «قوية»، في حال عمدت روسيا إلى «غزو» أوكرانيا، وهو أمر مستبعد. وفي هذا السياق، هدد شولتس، أواسط الأسبوع الماضي، بـ«عواقب» محتملة على خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» الذي يربط روسيا بألمانيا، في حال شنت موسكو هجوماً على أوكرانيا. ومشروع «نورد ستريم 2» ما كان ليتحقق لولا تمسك ميركل به، على الرغم من الضغوط الأميركية، خصوصاً زمن دونالد ترمب.
ومن المقرر أن تنعقد قمة أوروبية يومي الـ16 والـ17 من الشهر الحالي في بروكسل، ستكون أول اختبار عملي للتنسيق الفرنسي - الألماني. وقد سارع ماكرون إلى الإعلان عن أنه «في المسائل الاجتماعية، ومواضيع التحول البيئي والرقمي، والرد المشترك على تحديات الهجرة ومسائل الاستثمار أو الانفتاح الدستوري، أبدينا حقاً عزماً على العمل معاً».
وبالنظر لما قاله شولتس في باريس، وما أعلنه لاحقاً من بروكسل عقب لقائه شارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبي، فإن قدراً كافياً من التفاهم والتنسيق سيقوم سريعاً بين الرجلين. وتأكيد شولتس أن الأوروبيين «يحتاجون إلى أوروبا قوية تحقق أقصى قدر من طاقتها، لذا ينبغي إيجاد سبيل لتعزيز السيادة الأوروبية، وألمانيا -البلد الكبير في قلب أوروبا- تتحمل مسؤولية، ولا يمكن أن تبقى على الهامش»؛ هذا الكلام يمكن نسبته إلى ماكرون الذي يدعو منذ انتخابه ربيع عام 2017 إلى قيام الدفاع الأوروبي، وإلى تحقيق «الاستقلالية الاستراتيجية».
وعلى هذا الصعيد، فإنه بإمكان ماكرون أن يراهن على دعم شولتس الذي يدير تحالفاً يتشكل من حزبه الاشتراكي الديمقراطي والخضر والليبراليين، والذي يدعو إلى تعزيز الاندماج الأوروبي. وبذلك، فإن الجانب الفرنسي، بعد رحيل ميركل عن السلطة، قد يجد نفسه متأخراً عن طروحات شريكه الألماني الذي يدعو تحالفه إلى «تطور الاتحاد الأوروبي إلى دولة فدرالية أوروبية». والحال أن ماكرون على الرغم من كونه أوروبي الهوى، لن يكون قادراً على السير في هذا الاتجاه، إذ إنه مقبل على انتخابات رئاسية يواجه فيها اليمين واليمين المتطرف، وكلاهما سيعارضان بقوة أي توجه نحو دولة أوروبية فدرالية.
وفي أي حال، فإن الأوضاع السياسية في كثير من الدول الأوروبية تجعل مشروعاً كهذا ضرباً من الخيال، ربما يتحقق ولكن بعد مرور سنوات طويلة. وعلى الرغم من الرغبة في استمرار التنسيق، والسعي إلى التطابق التام بين برلين وباريس، فإن هناك مسائل تتباعد فيها مواقف الطرفين، ومنها موضوع الطاقة، حيث إن باريس مستمرة في الرهان على الطاقة النووية التي تعدها نظيفة، فيما خرجت برلين منها منذ سنوات. وتريد باريس إدراج الطاقة النووية بين مصادر الطاقة «الخضراء»، وهو ما ستكون الحكومة الألمانية، خصوصاً جناح الخضر فيها، عاجزة عن «مسايرة» باريس فيه.
قد يكون هذا الملف أحد المواضيع الخلافية، ولكنه ليس الوحيد. فتوجهات الطرفين ليست متطابقة في موضوع المديونية والعجز وتمويل الانتعاش الاقتصادي في القارة القديمة. لكنها جميعها مسائل يتعين أخذ مواقف الأطراف الأخرى فيها بعين الاعتبار، في محاولات غرضها التوصل إلى مقاربات مشتركة لن تتوافر إلا بعد كثير من المشاورات والمساومات.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».