تزايد الغموض حول الانتخابات الليبية وسط حديث عن «صفقة» لتأجيلها

تقضي بحصول الدبيبة وحفتر على ضمانات باستمرار نفوذهما... وإخراج سيف الإسلام من الاقتراع

سيف الإسلام القذافي خلال التقدم بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية الشهر الماضي (أ.ب)
سيف الإسلام القذافي خلال التقدم بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

تزايد الغموض حول الانتخابات الليبية وسط حديث عن «صفقة» لتأجيلها

سيف الإسلام القذافي خلال التقدم بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية الشهر الماضي (أ.ب)
سيف الإسلام القذافي خلال التقدم بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل أقل من أسبوعين على الاستحقاق المُرتقب، تزايد الغموض حول مصير الانتخابات الرئاسية والنيابية في ليبيا، خصوصاً بعد تداول معلومات متضاربة حول مساعٍ لبلورة «صفقة» بين «الأطراف الفاعلة» في المشهد السياسي، ترعاها دولة عربية، بهدف تأجيل موعد السباق لما بعد 24 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وحتى الآن لم تصدر المفوضية العليا للانتخابات القوائم النهائية للمرشحين، ولم تبدأ بعد الحملات الدعائية للمتنافسين بشكل رسمي. كما تصاعدت الأصوات المطالبة بتأجيل الاستحقاق، بعد أن تداول سياسيون ليبيون أحاديث غير رسمية، تتحدث عن توجه لإرجاء الانتخابات إلى موعد لاحق، وذلك بمقتضى «اتفاق سري».
وقال المحلل السياسي الليبي نعمان بن عثمان إن «هناك مفاوضات سرية تستضيفها دولة عربية لعقد صفقة سياسية بين المرشحيْن للرئاسية، عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر، يحصل فيها كل طرف على ضمانات باستمرار نفوذه، وسيطرته السياسية والعسكرية والمالية، كما هو الوضع الراهن، على أن يتم تأجيل الانتخابات، وإخراج سيف الإسلام (نجل الرئيس الراحل معمر القذافي) من المشهد الانتخابي».
لكن مصادر بالقيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، نفت حديث بن عثمان، الذي دونه عبر حسابه على «تويتر»، وقالت إنها لم ترسل أي وفد إلى أي دولة عربية للقاء الدبيبة أو غيره، كما أنه لا توجد لديها «أي اتصالات مع حكومته لتأجيل الانتخابات، وحرمان الشعب من ممارسة حقه في الاختيار في الموعد المحدد».
واستغربت المصادر، التي نقل عنها موقع «الساعة 24» الإلكتروني الليبي، محاولات الترويج بأن القيادة العامة «تحاول عرقلة الانتخابات»، وقالت إن «هذه الشائعات تهدف لضرب معنويات الشعب، الذي تسلح ببطاقته الانتخابية استعداداً للمعركة السياسية يوم 24 ديسمبر الجاري لكي يختار رئيسه».
من جهته، قال السفير إبراهيم موسى قرادة، كبير المستشارين بالأمم المتحدة سابقاً، إن «كل المؤشرات على الأرض الآن تشير إلى صعوبة إجراء الانتخابات، خصوصاً أنه لم يتبق سوى أسبوعين فقط على الموعد المحدد لذلك». لكن في المقابل هناك إصرار أوروبي وأميركي ملحوظ يعكس مدى التمسك بإجرائها، حتى إن بدت حالة من المرونة لدى بعض الأطراف حول موعدها.
واستغل المبعوث الأميركي الخاص وسفيرها لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أمس مناسبة (اليوم العالمي لحقوق الإنسان)، بالتأكيد على أن «الطريق الأفضل للمضي قدماً لاحترام حقوق الإنسان لليبيين، يشمل إجراء انتخابات حرة ونزيهة، تسمح للمواطنين باختيار قيادتهم ومحاسبتها على أدائها».
من جانبها، وفي أول تعليق لها على الوضع الليبي منذ تعيينها مستشارة للأمين العام للأمم المتحدة لدى البلاد، قالت ستيفاني ويليامز: «آمل أن أتمكن من الإسهام في مساعدة الليبيين على توطيد سبل الاستقرار، وتعزيز السلم والتقدم نحو مستقبل مشرق».
في سياق ذلك، تمسكت إيطاليا على لسان وزير خارجيتها، لويجي دي مايو، أمس بضرورة إجراء الانتخابات الليبية، وقال إن سلطات بلاده «تدعم عملية انتخابية شاملة وشرعية» في ليبيا. مشدداً وفقاً لوكالة «آكي» الإيطالية على «الالتزام بالاستحقاق الانتخابي في موعده»، ومجدداً التأكيد على أن «ليبيا على رأس أولويات» بلاده.
من جهة ثانية، دعا الرؤساء المشاركون في مجموعة العمل، المعنية بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان المنبثقة عن «عملية برلين» (هولندا وسويسرا وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا)، ‏السلطات الليبية لضمان مساهمة كل الليبيين في بناء مستقبل بلدهم بطريقة فعالة.
وقالوا في بيان بمناسبة (اليوم العالمي لحقوق الإنسان)، أمس، إنه «في الوقت الذي تستعد فيه ليبيا للانتخابات وإطلاق عملية مصالحة وطنية، فإن حماية حقوق الليبيين في حرية التعبير وحق التجمع، ‏إلى جانب الحقوق الأساسية الأخرى، ‏هي من الأساسيات الضرورية لتحقيق مستقبل مزدهر وسلمي في البلاد». ونوهوا إلى أن بعثة الأمم المتحدة ‏وبعثة تقصي الحقائق، وجهات محلية ودولية أخرى، أكدت أن «تركة ليبيا طويلة فيما يتعلق بالخروقات وانتهاكات حقوق الإنسان ‏ضد من يجرؤ على ‏التعبير»، حيث يتعرض ‏السياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان، ونشطاء المجتمع المدني والصحافيون للاستهداف ‏والاعتداء الجسدي، والاختطاف والاختفاء القسري، والقبض والاحتجاز ‏التعسفيين، ‏ومحاكمات بتهم جزافية».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.