سجال سياسي في لبنان رداً على قرار يسمح بتشغيل الفلسطينيين

أثار خلافاً جديداً بين «الوطني الحر» ووزير العمل المحسوب على «حزب الله»

TT

سجال سياسي في لبنان رداً على قرار يسمح بتشغيل الفلسطينيين

أشعل القرار الأخير لوزير العمل اللبناني مصطفى بيرم، الذي سمح بموجبه للاجئين الفلسطينيين بممارسة مهن محصورة باللبنانيين، سجالاً لبنانياً داخلياً نتيجة اعتراض عدد من القوى التي اعتبرت أنه يفاقم الأوضاع الصعبة للبنانيين ويرفع نسبة البطالة في صفوفهم.
ويشكّل هذا الملف نقطة خلافية جديدة، ولكن ذات طابع استراتيجي بين «حزب الله» وحليفه «التيار الوطني الحر». فالقرار الصادر عن الوزير بيرم المحسوب على «حزب الله» استدعى رداً عنيفاً من رئيس «التيار» النائب جبران باسيل الذي اعتبر أنه «مخالف لقانون العمل وللدستور وهو توطين مقنع ومرفوض». ودعا باسيل النقابات لكسره أمام مجلس شورى الدولة، واللبنانيين لعدم الالتزام به، قائلاً: «لن يمر هكذا موضوع ولن نسمح بأن يُحرم اللبنانيون من وظائفهم في هذه الظروف».
كذلك اعتبر وزير العمل السابق سجعان قزي أن القرار الذي أصدره بيرم «يزيد بطالة اللبنانيين 40 في المائة، ويشرع أبواب التوطين والتجنيس».
واستهجن النائب في «القوات اللبنانية» جورج عقيص، اتخاذ وزير العمل هكذا قرار في وقت يهاجر اللبنانيون بشكل كثيف بسبب البطالة، متسائلاً عبر «الشرق الأوسط»: «أين الملاءمة والمصلحة الوطنية في إجراء مماثل؟!». وتوجه لبيرم قائلاً: «أتهتم لمصلحة أهل بلدك أم للاجئين الذين تدعمهم منظمات دولية؟». وأضاف: «العودة عن الخطأ فضيلة... ولتكن للوزير جرأة الاعتراف بالخطأ من حيث التوقيت أو المضمون، وليعد عنه فوراً قبل أن يأخذ طريقه للتنفيذ ويصبح من الحقوق المكتسبة».
واستدعت الحملة المضادة على قرار بيرم، دعوته لمؤتمر صحافي، يوم أمس، اعتبر خلاله أن منتقديه لم يقرأوا القرار الذي لم يُغيِّر فيه حرفاً مما كتبه وزراء العمل السابقون، وقال: «لا، بل أعطيت الأولوية للعامل اللبناني في كل الأعمال وفي حال ظلت هناك حاجة يمكن توظيف الفلسطيني».
وارتفعت نسبة البطالة بين اللبنانيين، بحسب «الشركة الدولية للمعلومات»، لتقارب نحو 35 في المائة من حجم القوى العاملة المقدر عددها بنحو 1.340 مليون عامل، فيما هاجر نحو 78 ألف شخص منذ مطلع العام، بسبب الأزمة الاقتصادية - المالية - السياسية التي يمر بها لبنان، والتي أدت إلى إغلاق عشرات المؤسسات وتقليص أعمال عشرات آلاف المؤسسات الأخرى، وبالتالي صرف عشرات آلاف العمال.
بالمقابل، يرزح اللاجئون الفلسطينيون، منذ سنوات طويلة، تحت فقر شديد، وفيما تقول منظمة «اليونيسف» إن نسبة العاطلين عن العمل في صفوفهم 56 في المائة، تؤكد الفصائل الفلسطينية أن النسبة تخطت 80 في المائة.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين بلبنان المسجلين لدى «الأونروا» 470 ألفاً ويقدر أن نحو 180 ألفاً فقط ما زالوا يعيشون في البلد مع هجرة القسم الأكبر منهم.
وكان وزير العمل الجديد مصطفى بيرم، منذ تسلمه مهامه في سبتمبر (أيلول) الماضي، وعدّ اللاجئين الفلسطينيين بأن «يعمل على تعزيز وتوسيع العمالة الفلسطينية في لبنان، مع مراعاة الواقع اللبناني»، معتبراً أن «الفلسطيني عامل مُساعد في تنشيط الدورة الاقتصادية اللبنانية، لأنه يُنفق ويعمل هنا، ويُسهم في تطوير الاقتصاد اللبناني».
ووصف رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السابق الوزير السابق حسن منيمنة، الذي عمل طويلاً على هذا الملف قبل أن يُسلم مهامه لمسؤول جديد قبل نحو شهر، قرار وزير العمل بـ«الخطوة المتقدمة بالوقت المناسب وبالتحديد مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية للاجئين الذين يقيمون في لبنان بطريقة شرعية وبموافقة الدولة فيما كانوا يمنعون من ممارسة أبسط المهن». واستغرب منيمنة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، الأصوات التي تنتقد القرار على خلفية أن الفلسطينيين يأخذون بذلك وظائف اللبنانيين، مشدداً على أن «القوى العاملة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين متواضعة ولا تتجاوز الـ60 ألفاً، بالإضافة إلى أن هناك عشرات المهن لا يمارسها اللبنانيون».
من جهتها، تقدمت قيادة تحالف القوى الفلسطينية في لبنان «بالشكر الكبير للوزير بيرم»، معتبرة أنه بقراره «وسّع هامش فرصة العمل للعامل الفلسطيني». ورأت أنها «خطوة في الاتجاه الصحيح، وفي الوقت المناسب، في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يعيشها أهلنا في لبنان».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.