فاليري بيكريس... مرشحة اليمين الكلاسيكي تهدد طموح ماكرون لولاية ثانية

وسط آمال عريضة عند ورثة الديغولية بـ {استعادة فرنسا}

فاليري بيكريس... مرشحة اليمين الكلاسيكي تهدد طموح ماكرون لولاية ثانية
TT

فاليري بيكريس... مرشحة اليمين الكلاسيكي تهدد طموح ماكرون لولاية ثانية

فاليري بيكريس... مرشحة اليمين الكلاسيكي تهدد طموح ماكرون لولاية ثانية

استطلاعات الرأي التي يصار إلى اللجوء إليها بشكل مكثف في الديمقراطيات الغربية، وخصوصاً في الأزمنة الانتخابية، قطعاً ليست بديلاً عن صناديق الاقتراع، ذلك أن فائدتها تكمن في أنها تعكس حالة الرأي العام الآنية، وإن كانت تعد مؤشراً لانطلاق تيارات وتوجهات جديدة من شأنها قلب القناعات السابقة بما فيها المترسخة.
يصح هذا القول على الانتخابات الرئاسية الفرنسية ومرشحيها الذين اكتملت أعدادهم وما زال خارج السباق، أقله رسمياً، الرئيس إيمانويل ماكرون. لكن، لا شك يخامر مؤيديه ومعارضيه من أنه سيخوض الغمار الرئاسي للفوز بولاية ثانية، خصوصاً أن نتائج استطلاعات الرأي السابقة كانت تؤكد جميعها أن استحقاق الربيع المقبل (في 10 و14 أبريل/نيسان 2022) سيكون نسخة عن انتخابات العام 2017.
لقد كان مقدراً أن الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية ستفضي إلى تأهل كل من الرئيس إيمانويل ماكرون ومارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف، في حين ستشهد الجولة الثانية الحاسمة فوزا مريحا للأول. بيد أن هذه الصورة تغيّرت خلال الأسابيع والأيام الأخيرة بشكل مقلق للفريق الرئاسي. وثمة عنصران رئيسان أثرا فيها:
العنصر الأول، بروز اسم إريك زيمّور (زمّور)، المصنف في أقصى خانة اليمين المتطرف الشعبوي بسبب طروحاته الراديكالية بخصوص المهاجرين والإسلام والحفاظ على «الهوية الفرنسية».
والعنصر الآخر، نجاح العملية الانتخابية الداخلية لـ«الجمهوريون» التي أفضت إلى فوز فاليري بيكريس، رئيسة إقليم «إيل دو فرانس» (باريس وضواحيها الكبرى التي تعد 12 مليون نسمة) بالترشيح الرسمي للحزب.
وهكذا، بسرعة بالغة، تبيّن أن المتضرر الأول من المرشح الطارئ زيمّور ليس إلا مارين لوبن، خاصة، أن الاثنين يتنافسان على الفوز بأصوات اليمين المتطرف والخائبين من ناخبي اليمين الكلاسيكي الذي يجسده حزب «الجمهوريون»، وريث الحزب الديغولي التاريخي، أو حتى من اليسار المهمش.
ثم أن الأمر اللافت للنظر أنه منذ الانتخابات الإقليمية التي جرت الربيع الماضي، كان اسم كزافيه برتراند، الوزير السابق ورئيس منطقة شمال فرنسا، المرشح الأبرز لحمل مشعل «الجمهوريون». وحجة فريقه، أنه الأقدر على التنافس وكسر معادلة ماكرون - لوبن، لا، بل والفوز على الرئيس الحالي. والحال، أن حسابات برتراند، الذي لم يجد أمامه من خيار سوى قبول الخوض في الانتخابات التمهيدية لـ«الجمهوريون» الذي كان خرج منه وأسس حزباً خاصاً به، جاءت خاطئة. إذ خرج من المنافسة في الدورة الأولى، وتنافس للجولة الثانية، إلى جانب بيكريس، النائب عن منطقة الألب، إريك سيوتي الذي يُعدُّ بطروحاته والسياسات التي دافع عنها، الأكثر يمينية بين المتنافسين الخمسة... حتى أن كثيرين رأوا فيه نسخة «معدّلة» عن أريك زيمّور.
- إيقاظ اليمين الكلاسيكي
اليوم، تنصبّ أنظار الفرنسيين كافة على فاليري بيكريس التي أفضى ترشيحها إلى «إيقاظ» ناخبي اليمين، الأمر الذي يظهر في استطلاعات الراي التي أجريت منذ ترشيحها رسمياً السبت الماضي. ويفيد الاستطلاع الذي أجراه معهد «إيلاب» ونشرت نتائجه الأربعاء، بأن بيكريس يمكن أن تحصل على نسبة 20 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى متخطية بذلك مارين لوبن (15 في المائة) وإريك زيمّور (14 في المائة) بحيث تحلّ في المرتبة الثانية وراء ماكرون (25 في المائة). والمفاجأة الثانية أنها يمكن أن تتغلب على ماكرون في الجولة الثانية بحيث تحصل على 52 في المائة من الأصوات مقابل 48 في المائة للرئيس المنتهية ولايته.
أما عن معسكر اليسار بمختلف تلاوينه، فإنه غارق في انقساماته. إذ إن المرشحة الاشتراكية آن هيدالغو، رئيسة بلدية باريس، عاجزة عن تخطي سقف الخمسة في المائة ومرشح الخضر يانيك جادو، أفضل حالاً، لكنه بعيد جداً عن مرشحي المقدمة (7 في المائة). ومن غير انسحاب أحدهما لصالح الآخر، فإن هزيمة ساحقة ماحقة ستلحق، بشكل مؤكد، باليسار المسمى «حكومي»، أي غير اليسار المتشدد الذي يمثله النائب والمرشح السابق (والحالي) جان لوك ميلونشون (8 في المائة).
- خبرة سياسية وحكومية
حقيقة الأمر، أن بروز اسم فاليري بيكريس كان بمثابة مفاجأة لمختلف الأطراف، بما فيها المعسكر الرئاسي. فبيكريس امرأة تتمتع بمؤهلات علمية وبخبرة سياسية وحكومية تؤهلها لأن تحتل أرفع المناصب في الجمهورية الفرنسية. ومنذ الصيف الماضي، لم تتوان بيكريس عن اللعب على وتر كونها امرأة، وعلى «الرسالة» التي يحملها انتخاب أول امرأة رئيسة للجمهورية. ومع أنها غير معروفة بشكل جيد خارج النطاق الفرنسي البحت، فإن سيرتها الذاتية تشهد على تمتّعها بقدرات وإمكانيات علمية ومهنية وسياسية عديدة.
ليست بيكريس «وافدة» على باريس أو على منطقة «إيل دو فرانس». فقد ولدت في العام 1967 في مدينة نويي - سور - سين، ضاحية باريس البورجوازية الراقية الواقعة على مدخل العاصمة الغربي في عائلة كاثوليكية. والدها، دومينيك رو، احتل مناصب جامعية رفيعة، وجدّها لناحية والدتها، لويس بيرتانيا، كان عالماً نفسياً، انخرط في صفوف المقاومة ضد المحتل الألماني. ولاحقا، تولّى معالجة لورانس، ابنة الرئيس الراحل جاك شيراك التي كانت تعاني من مشاكل نفسية. أما زوجها فهو جيروم بيكريس، رئيس أحد فروع شركة ألستوم الفرنسية المتخصصة بقطاع النقل والسكك الحديد ولديهما ثلاثة أبناء.
تتمتع بيكريس بمؤهلات جامعية وعلمية عديدة. وهي، كما الرئيس ماكرون، خريجة «المعهد الوطني للإدارة» (إينا) الذي يوفّر أعلى الكوادر لإدارة شؤون الدولة. وبعد تخرّجها في المعهد المذكور، عملت بيكريس في الإدارة موظفة رفيعة المستوى، ومارست، بالتوازي، التعليم في معهد العلوم السياسية (سيانس بو) المرموق في باريس. وكان دخولها عالم السياسية عام 1988 مستشارة لجاك شيراك الذي تسنم رئاسة فرنسا طيلة ولايتين من العام 1995 وحتى العام 2007).
في العام 2002، انتُخبت فاليري بيكريس للمرة الأولى نائبة في البرلمان عن دائرة الإيفلين (عاصمتها فرساي بجنوب غربي باريس) وأعيد انتخابها في العام 2007، إلا أنها تخلّت عن مقعدها النيابي عند تعيينها وزيرة في أولى حكومات الرئيس نيكولا ساركوزي. وطيلة ولاية ساركوزي، تقلّبت بيكريس في العديد من المناصب الوزارية فشغلت مناصب وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزيرة المالية، والناطقة باسم حكومة فرنسوا فيون.
غير أنها في العام 2015، انتُخبت رئيسةً لإقليم «إيل دو فرانس» منتزِعة الرئاسة من رئيسه الاشتراكي كلود برتولون، وأعيد انتخابها الربيع الماضي. ومن أجل التفرغ لمنصبها الجديد، عمدت إلى التخلي مجدداً عن مقعدها النيابي. لكنها بسبب ما اعتبرته نزوعاً نحو اليمينية المتشددة تحت رئاسة رولان فوكييز، خرجت بيكريس من حزب «الجمهوريون» وأطلقت في العام 2019 حزبها الخاص المسمى «أحرار».
- تأهبها للانتخابات المقبلة
مع هذا، ولدى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وإعلانها ترشحها في 22 يوليو (تموز) من العام الحالي، فإنها حرصت على أن تكون مرشحة الحزب – الأم؛ ولذا عادت إليه في أواسط أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعدما اتخذ قرار إجراء انتخابات داخلية لتعيين المرشح الرسمي المعتمد.
وهكذا، في أعقاب فوزها الكاسح السبت الماضي، بحصولها على 60 في المائة من أصوات المحازبين، أخذت بيكريس تجسّد آمال «الجمهوريون» في وضع حد لسلسلة الانتكاسات الرئاسية. وبدأت تمهد للعودة بهم إلى الإمساك بإدارة البلاد، بعدما خسروا الانتخابات الرئاسية مرتين: الأولى عام 2012 لصالح الاشتراكي فرنسوا هولند، والأخرى في العام 2017 أمام إيمانويل ماكرون.
خلال المناظرات الأربع التي تواجَه فيها مرشحو «الجمهوريون» الخمسة، بدت فاليري بيكريس الأكثر صلابة وعرضت برنامجاً انتخابياً سياسياً واضحاً وصريحاً. إلا أن الظاهرة الأبرز أنها، تحت ضغط المرشح زيمّور ومنافسها من داخل حزبها إريك سيوتي، اضطرت إلى تبنّي مواقف أكثر تشدداً مما كان يعرف عنها في موضوع الهجرة والتعامل مع اللاجئين والإصرار على إجراءات إضافية لتعزيز العلمانية وإعادة فرض هيبة الدولة في كل أرجاء الجمهورية.
وحقاً، تتبنى بيكريس سياسة اقتصادية ليبرالية متقدمة ومحافظة إلى حد ما في المسائل الاجتماعية ومتشددة في المسائل السيادية. وهي تقترب، فيما تدعو إليه، من البرنامج «الجذري» الذي طرحه فرنسوا فييون، مرشح «الجمهوريون» عام 2017؛ إذ إنها تدعو إلى خفض أعداد الموظفين (200 ألف) ورفع سن التقاعد إلى 65 سنة وإعادة إطلاق الصناعة النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية على حساب خطط التركيز على الطاقة البديلة اللاكربونية.
أيضاً، ينص برنامج بيكريس على تشديد التعامل مع الجنح والجرائم ومضاعفة الأحكام لتلك الحاصلة فيما يسمى «المناطق الحساسة» التي تروج فيها تجارة المخدرات وتصفية الحسابات والانتهاكات من كل نوع. وهي تؤيد بناء سجون إضافية تتسع لما لا يقل عن 20 ألف نزيل وإيجاد مراكز تأديبية مغلقة للقاصرين الذين يرتكبون جنحاً، وتتمسك بفرض أحكام مشددة على كل المعتدين على منتسبي الأجهزة الأمنية.
- الهجرة غير الشرعية
وفي التعاطي مع الهجرات الشرعية، تريد فاليري بيكريس فرض سياسة «الكوتا» لتعيين حاجات الاقتصاد كل عام، وفي المقابل وهي عازمة على الحد من سياسة لمّ الشمل العائلي وخفض المساعدات الاجتماعية التي يستفيد منها طالبو اللجوء بالتوازي مع رفضها للهجرات غير الشرعية. ورغم تمسكها بالاتحاد الأوروبي، فإنها تعتبر أن «القوانين الدستورية الفرنسية يجب أن تكون لها الأولوية على القوانين الأوروبية». وككل الساعين لترشيح «الجمهوريون»، تريد بيكريس خفض المديونية وخفض الضرائب وتشجيع الصناعة وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين والتخلي عن قانون تحديد أسبوع العمل بـ35 ساعة. وبالنسبة للضرائب، فإنها تريد تمكين الأهل من تقديم هبات لأبنائهم وأحفادهم لا تقل عن 100 ألف يورو معفاة من الضرائب كل ستة أعوام. ولتشجيع الأسر وتنشيط السياسة العائلية، تقترح بيكريس زيادة المخصصات الحكومية. وفي المسائل العلمانية، فإنها تريد فرض قَسَم الولاء للقيم الجمهورية على جميع العاملين في الوظائف العامة، كما أنها تعتبر الحجاب بمثابة وسيلة «إخضاع» للفتيات والنساء.
- قفزة في الاستطلاعات
خلال الأيام الستة المنقضية، حققت فاليري بيكريس في استطلاعات الرأي قفزة استثنائية تصل إلى عشر نقاط. والأهم من ذلك كله، أن الاستطلاع الأخير بيّن أنها تستطيع التغلب على الرئيس ماكرون. وفي هذا الإطار، يكمن تخوف المعسكر الرئاسي من ظهور هذه المرشحة أنها تتبنى برنامجاً قريباً من برنامج ماكرون. وبالتالي، قد تكون قادرة على اجتذاب شرائح مجتمعية سبق أن صوّتت قبلاً لماكرون، أو أنها انضمت إلى حزبه «الجمهورية إلى الأمام» أو إلى الأحزاب الرديفة التي تؤيده، مثل حزب الحركة الديمقراطية الوسطي الذي يرأسه المرشح المخضرم فرنسوا بايرو، أو حزب «آفاق» الذي أطلقه أخيراً رئيس حكومته السابق إدوار فيليب.
وهكذا، الواضح اليوم، بالنسبة لخبراء السياسة الفرنسية الداخلية، أن المعركة الرئاسية ستُحسم داخل معسكر اليمين. وما يميز فاليري بيكريس أنها تطرح برنامجاً متشدداً بما يكفي لاجتذاب بعض الذين تستهويهم طروحات زيمّور أو لوبن... ولكنهم يرفضون المغالاة التي تدمغهم. واقتصادياً، فإن برنامجها ليبرالي بما فيه الكفاية لاجتذاب مَن سار وراء ماكرون بفضل ليبراليته. لكن فيس المقابل، بيكريس يمكن أن تعاني من مشكلة التوفيق بين الجناحين المتشدد والمعتدل داخل «الجمهوريون» بحيث لا تعثر على «نقطة التوازن» التي ترضي الجميع... أو على الأقل لا تحدث شروخاً بين حساسياته المختلفة.
بيد أن كل ما سبق لا يعني بتاتاً أن ماكرون خسر سلفاً المعركة الرئاسية. فالرجل يملك في جعبته أوراقاً رابحة، لعل أبرزها أنه سيكون بعد أيام قليلة رئيساً للاتحاد الأوروبي. وهذا الموقع سيمكّنه من إطلاق مبادرات، وأن يكون دائم الحضور على المستويات الوطنية والأوروبية والدولية، ما سيوفّر له رافعة سيستخدمها، بلا شك، لتأكيد الريادة الفرنسية، ولتبيان كونه المسؤول الأوروبي الأكثر بروزاً بعد انسحاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الأسبوع المنقضي، من المسرح السياسي.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.