نظرة إلى توازنات التركيبة القبلية اليمنية

مع التبدّل المرتقب في الوضع الميداني لتحالف صالح ـ الحوثي

نظرة إلى توازنات التركيبة القبلية اليمنية
TT

نظرة إلى توازنات التركيبة القبلية اليمنية

نظرة إلى توازنات التركيبة القبلية اليمنية

على وقع ضربات «عاصفة الحزم» بدأت تظهر بوادر ارتخاء نسبي وتردّد، ومراوحة في المكان نفسه لقوات تحالف علي عبد الله صالح - الحوثي. وهذه التطورات، وما يتوقع أن يليها في الأيام القريبة المقبلة، تمثل بداية تبدّل كبير في الواقع الميداني. فما هي هذه المؤشرات؟.. وماذا يحدث على مستوى الدوائر الحزبية؟.. وماذا يمكن أن يحدث في المحافظات الجنوبية والشرقية والساحلية؟.. وما هو دور قبائل المحافظات الشمالية وبعض الوجاهات والقيادات العسكرية السابقة والمرجعيات الدينية المختلفة؟.. وماذا سيكون مصير حزب «المؤتمر الشعبي العام» المنصة السياسية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، مع ورود أخبار عن قبول الأخير وأقاربه الخروج من العملية السياسية نهائيا؟
يلاحظ متابعو المشهد اليمني «المؤتمر الشعبي العام»، الذي كان المنصة السياسية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وجود تململ وقلق متزايد منذ بداية تحالفه مع جماعة الحوثي، ثم مع انطلاق عملية «عاصفة الحزم». ذلك أن الحزب له حضور وكذلك إنجازات تاريخية في بناء الدولة ووحدتها، إلا أنه ربط مصيره منذ ثورة 2011 بمصير صالح. واليوم، بعد كل هذه الأزمات والمآسي والتمزّق في اليمن، بسبب تعنت حلف الحوثي - صالح، والاستخفاف بمستقبل البلاد ووحدتها واستقرارها، أصبح مستقبل الحزب على المحك.
بالتأكيد الرجل (صالح) يناور منذ قدوم ابنه إلى الرياض وتقديمه مبادرة تتمحور حول مصيره السياسي وحماية مصالحه مقابل انقلابه على حليفه الحوثي، مرورًا بما سُمّي بمبادرته بعد يوم من بداية «عاصفة الحزم». قواعد الحزب وكوادره تعيش تحت تأثير صدمتين: الأولى، كانت على وقع ضربات «عاصفة الحزم» التي فاجأت الجميع، لا سيما من حيث ضخامتها وتوقيتها. والثانية، لمّا تسربت أخبار هروب واختفاء صالح، وسعيه لتقديم تنازلات - وإن كانت في شكل مناورة لا أكثر. لذا تدور في أروقة الحزب نقاشات حادة حول جدية وجدوى استمرار التحالف مع الحوثي، وحول مَن يتحمل مسؤولية الدمار الذي لحق بالدولة ومقدّراتها الاستراتيجية، وكذلك حول مصير حزب عريق يقوده رئيس مخلوع.
في الأفق تلوح انسحابات عدّة، بعضها قد يظهر للعلن خلال الأيام المقبلة وبعضها الآخر يحصل بهدوء وصمت. وقد يلتحق كثيرون من كوادر الحزب بأحزاب «اللقاء المشترك» بحسب قربهم الآيديولوجي من هذا التشكيل السياسي أو ذاك. الحزب يمرّ بمرحلة حساسة وخطيرة، وهو أمام خيارات محدودة، لأنه حزب «الرئيس» المؤسس، وحزب السلطة والامتيازات والترضيات. حزب كان يغذّيه صالح بكل النخب التي يسعى لسلخها عن أحزابها الأصلية وإلحاقها به مقابل مناصب ومنافع.
وفي كل الحالات فإن الخيار الأنسب للحزب هو أن يحسم أمر صالح ويلتف حول شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي بوضوح وحماسة، لأن هذا قد يؤدي إلى إنقاذ الحزب والدولة من الانهيار التام، ويضمن له مستقبلاً سياسيًا محترمًا. إلا أن ما هو مؤكد أن الحزب تضرّر كثيرًا، وقد تتعمق أزمته أكثر في المستقبل المنظور، ولن ينقذه سوى بقائه مع الرئيس هادي مثلما كان مع صالح سابقًا.
ومع تراجع أهمية إمكانيات حزب المؤتمر وقدراته على التأطير السياسي وتوزيع المنافع، وأمام انعدام حظوظ مستقبل صالح وابنه سياسيًا، ستعيد الكثير من القبائل التي عُرف مشايخها بانتماءاتهم «المؤتمرية» النظر في ولاءاتها السياسية. وسيكون لذلك تأثير على مجريات الأحداث على الأرض. إن الملاحظ في الأيام الأخيرة أن التحرّكات القبلية تنطلق من المناطق التي لم يُطبِق عليها الحوثيون قبضتهم، مثل المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية. وفي بعض المناطق مثل محافظات البيضاء ومأرب والجوف وإب، حيث القوى القبلية متماسكة ومصمّمة على مقاومة الحوثي، فستكون هناك جبهات تبدأ منها انتكاسات الحوثي وانهياراته عسكريًا.
بصفة عامة، هذه القبائل لا تمتلك السلاح الثقيل، فجلّ ما تمتلكه يبقى من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي لن تمكّنها من الصمود أمام قوة تمتلك كل الأسلحة التي كانت بيد الجيش اليمني. غير أن مناوشاتها المتفرّقة من شأنها أن تزيد إرباك الحوثيين وعرقلة تحركاتهم. فماذا سيكون دور القبائل، وعلى رأسها حلف حاشد، وكذلك سكان المناطق الشمالية مثل مديرية أرحب ومحافظة عمران؟
هذه تنتظر مؤشّرات سياسية من بعض الأطراف التي قد تستقطبها من جديد، نظرًا لوجود استعداد للانسلاخ عن تأييدها لصالح. ومن المنتظر أن تبدأ بسحب أبنائها من القتال مع الحوثي، ثم في مرحلة أخرى تنقض على قواته ونقاط التفتيش المرابطة أو المارة بأراضيها، لأنه أخضعها في بداية تقدّمه من الشمال في اتجاه صنعاء بقوة السلاح وبصورة مذلّة. ومن ثم، أجبرها على توقيع ما يشبه اتفاقيات استسلام. في هذه المرحلة سيكون للشخصيات من الوجهاء والمشايخ، وكذلك للعائلات التاريخية، التي ظن الحوثي أنه قضى عليها أو – على الأقل - حيّدها، رغم مكانتها ودورها التاريخي، دور فعّال من جديد. لكن هل يمكن لهذه القبائل أن تحصل على أسلحة ثقيلة؟
ستكون لهذا الأمر انعكاسات خطيرة في المستقبل، باعتبار أن السلاح الثقيل يدخل ضمن اختصاصات الدولة السيادية. وبالتالي، يخشى في ما بعد أن يستخدم في صراعات بين القبائل أو بين القبائل والدولة، لكن لا بد من أن تسندها قطاعات عسكرية متمرّدة على الحوثي وصالح. ولقد بدأت، بالفعل، تظهر في بعض قطاعات الجيش عمليات تمرّد وهروب، ووتيرة ذلك تزداد مع تقدّم عمليات القصف الجوي، وتدمير مراكز القيادة والسيطرة. كذلك بدأت تظهر بوادر تفكك وسخط على القيادة التي دفعت بها نحو مثل هذا الوضع وهذا الحال، وهو الموت من أجل قضية ليست وطنية. والمرجّح أن بعض القيادات العسكرية السابقة التي فقدت مناصبها عند دخول الحوثيين العاصمة صنعاء، وما تلا ذلك، لديها القدرة على إعادة تجميع قواها في بعض القطاعات العسكرية، خاصة في صنعاء وضواحيها والمناطق الشمالية. فالمناخ هناك مهيأ لتمرّد عسكري واسع النطاق تقف خلفه ولاءات قبلية وعسكرية سابقة. ولذا ينتظر أن تُرفَد القبائل واللجان الشعبية والمقاومة ضد الحوثي بقيادات عسكرية ميدانية. أمام كل هذه التطورات، وعلى وقع الخسائر في صفوف الحوثيين من حيث العدد والعتاد والمعنويات، تُلاحظ بوادر انشقاقات داخل صفوفهم، سواءً بين الشق القبلي والشق غير القبلي، أو بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية.. وهذه البوادر لوحظت منذ المدّة السابقة لكنها مرشحة لأن تتعزز وتتعمق. إن الخلافات داخل أوساطهم قائمة إلا أن انتصاراتهم المبكرة وتقدمهم الميداني السريعة معطيات غطّت عليها. إن «الحوثية» حركة فئوية وطائفية لا تمتلك المشروع الوطني الجامع، وهذا عاملٌ كاف لتصدّعها أمام أول تحدٍّ جدّي. وبناءً عليه يتوقّع راصدو المشهد اليمني أن يكون انهيارها سريعًا ومفاجئًا. ثم إن الشعور بوجود خطر جدّي وأكيد على قواعد الحوثيين في صعدة، خاصةً المواقع التي تتحصّن بها قياداتهم السياسية، سيدفعهم إلى الانسحاب من المناطق الأخرى والتجمّع للدفاع عنها.. وهذا الانكفاء يعني الانهيار الحتمي. وهكذا، ينتظر حصول انشقاقات داخل المعسكر الحوثي نفسه، ستكون بدايته بانسحاب المتحوثين لأسباب مصلحية بحتة دون أدنى قناعات آيديولوجية أو ارتباطات تنظيمية وعقائدية.
ناحية أخرى تستحق الإشارة، هي أن الأحداث تتجه نحو التنويه العلني للفصل بين أتباع المذهب الزيدي وعلمائه عمومًا وأتباع الحركة الحوثية، والتأكيد على أن الحوثية تمثل أدلجة للمذهب ولا تمثل حقيقة المذهب ذاته. ولقد ظهر هذا في تصريحات بعض العلماء اليمنيين الذين نصحوا الحوثي بفك الارتباط مع إيران والكفّ عن الهروب إلى الإمام، وسلوك طريق التعقل والتفكير في مصلحة البلاد ومصلحة المذهب ومصلحة الفئة التي يزعمون تمثيلها، وذلك لأن سلوكه هذا سيولّد أحقادًا لن يكون تراكمها في مصلحتها أبدًا. وإلى هذا يتجه بعض كبار علماء الزيدية غير المؤدلجين، الذين في النهاية همّشهم الحوثي، من الساحة التي سيطر عليها بعض صغار فقهاء المذهب وبعض الوجوه البارزة سابقًا مثل مرتضى المحطوري الذي قضى في تفجير مركز بدر منذ أيام.
إن انهيار الحوثي وتفكك القطاعات الموالية لعلي عبد الله صالح وأقاربه، ومن ثم تفسّخ حزب المؤتمر، سيخلّف تداعيات أبرزها وأخطرها حدوث فراغ سياسي وإداري يجب التفكير بشكل جدي في كيفية ملئه كي لا تحدث الكارثة بظهور كيانات انفصالية ومناطقية خطيرة.

* باحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.