ميقاتي لا يريد الدخول في اشتباك سياسي مع «الثنائي الشيعي»

TT

ميقاتي لا يريد الدخول في اشتباك سياسي مع «الثنائي الشيعي»

ما لم يطرأ تطور إيجابي في الأسابيع المتبقية من العام الحالي لتحرير الحكومة الميقاتية من الأَسْر بوقف تعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء، فإن الاستعاضة عن تعطيلها بتفعيل اجتماعات اللجان الوزارية لا يكفي ولا يؤمّن احتياجات المواطنين لتجاوز أزماتهم المعيشية لأن عشرات البنود المكدّسة لدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء باتت في حاجة ماسّة لإدراجها على جدول أعمال مجلس الوزراء الغائب حالياً عن السمع ما دام الوزراء المحسوبون على «الثنائي الشيعي» مستمرين بمقاطعتهم للجلسات ويشترطون معالجة الأسباب التي أمْلت عليهم الغياب وتتعلق بضرورة الفصل بين صلاحية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت وبين الأخرى المناطة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وتقول مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لـ«الشرق الأوسط» إنه لن يغامر بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد رغم أنه لا مشكلة في تأمين النصاب العددي لانعقاده بغياب الوزراء الشيعة، لأنه ليس في وارد الدخول في اشتباك سياسي مع الثنائي الشيعي وهو يراهن على ارتفاع الضغط الشعبي المطالب بضرورة وقف تعطيل الجلسات، خصوصاً أن استقالته ليست مطروحة.
وتكشف المصادر نفسها أن ميقاتي يحاذر من إقحام حكومته في أزمة سياسية بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد كأمر واقع يشكل إحراجاً لـ«الثنائي الشيعي»، خصوصاً لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، وكان قد حرص على مراعاته في أثناء تشكيله للحكومة بإسناد حقيبة «المالية» للوزير يوسف الخليل، بخلاف رغبة رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي حاول استبعاده بذريعة أنه الوزير الظل لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يصر على إقالته، لكنه اصطدم بإصرار ميقاتي على عدم الاستغناء عنه.
وتلفت المصادر إلى أن إصرار ميقاتي على أن يكون مجلس الوزراء «كامل الأوصاف» للانعقاد بحضور الوزراء الشيعة يكمن في أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء بشخص القاضي محمود مكّية، انتهت من إعداد أكثر من 140 بنداً لإدراجها على جدول الأعمال، وتقول إن 80 بنداً منها في حاجة إلى توقيع وزير المالية لتصبح نافذة.
وتسأل المصادر نفسها كيف سيكون عليه الوضع داخل الحكومة في حال أن وزير المالية بغياب الوزراء الشيعة امتنع عن التوقيع عليها وأعادها إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء؟ وترى أن البلد سيدخل حينها في أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات على خلفية أنه يتحدّى «الثنائي الشيعي»، وهذا ما لا يريده ميقاتي ولن يُقْدم عليه.
وفي هذا السياق تردّد أن عون اتخذ قراره بعدم التوقيع على المراسيم واشترط دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، في مقابل إصرار ميقاتي على ضرورة التروّي وعدم الإقدام على خطوة تأخذ البلد إلى مزيد من التأزُّم من دون أن يعني موقفه أنه أوقف مساعيه باتجاه بري وقيادة «حزب الله» لتذليل العقبات المؤدية إلى تعطيل جلسات مجلس الوزراء، مع أن رئيس المجلس يغمز من قناة رئيس الجمهورية بعدم تنفيذ ما اتفق عليه الرؤساء الثلاثة في اجتماعهم في بعبدا بضرورة الفصل بين التحقيق القضائي والتحقيق الآخر الذي هو من اختصاص المجلس الأعلى.
ويحمّل مصدرٌ نيابي عون مسؤولية عدم متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه كما تعهد في اجتماع بعبدا، ويقول إن الكرة الآن في مرمى رئاسة الجمهورية. ويرى أن امتناع عون عن التوقيع على المراسيم ينمّ عن عدم ارتياحه، لتخلّف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الاتصال به، كما وعد، لإطلاعه على أجواء المحادثات التي أجراها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والاستعاضة عنه بإيفاد سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو، للقاء رئيس الجمهورية.
ويقول إن عون يتذرّع بعدم التوقيع على المراسيم في وجود حكومة فاعلة بخلاف توقيعه على المراسيم في ظل حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة، مع أن الأسباب الحقيقية تتعلق بوضع ميقاتي أمام صِدام لن يحصل مع «الثنائي الشيعي»، تحت عنوان الضغط لوقف تعطيل مجلس الوزراء، في محاولة لحشر بري، بذريعة أن حليفه «حزب الله» يُبدي كل استعداد لتسهيل مهمته لمعاودة تفعيل العمل الحكومي.
كما أن عون، حسب المصدر النيابي، يريد توجيه رسالة اعتراضية إلى ماكرون، وهذا ما يفسّر عدم تعليقه على البيان الفرنسي - السعودي المشترك، كما يحاول تعويم نفسه مسيحياً بتبنّي موقف وريثه السياسي النائب جبران باسيل، بالمطالبة بانعقاد جلسات مجلس الوزراء.
لذلك تتوالى الضغوط السياسية لمعاودة إحياء الجلسات الحكومية لأن هناك حاجة ملحّة، كما يقول مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، للتوقيع على عدد من الاتفاقيات أبرزها استجرار الغاز المصري والكهرباء من الأردن للبنان، وتجديد العقد المعقود مع شركة «ألفاريز» للتدقيق الجنائي، وتسمية رئيس وأعضاء هيئة الإشراف على الانتخابات بعد أن انتهت ولايتهم، مع أن وزير الداخلية القاضي بسام مولوي لا يرى عائقاً في التمديد لهم.
فاتفاقية استجرار الغاز والكهرباء، حسب المصدر الوزاري، في حاجة إلى موافقة مجلس الوزراء، شرط أن تستجيب لشروط البنك الدولي لتغطية تمويلها لسنة ونصف، ومن أولوياتها: تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وزيادة التعريفة على استهلاك الطاقة الكهربائية، وتفعيل الجباية، وإعادة تأهيل شبكات التوزيع لوقف الهدر التقني الذي يتراوح ما بين 40 و50% من التغذية بالتيار الكهربائي، وهذا ما نصحت به باريس خلال انعقاد مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان على النهوض من أزماته المالية والاقتصادية. وعليه، فإن ميقاتي الذي اعتاد تدوير الزوايا يأخذ على عاتقه إزالة الأسباب التي تعطل الجلسات بغياب الوزراء الشيعة من دون أن يبادر إلى توجيه الدعوة لانعقاد الجلسات بمن حضر، ويعطي فرصة لنفسه لعله يتمكن من سحب «الفيتو» الشيعي من التداول.
مع أن العام الحالي الذي يقترب من نهايته لن يسجّل أي تقدّم إلا إذا حصلت مفاجأة غير متوقعة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.