الاتحاد الأوروبي عازم على معاقبة معرقلي الانتخابات في لبنان

TT

الاتحاد الأوروبي عازم على معاقبة معرقلي الانتخابات في لبنان

فيما أكد الرئيس اللبناني ميشال عون أمس، خلال استقباله المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتيسكا، أن «كل التحضيرات قائمة لإجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، وبالتالي لا داعي للقلق والأخذ بالإشاعات التي يُروج لها في بعض وسائل الإعلام»، اعتبرت مصادر دبلوماسية أوروبية رفيعة المستوى أن الاتحاد الأوروبي «سيكون جاهزاً لفرض عقوبات على الجهات التي تعرقل العملية الانتخابية» بموجب القرار الأوروبي المتخذ سابقاً. وأهمية هذه العقوبات، في حال فرضها، أنها ستكون «جماعية وعلى المستوى الأوروبي»، وبالتالي فإن «فاعليتها ستكون أكبر، وستشكل ورقة ضاغطة» على الجهات التي تسعى لنسف الاستحقاق الانتخابي.
ويعي الأوروبيون أهمية العملية الانتخابية من جهة، والعقبات التي قد تحول دون حصولها من جهة أخرى. وبحسب المصادر المشار إليها، فإن الطرف الأوروبي يعتبر أن إجراء الانتخابات «مرهون إلى حد بعيد بالتوافقات التي يمكن أن تتم بخصوص ما سيحصل بعدها»، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية التي يفترض أن تحصل مبدئياً في خريف العام 2022.
وأعادت الجولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية الأسبوع الماضي إلى الإمارات وقطر والمملكة العربية السعودية، وخصوصاً محطته الأخيرة في مدينة جدة، تحريك الملف اللبناني. وأعقب ذلك اتفاق على خطة تحرك فرنسية - سعودية إزاء لبنان وورقة التزامات تقدم بها ميقاتي. ووفق المصادر الدبلوماسية الأوروبية، فإن ماكرون ينوي الاتصال قريباً بالرئيس اللبناني، وهو ما أكده في نهاية زيارته إلى السعودية. ويعزى التأخير للأجندة الحافلة بالأنشطة متعددة الأشكال لماكرون من زيارات للمناطق الفرنسية واجتماعات مجلس الدفاع للشؤون الصحية ومؤتمره الصحافي بعد ظهر اليوم للكشف عن الأولويات الرئاسية الفرنسية للاتحاد الأوروبي التي ستبدأ في الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، وتمتد لـ6 أشهر فضلاً عن استقباله رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، ولاحقاً المستشار الألماني الجديد الذي يخص فرنسا بأول زيارة يقوم بها إلى الخارج. وتؤكد هذه المصادر أن لبنان «سيبقى على رأس أجندة» الرئيس ماكرون، رغم مشاغله، ورغم التعطيل الذي يمارسه السياسيون اللبنانيون. والهمّ الأول له «تجنيب لبنان مزيداً من التدهور على الصعد الحياتية والاقتصادية والسياسية كافة».
وتبدي المصادر الأوروبية كثيراً من القلق إزاء الشلل الذي يضرب مجلس الوزراء الذي لم يعقد اجتماعاً له منذ ما يزيد على الشهر، وما زال مرتهناً لقرار «الثنائي الشيعي» المتمسك بإزاحة القاضي طارق البيطار من التحقيق الخاص بانفجار المرفأ كشرط لعودة وزرائه إلى طاولة الاجتماعات. وتجدر الإشارة إلى أن البيطار عاود العمل بعد أن رفضت محكمة استئناف بيروت دعوى كفّ يده، وهي الأخيرة زمنياً، عن الملف. والحال أنه لا حلول واضحة حتى اليوم للخروج من مأزق التعطيل. وترى المصادر الأوروبية أنه «يمكن التوصل إلى حل مقبول» من غير الدخول في التفاصيل مع تشديدها على أهمية أن يتواصل التحقيق من أجل جلاء ظروف التفجير وتبيان المسؤوليات.
بيد أن الطريق المفضية إلى إطلاق الإصلاحات التي التزم ميقاتي العمل لإنجازها لا يمكن أن تكون سالكة من غير الحد الأدنى من التفاهم وعودة مجلس الوزراء إلى العمل بشكل طبيعي. وتصرّ المصادر الأوروبية على أنه يتعين على السلطات اللبنانية أن تتجاوب مع «الاختراق» الذي حققته مبادرة ماكرون، على صعيد إطلاق الإصلاحات، أو على الصعيد السياسي.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.