محقق انفجار مرفأ بيروت يستأنف عمله ويستعد لاستدعاء سياسيين

«الاستئناف» أطلقت يده مجدداً والمواجهة تنتقل إلى «التمييز»

TT
20

محقق انفجار مرفأ بيروت يستأنف عمله ويستعد لاستدعاء سياسيين

يستعد المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار لاستئناف تحقيقاته في الملف اعتباراً من صباح اليوم الأربعاء، بعد توقف دام أكثر من شهر، بفعل الدعاوى التي واجهته، وذلك غداة صدور قرار حاسم عن محكمة الاستئناف في بيروت، رفضت فيه الدعوى المقدمة من وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس بحق البيطار، التي طلب فيها تنحيته وكف يده عن القضية.
وكشفت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط»، أن «دعاوى جديدة تنتظر البيطار لمقارعته أمام محاكم التمييز، وذلك لقطع الطريق على أي إجراء قد يتخذه بحق النواب والوزراء المدعى عليهم، ما دام أنه (البيطار) يكرس نفسه مرجعاً صالحاً لملاحقتهم، متخطياً اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بهذا الشأن».
ووضعت محكمة الاستئناف في بيروت برئاسة القاضية رنده حروق، حداً للنزاعات القانونية المستمرة في هذا الملف، والتي انطلقت قبل 40 يوماً، بدعوى تقدم بها الفريق القانوني للدفاع عن الوزير السابق يوسف فنيانوس أمام محكمة الاستئناف في بيروت برئاسة القاضي نسيب إيليا ضد القاضي البيطار، ومن ثم استتبعت بدعوى من الفريق نفسه ضد القاضي إيليا لتنحيته عن النظر بدعوى تنحية البيطار، ما استدعى تعيين القاضي حبيب مزهر لهذه المهمة، قبل أن يتقدم محامون وكلاء عن عدد من ضحايا انفجار المرفأ، للطعن بالقاضي مزهر وبحياديته، إلى أن حسمت المحكمة هذا النزاع المستفحل، وأعلنت عدم الاختصاص النوعي لمحاكم الاستئناف للبت بدعاوى تنحية البيطار.
ولم تنطلق المحكمة من اجتهاد ذاتي، إنما استندت إلى القرار الصادر قبل أسبوعين عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز (أعلى هيئة قضائية)، الذي حدد محاكم التمييز وحدها باعتبارها المرجع المختص للبت بدعاوى رد المحقق العدلي، وفرضت غرامة مالية (رمزية) على الجهة المدعية (فنيانوس)، كما قررت المحكمة إبلاغ القاضي طارق البيطار مضمون قرارها لمتابعة السير بتحقيقاته، وأبطلت كل الإجراءات التي اتخذها القاضي حبيب مزهر، المتمثلة بدعوة المحقق العدلي إلى وقف التحقيقات بملف المرفأ، وتسليمه كامل الملف واعتبار هذه القرارات منعدمة الوجود وإبطال مفاعيلها.
وتبلغ المحقق العدلي صباح أمس قرار محكمة الاستئناف الذي أزال كل العراقيل التي جمدت التحقيق خلال الأسابيع الماضية، وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن البيطار «سيستأنف إجراءاته خلال الساعات المقبلة، ويستهلها بتحديد مواعيد متتالية لاستجواب السياسيين والقادة العسكريين والأمنيين المدعى عليهم في قضية المرفأ، وهم: رئيس الحكومة السابق حسان دياب، الوزراء السابقون والنواب الحاليون علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، الوزير السابق يوسف فنيانوس، قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، مدير المخابرات السابق العميد كميل ضاهر والعميدان المتقاعدان جودت عويدات وغسان غرز الدين، وموظفون في المرفأ».
وتوقعت المصادر أن «يتسلم البيطار خلال صور الأقمار الصناعية الروسية، التي سلمها الجانب الروسي إلى وزير خارجية لبنان عبد الله بوحبيب».
وبخلاف المبررات القانونية والدستورية، التي تتحدث عن استحالة ملاحقة النواب في هذه المرحلة لأن الدستور يمنحهم الحصانة في فترة انعقاد الدورة العادية للمجلس النيابي، فإن مواكبة لمسار التحقيقات، جزمت لـ«الشرق الأوسط» أن البيطار «يرفض التسليم بهذا الأمر، وهو يستند إلى مضمون المادة 97 من النظام الداخلي للمجلس النيابي التي تنص على أنه (إذا لوحق النائب بالجرم خارج دورة الانعقاد أو قبل انتخابه نائباً، تستمر الملاحقة في دورات الانعقاد اللاحقة دون الحاجة إلى طلب إذن المجلس النيابي، لكن على وزير العدل أن يحيط لمجلس النيابي علماً بالأمر في أول جلسة يعقدها البرلمان...). وذكرت المصادر بأن المحقق العدلي «ادعى على النواب المذكورين وباشر إجراءات ملاحقتهم خارج الدورة العادية للبرلمان، وبالتالي فإن الحصانة ساقطة عنهم حكماً».
وإذا كان قرار محكمة الاستئناف يعطي دفعاً جديداً للتحقيق، فقد شددت المصادر المواكبة للتحقيق أن البيطار «سيواجه في الأيام والأسابيع المقبلة حرباً جديدة من السياسيين المدعى عليهم».
وتوقعت «مسارعة وكلاء السياسيين المدعى عليهم إلى «تقديم دعاوى أمام محاكم التمييز لرد القاضي البيطار، وعند تبلغ الأخير أي دعوى من هذه الدعاوى، سيضطر إلى وقف إجراءاته وتجميد التحقيق إلى حين البت بها، ما يعني أن مسار الملف طويل جداً».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.