واشنطن وحلفاؤها يحذّرون من «فظائع» إثيوبيا

دول تطالب بوقف فوري للنار ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات

TT

واشنطن وحلفاؤها يحذّرون من «فظائع» إثيوبيا

دعت الولايات المتحدة وخمسة من حلفائها، حكومة الرئيس الإثيوبي آبي أحمد، أمس الاثنين، إلى إطلاق أتباع العرقية التيغرانية المحتجزين لدى السلطات، محذرة في الوقت ذاته من الانتهاكات الجسيمة التي ترافقت مع تقدم مقاتلي «جبهة تحرير شعب تيغراي» في اتجاه أديس أبابا. وطالبت بوقف فوري للنار ومحاسبة المسؤولين عن الفظائع. وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً مشتركاً من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والدانمارك وهولندا وأستراليا، التي عبرت عن «قلق بالغ» من التقارير الأخيرة عن قيام الحكومة الإثيوبية باحتجاز عدد كبير من المواطنين الإثيوبيين «على أساس انتمائهم العرقي وبدون تهمة»، مضيفة أن إعلان الحكومة الإثيوبية حال الطوارئ في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي «ليس مبرراً للاعتقال الجماعي لأفراد من مجموعات عرقية معينة». وأوضحت أن التقارير الصادرة عن اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية تشير إلى «اعتقالات واسعة النطاق لأتباع عرقية التيغراي، وبينهم القساوسة الأرثوذكس وكبار السن والأمهات مع الأطفال»، فضلاً عن «اعتقال الأفراد واحتجازهم من دون توجيه تهم إليهم أو عقد جلسات استماع في المحكمة»، علماً بأنهم «محتجزون في ظروف غير إنسانية»، محذرة من أن هذه الأعمال «يمكن أن يشكل العديد منها انتهاكات للقانون الدولي ويجب أن تتوقف على الفور». وطالبت بـ«السماح لمراقبين دوليين بالوصول من دون عوائق وفي الوقت المناسب». وكان آبي أعلن حال الطوارئ بعد تقدم المتمردين التيغرانيين نحو أديس أبابا. وظهر رئيس الوزراء الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2019 منذ ذلك الحين على الجبهات الأمامية للدفاع عن العاصمة. وكررت الدول الست التعبير عن «قلقها البالغ» من انتهاكات حقوق الإنسان، كتلك التي تنطوي على العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، والتي حددت في التحقيق المشترك الصادر عن مكتب المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان واللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان، ومن «التقارير المستمرة عن فظائع ترتكب من كل أطراف النزاع». وقالت إنه «يجب على كل الأطراف الامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، بما فيها تلك المتعلقة بحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والطبي»، مؤكدة «أنه لا يوجد حل عسكري لهذا النزاع». ونددت بـ«كل أشكال العنف ضد المدنيين في الماضي والحاضر والمستقبل»، مطالبة كل الجهات المسلحة بـ«وقف القتال». وأضافت أنه «يجب أن تنسحب القوات الإريترية من إثيوبيا»، مع دعوة كل الأطراف إلى «اغتنام الفرصة للتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار من دون شروط مسبقة». وشددت على أنه «يجب على الإثيوبيين بناء عملية سياسية شاملة وإجماع وطني من خلال الوسائل السياسية والقانونية، ويجب محاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان».
وذكرت وسائل إعلام حكومية في إثيوبيا، أمس الاثنين، أن القوات الاتحادية استعادت السيطرة على بلدتي ديسي وكومبولتشا الاستراتيجيتين في شمال البلاد بعد أكثر من شهر على إعلان مقاتلي «جبهة تحرير شعب تيغراي» السيطرة عليهما. وهذه أحدث علامة على أن الحكومة تستعيد الأراضي التي فقدتها في الآونة الأخيرة. وكتب المكتب الإعلامي للحكومة في تغريدة: «مدينة ديسي التاريخية ومدينة كومبولشا التجارية والصناعية، حُررتا من جانب قوات الأمن المشتركة الشجاعة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟