استمرار تهاوي العملة اليمنية يفاقم معاناة السكان وسط دعوات للإنقاذ

TT

استمرار تهاوي العملة اليمنية يفاقم معاناة السكان وسط دعوات للإنقاذ

واصلت العملة اليمنية (الريال) تهاويها أمام العملات الصعبة بعد أن سجل الدولار الواحد نحو 1700 ريال في تعاملات اليومين الأخيرين بالمناطق المحررة؛ الأمر الذي ولد حالة واسعة من السخط في أوساط السكان، رافقها خروج مظاهرات غاضبة تدعو الحكومة الشرعية إلى المسارعة بإنقاذ الوضع الاقتصادي بعد أن بات يهدد بمجاعة محققة.
وبحسب مصادر محلية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»؛ شهدت محافظات عدن وتعز وحضرموت خروج مظاهرات حاشدة (الأحد) تندد بانهيار سعر العملة وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وسط مخاوف من أن تشهد المناطق المحررة حالة من الشلل التام للحركة التجارية في ظل استمرار التهاوي.
ورغم قيام الحكومة اليمنية المعترف بها شرعياً مع البنك المركزي في عدن باتخاذ العديد من التدابير في الأسابيع الماضية لوقف التدهور؛ بما في ذلك اللجوء للورقة الأمنية وملاحقة شركات الصرافة غير الملتزمة بتعاليم البنك؛ فإن الأوضاع استمرت في التدهور، في ظل شح المعروض من العملات الأجنبية.
وفي وقت سابق تصاعدت الدعوات في الأوساط التجارية والمؤسسات الحكومية إلى المسارعة لكبح جماح التدهور، في حين لوح التجار بالتوقف عن عمليات بيع السلع، وذلك بالتزامن مع تعويل الحكومة على تدخل دولي وإقليمي للمساعدة في تمكين البنك المركزي في عدن من استعادة السيطرة على زمام الأمور.
وفي حين ناشدت «جمعية الصرافين» في العاصمة المؤقتة عدن الرئيس عبد ربه منصور هادي اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف انهيار العملة المحلية، وقالت إنها ستعلق جميع عمليات النشاط المصرفي 3 أيام، حذرت الغرفة التجارية والصناعية في عدن من أن يؤدي الانهيار المستمر للعملة إلى اضطراب خطير في التجارة والصناعة، وشح المعروض السلعي الذي سيدفع بالبلد نحو المجاعة.
ويرفض العديد من المراقبين الاقتصاديين عقد مقارنة بين الثبات النسبي لأسعار صرف العملات في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية مع أسعارها المتدهورة في المناطق المحررة، لجهة ما تشنه الميليشيات من حرب اقتصادية ضد الحكومة الشرعية، من خلال سحب العملة الصعبة والمضاربة بها، ومنع تداول الطبعات الجديدة من الفئات النقدية الصادرة عن البنك المركزي في عدن. كما لجأت الميليشيات إلى ترويع المصارف وشركات الصرافة ومنعتها من نقل مراكزها إلى المناطق المحررة وفرضت سوقاً مصرفية موازية إلى جانب أنها فرضت رسوماً على تحويل الأموال من المناطق المحررة تجاوزت أكثر من 100 في المائة.
وفي ظل هذه المعطيات؛ باتت المناطق المحررة - وفق تعبير الخبير الاقتصادي اليمني عبد الحميد المساجدي - «تعيش أوضاعاً معيشية وإنسانية صعبة جداً، وتزداد صعوبة كل يوم مع استمرار العمل بالآلية الحكومية نفسها» التي قال إنها «أوصلت الأوضاع لهذه الحالة من التردي وتدهور الخدمات وسقوط العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية وجنون في الأسعار».
ويرجح المساجدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن يستمر مسلسل التدهور في سعر العملة دون التوقف عند حد «ما دام الملف الاقتصادي يحتل أدنى سلم اهتمامات الشرعية»، واصفاً الأمر بأنه «مؤسف ويعرض الناس للمجاعة ويدفع بغالبيتهم إلى دائرة الفقر وانعدام الأمن الغذائي، ويتسبب في إضعاف الموقف السياسي والعسكري للشرعية».
وفي رأي المساجدي؛ فإن «الأولوية القصوى لا بد من أن تكون لتحسين الأوضاع الاقتصادية، من خلال قيام الحكومة باتخاذ خطوات إيجابية لتحسين أحوال الناس المعيشية والاقتصادية».
وفي معرض إجابته عن ماهية الخطوات اللازم اتخاذها، يقترح المساجدي «تشكيل غرفة عمليات مشتركة من الحكومة والتحالف الداعم لها والسلطات المحلية في المحافظات المحررة، لإدارة الملف الاقتصادي وتبني مصفوفة إجراءات على الناحية الاقتصادية.
تبدأ من إصلاح مؤسسات الدولة الاقتصادية وإعادة هيكلتها وتغيير القادة المقصرين في إدارتها ومحاسبة الفاسدين، وتبني سياسات عمل تعزز من الثقة والشفافية، وحشد جميع الموارد وترشيد النفقات، ليأتي بعدها دور التحالف بدعم البنك المركزي اليمني بوديعة جديدة لإنعاش العملة الوطنية ومنع مزيد من التدهور والانهيار الذي يهدد بحلول كارثة على المواطنين في المناطق المحررة».
ويشدد المساجدي على أنه «ليس من المنطقي مطالبة المملكة العربية السعودية بأي وديعة أو دعم جديد ما لم يجرِ إصلاح الخلل الذي بدد الوديعة السابقة وجلب حول آلية مصارفتها الشبهات» على حد تعبيره.
وبخصوص ما يحدث في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، يعترف المساجدي بأن الجماعة الانقلابية استطاعت «تحريك الدورة النقدية؛ فالأموال تعود إلى الجماعة من خلال الإتاوات والجبايات المفروضة ومتعددة الأوعية على التجار والمواطنين والطلاب والمزارعين، فالجميع يخضع لهذه الجبايات؛ وهي تلبي نسبة كبيرة من احتياجات الجماعة الحوثية، إضافة إلى تنصلها من أي التزامات تجاه رواتب الموظفين أو النفقات التشغيلية للمؤسسات».
وفي محصلة القول؛ يعتقد المساجدي أنه على الحكومة الشرعية «حشد جميع الموارد من الأوعية كافة وتوريدها إلى الحسابات الخاصة بها في البنك المركزي، وذلك بالتعاون والتنسيق مع الجهات الأمنية والأطراف المسيطرة في مختلف المناطق المحررة، إضافة إلى إصلاح الخلل في هيكلية وإدارة المؤسسات والوحدات الاقتصادية، وفرض سياسة رقابية صارمة على محال وشركات الصرافة وأنظمة التحويلات المالية، وحصر مسألة بيع العملة الصعبة في التجار وفق شروط وحالات معينة لفترة محددة، ناهيك بأن يكون جميع هذا في غرفة عمليات تكون في حالة انعقاد دائم؛ لأن الوضع كارثي وينبغي عدم التساهل فيه» وفق قوله.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.