مساعٍ لإقناع الصدر بإعادة النظر في مفهوم الأغلبية الوطنية

المحكمة الاتحادية أجلت نظر شكوى الخاسرين في الانتخابات العراقية

TT

مساعٍ لإقناع الصدر بإعادة النظر في مفهوم الأغلبية الوطنية

مع أن زعيم تحالف «الفتح» هادي العامري، حسم الأمر على صعيد موقف قوى الإطار التنسيقي الشيعي باتجاه القبول بأي قرار تصدره المحكمة الاتحادية العليا، التي أجلت أمس إلى 13 من الشهر الحالي، نظر طلب من قوى الإطار الخاسرة في الانتخابات بإلغاء النتائج، فإن قوى الإطار تبحث حالياً صيغة توافقية بين رؤيتها ورؤية زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بشأن شكل الحكومة العراقية المقبلة.
وطبقاً لما يدور من تسريبات، فإن قوى الإطار التنسيقي، الذي يضم الأطراف الشيعية الرافضة لنتائج الانتخابات (تحالف الفتح ودولة القانون وقوى الدولة وحركة حقوق وحركة عطاء وحزب الفضيلة»، شكلت لجاناً بهدف التفاوض مع الصدريين أولاً لتضييق هوة الخلاف بينهم قبل التوجه إلى الشركاء في الفضاء الوطني (الكرد والسنة). وطبقاً لما كشفه لـ«الشرق الأوسط»، سياسي عراقي قريب من أجواء اجتماع منزل العامري، الأسبوع الماضي، فإن «أقل ما يمكن قوله عن اللقاء أنه كان صريحاً جداً، حيث قال كل طرف ما لديه وهو أمر مهم للغاية»، مبيناً أن «الصدر الذي كان وجه دعوة لقادة الإطار التنسيقي لزيارته في مقره بمدينة النجف لم يمانع في المجيء إلى بغداد بعد أن أظهر بعض قادة الإطار تردداً في قبول الدعوة، خشية ألا يحقق اللقاء هناك الهدف الذي يسعى إليه قادة الإطار، وهو تضييق الهوة بين الطرفين».
وأضاف السياسي العراقي أن «قادة الإطار فضلوا تشكيل لجنة تسبق اللقاء مع الصدر بالحنانة (مقره في النجف) لكي يتم الاتفاق على جدول اللقاء، لكن الصدر فاجأ الجميع بقبوله الدعوة للمجيء إلى بغداد، ولقاء قادة الإطار، وهو ما حصل». وأوضح أنه «في الوقت الذي يعد هذا اللقاء أول لقاء كامل بين الصدر وقادة الإطار التنسيقي بعد الانتخابات الأخيرة، ما عدا لقاءين عقدهما الصدر أثناء زيارته إلى بغداد بعد إعلان النتائج مع كل من عمار الحكيم زعيم (تيار الحكمة) وحيدر العبادي زعيم (ائتلاف النصر)، فإنه التقى في منزل العامري ولأول مرة منذ نحو 12 عاماً كلاً من المالكي وقيس الخزعلي».
وحول ما أشيع في وسائل الإعلام بأن جو الاجتماع كان متشنجاً في بعض جوانبه، بدءاً من محاولة الصدر الجلوس عند أول كرسي عند دخوله المنزل قبل أن يقوده العامري للجلوس في صدر المجلس بين المالكي والحكيم، يقول السياسي العراقي إن «كل طرف يمكن أن يفسر جو اللقاء حسب رؤيته أو رغبته، لكن في الإطار العام يمكن القول إن اللقاء على المستوى الشخصي حقق هدفه في إذابة الجليد، لأن الحديث كان مباشراً ووجهاً لوجه بين الصدر وبين المالكي أو الخزعلي بوصفهما يصنفان خصمين له، وهو ما يعني أنه بات بالإمكان تكرار مثل هذه اللقاءات مستقبلاً». ويمضي السياسي العراقي قائلاً: «أما على المستوى العملي، فيمكن القول إن المسافة لا تزال بعيدة نسبياً عما يراه الصدر، لا سيما على صعيد تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية الموسعة وبين ما تريده قوى الإطار التنسيقي بتشكيل حكومة وطنية أيضاً، لكنها لا بد أن تستوعب المختلفين».
وبيّن السياسي العراقي أن «قوى الإطار التنسيقي سوف تبحث هذا الأمر مع الصدر أثناء اللقاء القادم الذي سيكون في منزله». وحول ما إذا كان الجميع سوف يلبون الدعوة بمن فيهم المالكي أو الخزعلي، قال السياسي «لا أعتقد أن هناك مانعاً يحول دون ذهاب الجميع، لكن المباحثات السياسية بشأن تشكيل الحكومة، في مقدمتها الخلاف حول مفهوم الأغلبية، هذا يمكن أن يكون محور مفاوضات عبر لجان مشتركة بين الطرفين بهدف الوصول إلى صيغة يمكن أن يقبل بها الجميع».
ويبدو من خلال ما عبر عنه السياسي العراقي أن الخلاف بين الصدر وقوى الإطار قائم على صعيد كيفية تشكيل الحكومة، علماً بأن كلا من الطرفين سعيا خلال الفترة الماضية إلى جس نبض الكرد والسنة بشأن الصيغة التي يفضلانها. وطبقاً للتفاهمات التي قام بها السنة والكرد خلال الفترة الماضية، سواء فيما بينهم، أو مع الزعامات الشيعية من كلا الطرفين، فإن السنة والكرد يفضلون الحكومة التوافقية التي يرفضها الصدر ويؤيده مثلما قال السياسي «قسم من الكرد وبعض السنة»، بينما يحاول الإطار التنسيقي أن يصل إلى حل وسط مع الصدر، بحيث يكون رئيس الوزراء توافقياً مع حكومة شبه موسعة تجمع بين التوافقية والأغلبية، وهو ما لم يقبل به الصدر.
فالصدر وطبقاً لما أبلغ به قادة الإطار التنسيقي، إما يشكل هو الحكومة ويذهبون هم إلى المعارضة، أو يشكلون هم الحكومة ويذهب هو إلى المعارضة. ولأن الخوف هو من فكرة المعارضة التي تعني الإقصاء والتهميش في العراق، فإن كل القوى السياسية العراقية، ما عدا الصدر، لا تفضل هذا الخيار، بل تفضل ما أطلق عليه الصدر «خلطة العطار»، وهو بصياغة أخرى أشبه ما يكون بـسفينة نوح.



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.