تحويل 9.5 مليار دولار من الودائع المصرفية اللبنانية خلال الأزمة

​تأخير إقرار «الكابيتال كونترول» تسبّب بخروجها

مواجهات بين مودعين وقوات الأمن أمام أحد المصارف في بيروت أول من أمس (د.ب.أ)
مواجهات بين مودعين وقوات الأمن أمام أحد المصارف في بيروت أول من أمس (د.ب.أ)
TT

تحويل 9.5 مليار دولار من الودائع المصرفية اللبنانية خلال الأزمة

مواجهات بين مودعين وقوات الأمن أمام أحد المصارف في بيروت أول من أمس (د.ب.أ)
مواجهات بين مودعين وقوات الأمن أمام أحد المصارف في بيروت أول من أمس (د.ب.أ)

تزامنت الترقبات لاتفاق السلطتين التنفيذية والتشريعية على صياغة موحدة لمشروع قانون تقييد تحويلات الرساميل بالعملات الصعبة (كابيتال كونترول) إلى خارج لبنان، مع تقرير صادم أصدرته وكالة التصنيف العالمية (موديز) رجحت فيه خروج نحو 9.5 مليار دولار من الودائع المصرفية على مدار أكثر من سنتين من الأزمات النقدية والمالية التي تضرب البلاد.
ويسود اعتقاد عام بأن معظم التحويلات تعود لصالح نافذين سياسيين واقتصاديين، وتم تحويل ما يقرب من نصفها خلال الأسابيع الأولى لانفجار الأزمتين النقدية والمالية، حيث قالت الوكالة إنه «رغم القيود غير الرسمية على التحاويل مع نهاية عام 2019 فإن نحو 5.4 مليار دولار من ودائع غير المقيمين بالعملة الأجنبية خرج من لبنان خلال الفترة الممتدة بين شهر يناير (كانون الثاني) 2020 وشهر سبتمبر (أيلول) 2021 مع ارتفاع هذا الرقم إلى 9.5 مليار دولار إذا تم شمل عام 2019».
ويأتي ذلك بعد يومين على إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مقابلة عبر «يوتيوب»، «أنه عندما تم إقفال المصارف في عام 2019 اقترح على الرؤساء الثلاثة أن «يغطوه سياسياً» لإجراء نوع من «الكابيتال كونترول» وراسلهم بكتابات رسمية، لكنه لم يلق أجوبة، كما أن «مواقف عدة أطلقت في مجلس النواب لتعبر عن اعتراضها على قيام مصرف لبنان بإجراء هذا التنظيم».
وحفل التقييم الشامل للوضع اللبناني، بجملة من المؤشرات السلبية للغاية لمختلف أوجه الأداء السياسي والحكومي والمالي، بينما أحجمت «موديز» عن الإدلاء بأي ترقب معتاد (سلبي، إيجابي، مستقر) في الأفق المتوسط الأمد، بالنظر إلى أن التقييم الذي منحته لبنان عند الدرجة (C)، هو أدنى تقييم ممكن، ويرتكز إلى التدهور الكبير الذي تشهده البلاد في مجمل الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية. وأشارت صراحة إلى أنه حتى لو توصل لبنان إلى إعادة هيكلة ديونه وقطاعه المصرفي، فإنه سيحتاج إلى مدة طويلة قبل إعادة تأهيل وضعه بما يسمح برفعه من هذه المرتبة. كما أن أي تحسين في التصنيف مقرون بتطور بعض العوامل لتأمين استدامة الدين بحيث تشمل هذه العوامل تسجيل نمو اقتصادي وتأمين التمويل وتسجيل فوائض أولية مستدامة.
وفي النتائج الاقتصادية والاجتماعية المؤلمة للتدهور الاقتصادي والسياسي في لبنان، برزت إشارة صادمة إلى تقلص حاد للناتج المحلي من أعلى مستوياته عند 55 مليار دولار في نهاية عام 2018، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، إلى نحو 20 مليار دولار في عام 2020، مع ترقب استمرار الانحدار إلى نحو 18 مليار دولار هذا العام. بينما ارتفع معدل الفقر الفعلي من 42 في المائة في عام 2019 إلى 82 في المائة في عام 2021.
وفي معرض الآمال المعلقة على الجهود الحكومية لتسريع مفاوضات عقد اتفاقية برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي، فإن الموافقة من قبل المؤسسة الدولية قد تغدو صعبة في ظل استحقاق موعد الانتخابات النيابية خلال الربيع القادم، علماً بأن تشكيل الحكومة، قبل أشهر قليلة، يعد خطوة أولى فقط لناحية تطبيق الإصلاحات وإعادة هيكلة الدين، ومع الإشارة إلى إعادة استئناف التدقيق الجنائي لمصرف لبنان المركزي.
وأشارت إلى أن مؤسسات التمويل الدولية راغبة في تقديم العون المالي للبنان خلال عملية إعادة الهيكلة شرط تطبيق بعض الإصلاحات والتي تتضمن استعادة ملاءة المالية العامة والقطاع المصرفي عبر إعادة هيكلة الدين وإقرار التشريعات المتعلقة بالقيود على التحاويل وإلغاء تعدد أسعار الصرف وإجراء تدقيق شامل لمصرف لبنان ومؤسسات الدولة.
وفي ترقب لتزايد الاحتمالات بتكبيد خسائر كبيرة لحاملي سندات الدين الدولية المصدرة من الحكومة اللبنانية (يوروبوندز)، يتوقع أن تتخطى خسائر دائني لبنان نسبة 65 في المائة بنتيجة تخلف لبنان عن دفع السندات، بقرار اتخذته الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب أوائل شهر مارس (آذار) من العام الماضي.
وبالنسبة للقوة المؤسساتية، سجل لبنان نتيجة متدنية أيضاً، بحسب ما أوردته دائرة الأبحاث في مجموعة الاعتماد اللبناني عن التقرير، ما يعكس الضعف في بيئة الحوكمة وذلك في ظل ضعف فاعلية السياسة المالية للدولة وتماشياً مع محدودية فاعلية السياسات النقدية والمالية وذلك مع أخذ الضغوط الاقتصادية والخارجية بعين الاعتبار.
أما على صعيد القوة المالية، فقد نوه تقرير وكالة «موديز» إلى التدهور الكبير في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والتي تتوقع «موديز» أن تتخطى نسبة 200 في المائة خلال عام 2021 وأن تبقى مرتفعة خلال السنوات القادمة في حال عدم إجراء إعادة هيكلة للدين ما بين 140 في المائة و170 في المائة في عام 2023.
في هذا الإطار أشار التقرير إلى أن الارتفاع في نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي ناجمة عن التدهور الكبير في سعر الصرف بحيث تطورت بشكل كبير نسبة الدين بالعملة الأجنبية من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الحالية.
ولفتت الوكالة إلى أن توقعاتها تتمحور حول سعر صرف أعلى من ذلك المتداول في السوق الموازية، بحيث إن اعتماد سعر صرف السوق السوداء سيرفع نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي إلى 300 في المائة في عام 2020 و250 في المائة في عام 2021 بحسب التقديرات. كذلك، فإن خطر السيولة مرتفع نتيجة استنزاف احتياطات مصرف لبنان. بينما أشارت إلى صلابة التحويلات من الخارج خلال العام الماضي ما ساعد بتقليص العجز في الحساب الجاري مع التنويه بالتراجع الكبير في الإيرادات من السياحة.



انقلابيو اليمن يحولون المدارس إلى ثكنات 

أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)
أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)
TT

انقلابيو اليمن يحولون المدارس إلى ثكنات 

أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)
أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)

أعادت وكالة أممية حديثها عن تسرب ملايين الأطفال من التعليم، وتدمير آلاف المدارس في اليمن، بينما تتعسف الجماعة الحوثية مع موظفي قطاع التعليم، وحرمتهم من صرف نصف راتب شهري تعهدت به سابقاً، بالتزامن مع إجبار طلاب المدارس على المشاركة في دورات قتالية، وسط اتهامات داخلية للجماعة بالتآمر على قطاع التعليم.

ورفض نادي المعلمين اليمنيين ما سماه «سياسة التجويع» التي اتهم الجماعة الحوثية بممارستها ضد التربويين، مطالباً بعدم الانخداع بـ«أنصاف الحلول وفتاتها»، مع دعوته إلى صرف رواتب المعلمين كاملة، ومعها كامل المستحقات الأخرى، وذلك إثر استثناء الجماعة الحوثية قطاع التعليم من نصف الراتب الشهري الذي تعهدت به للموظفين العموميين.

ودعا الكيان النقابي المعلمين والأكاديميين والموظفين العموميين وعموم قطاعات المجتمع إلى الثورة في مواجهة ممارسات الجماعة الحوثية ورفض «حياة العبودية».

من داخل مدرسة في تعز تعمل «اليونيسيف» على إعادة إلحاق الطالبات المتسربات للدراسة فيها (الأمم المتحدة)

وعدّ النادي المطالبة بالراتب الكامل حقّاً أصيلاً، وليس ترفاً، مشدداً على أن كرامة المعلم لا ينبغي أن تكون رهينة لسياسات عمياء تُغلق الأبواب في وجه العدالة، في حين أعلنت مكاتب التربية الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية رفضها القاطع لاستثناء الإداريين في مكاتب التربية من صرف نصف الراتب الشهري.

وتعرضت الإجراءات الحوثية بشأن صرف رواتب الموظفين العموميين، التي أعلنت عنها منذ أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي لانتقادات حادة، كونها تعتمد على التمييز وتصنيف الموظفين إلى فئات، ما يؤدي إلى اختلالات عميقة، وتمييز حاد بين هذه الفئات.

وحذّر الناشط الحوثي طه الرزامي من تقسيم الموظفين إلى فئات (أ) و(ب) و(ج)، لصرف الرواتب لهم بحسب هذا التصنيف الذي قال إنه «سيولد الحقد والكراهية بين من يعملون من الفئة (ج) ولا تُصرف لهم أنصاف رواتب إلا كل ثلاثة أشهر، وبين من يستلمون رواتب شهرية كاملة من الفئة (أ) دون أن يعملوا».

ووصف إسقاط أسماء عشرات الآلاف من الموظفين القدامى ذوي الخبرة والكفاءة من قوائم صرف الرواتب بالجريمة التي ترتكب بحقهم بعد معاناتهم وعائلاتهم لتسع سنوات.

إيقاف الدراسة للتجنيد

اتهم القيادي الحوثي علي عبد العظيم، وكنيته أبو زنجبيل الحوثي الجماعة التي ينتمي لها، باستهداف قطاع التربية والتعليم وإهماله، إثر استثناء موظفيه من كشوفات صرف نصف الراتب الشهري الذي كانت تعهدت به لجميع موظفي الدولة في مناطق سيطرتها، واصفاً ذلك بالمؤامرة على التعليم، خصوصاً مع عدم إبداء الأسباب، وتجاهل مطالب المعلمين.

ويقود نادي المعلمين اليمنيين إضراباً منذ بداية العام الدراسي للمطالبة بصرف رواتب المعلمين، واعترض على تعرض قادته وعدد من المنتمين إليه خلال هذه الفترة لإجراءات عقابية حوثية، مثل الاختطاف والإخفاء القسري، واتهامهم بالخيانة والعمالة والتآمر، وقد توفي عدد من الخبراء التربويين في السجون.

في غضون ذلك أجبرت الجماعة الحوثية عشرات المدارس في مناطق سيطرتها على التوقف عن الدراسة لإلزام مئات الطلاب والمدرسين على المشاركة في دورات قتالية للتدرب على استخدام الأسلحة في أفنية المدارس.

ونقلت مصادر محلية في مدينة الحديدة الساحلية الغربية عن مدرسين وأولياء أمور الطلاب أن المدارس تحولت إلى مراكز حوثية لاستقطاب الأطفال وإغرائهم أو ترهيبهم للانضمام للجماعة والمشاركة في فعالياتها التدريبية والدعوية، تحت مزاعم مواجهة الغرب وإسرائيل.

منذ بداية العام الدراسي الماضي يواصل المعلمون اليمنيون إضرابهم للمطالبة برواتبهم (إكس)

وتنوعت وسائل الترهيب والإغراء للطلاب وأولياء أمورهم، حيث يجري استغلال الضربات الجوية الإسرائيلية على ميناء الحديدة وخزانات النفط لإقناعهم بأن هدف هذه العمليات هو إخضاع اليمنيين، إلى جانب عرض إعفائهم من الرسوم الدراسية، وزيادة درجات تحصيلهم الدراسي في حال المشاركة في تلك الأنشطة، والتهديد بزيادة الأعباء المالية والحرمان من الدرجات عقاباً على التغيب أو التهرب منها.

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة مشابهة وموازية يتعرض لها طلاب الجامعات العمومية، وخصوصاً جامعة صنعاء وكادرها التدريسي والوظيفي، ضمن مساع لاستقطاب وتجنيد الآلاف من الشباب والأطفال.

تأهيل أممي للمدارس

أعلنت «اليونيسيف» أن تداعيات الصراع المسلح في اليمن منذ أكثر من عقد من السنوات تسببت بتسرب أكثر من 4.5 مليون طفل خارج المدرسة، حيث خلّفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمين والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

وأوضحت المنظمة الأممية أنها وشركاءها من أجل التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين من الأطفال، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، نظراً لأن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

أطفال نازحون يدرسون في مبنى مهجور بمحافظة الحديدة الغربية (أ.ف.ب)

ونبهت «اليونيسيف» من تأثير النزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء اليمن، وتجزئة نظام التعليم الذي وصفته بأنه شبه منهار، وقالت إن ذلك كان له أثر بالغ على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية لكل الأطفال في سن الدراسة، البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

وأحصت المنظمة تدمير 2,916 مدرسة، بواقع مدرسة واحدة على الأقل، من بين كل 4 مدارس، أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية بسبب النزاع الذي تشهده البلاد.

ويواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين، ما يقارب 172 ألف معلم ومعلمة، على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ 2016، أو أنهم انقطعوا عن التدريس؛ بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.

وأشارت المنظمة إلى اضطرار المدارس لإغلاق أبوابها أمام الطلاب بسبب تفشي جائحة «كورونا» منذ خمسة أعوام، ما تسبب في تعطيل العملية التعليمية لحوالي 5.8 مليون طالب، بمن فيهم 2.5 مليون فتاة.