سيرين عبد النور و«أبلة فاهيتا» استراحة الأسهم الضاحكة

سيرين عبد النور في «لايف من الدوبلكس»
سيرين عبد النور في «لايف من الدوبلكس»
TT

سيرين عبد النور و«أبلة فاهيتا» استراحة الأسهم الضاحكة

سيرين عبد النور في «لايف من الدوبلكس»
سيرين عبد النور في «لايف من الدوبلكس»

لا يُنتظر من لقاء سيرين عبد النور وأبلة فاهيتا سوى ما شاهدناه: مرح من أول الحلقة إلى آخرها. وجه الكوميديا غلاب، والوقت للتسلية والتخفيف عن الناس مع مُحاوِرة ومُحاوَرة تسلمان أمرهما للضحكة. طبيعة «لايف من الدوبلكس» (أون تي في) تشترط إبقاء الهموم في الخارج والدخول بصحبة الدعابة. مَن يفضل الآهات وجر الويلات، لا مكان له في هذه الاستراحة. سيرين عبد النور تصطحب مزاج الفنان «الرايق». لا تتوقف والأبلة عن «الهزار». كأن الجلسة لمسح التعب من يوميات اللهاث خلف الحياة.
من يعرف أبلة فاهيتا وبرنامجها، يدرك ما ينتظره: أفواه باسمة وضحكات تُبين الأسنان. منذ «المواجهة» بين سيرين عبد النور والدمية المشاكسة كارو، تتراءى عفوية اللقاء خارج تكلف الفنان وتصنع صورته. الفنانة الأم والزوجة، في تناغم مع الدميتين اللامعتين. تخضع لامتحاناتهما وتضحك مهما كانت النتيجة. وحين تخيب، تُصلح الموقف كما يحصل في مواقف الخيبة، بالامتعاض حيناً والبسمة في توقيتها المناسب أحياناً.
محنكة أبلة فاهيتا في الحوار، ولسانها محنك! لا يفلت أحد من قبضتها، حتى الفنانة بشرى الآتية بآلامها إلى السجادة الحمراء في مهرجان الجونة! نالت نصيبها من اللطشات، وتعالت الضحكات. لم تتماسك سيرين ولم يتماسك الجمهور. وحدها الأبلة تراقب «الفوضى» التي يخلفها مزاحها، وتطمئن إلى أن الأجواء على ما يرام.
بأناقة الأنثى، تحضر الضيفة بالأسود ولمعانه. تدقق «كارو» في الأصل والفصل، مع سؤال عن جذور التسمية: «ماذا يعني سيرين؟». رد سريع: «الساحرة الصغيرة على أغصان الأشجار، الطيبة طبعاً، لا ساحرات الشر». تناديها «التانت»، فتسجل الاعتراض الأول. ذلك هين أمام اختبار الإملاء. «يا لهوي» على الطريقة المصرية! تستغل كارو نقاط الضعف كاعتراف الضيفة بإخفاقات اللغة، فتختار الأمتع على كارهي التعقيدات: الهمزة ومواقعها في الكلمة! النتيجة: «متلألئ» تصبح «متلقلق»، «والعالم العربي كله رح يضحك عليي. يا عين!».
من يد كارو إلى يدي الأبلة وفقراتها المباغتة. تخوض سيرين مغامرات الدوبلكس، من ركوب الطائرة إلى عبور المحيط والوقوع في قبضة القراصنة! مخيلة الأبلة تشعرها بالرعب. تمر الحلقة بخفة، ولا تشترط متابعاً يعلق على التفاصيل. هي مسلية، ونقطة على السطر. الضيف بكادر آخر، خارج أسئلة التنقيب في الدواخل البشرية. وجه يحبه الجمهور، كحبه لرصانة الفنان في غير برامج ولقاءات.
تخلط سيرين عبد النور اللبناني بالمصري، بتأثير من الأبلة والأجواء. ثم تسرد حكاية الطرافة من بطولة اللهجات العربية واختلافها: كانت في السوبرماركت بمصر و«المسيو أمام البراد» (البائع أمام الثلاجة)، فسألته عن «السَفينة». تلعثم وتاه. «إنها في البحر»، أجاب! يا رجل، «السَفينة» في لبنان هي صدر الدجاج وجمعها «سفاين». لا مكان لهذه المفردة على موائد المصريين ووجباتهم اليومية. مكانها في بطون أهل لبنان، لمن استطاع إليها سبيلاً.
لم تكن سيرين عبد النور وحدها في الدوبلكس، تتلقى أسهم الأبلة. بين الجمهور، زوجها ومدير أعمالها فريد رحمة، يصغي ويراقب. والزوجة كجميع العاشقات تعترف بالغيرة: «أغار عليه ويغار عليّ». مع توضيح: «لا الغيرة المؤذية». هَم الأبلة نصب فخ لرجل، فيشاركها حياتها بعد رحيل «المرحوم» رحمه الله. ففكرت، ماذا لو تصطاد فريد على مرأى من سيرين؟ تمضي الحلقة على مناكفات الزوجة والضرة، والنار المتقدة في المرأة حين يتعلق الأمر برجلها. كيد النساء بضحكة عريضة.
تُظهر «سيرو» كما تناديها الأبلة وجهاً نسائياً يعزر موقع الرجل في نجاح المرأة. فهي حين «تتخلى» عن نجوميتها أمام نداءات الأمومة، يحضها على العودة إلى فنها. يرافقها كظل لرغبتها في الحماية والإحساس بالطمأنينة، ولا تقلل من شأنه في حياتها كامرأة ونجمة. يخاف عليها فتصبح أقوى. تذهب في التمسك به حد القول إنها تُبدل من أجله ألوان شعرها مثلاً، فتدهشه بالتجدد والتنوع، ولا تتركه يلمح جمالاً في أخرى. المرأة العاشقة، تحتار غالباً في أمر رجلها؛ أي البهجات تعطي وأي الأوقات السعيدة. ماذا لو تزاعلا، والزعل اختبار المشاعر؟ ترمقه بنظرة فيدرك أن الأمور وصلت إلى حدها. دقائق ويتم الصلح.
سيرين في دوبلكس الأبلة، هي الإنسانة في يومياتها قبل الفنانة في فنها. يمر سريعاً الحديث عن جديدها مع رامي عياش الذي استضافته الأبلة، فأهدى لبنان جميل الغناء والأمل: «اسم المسلسل (العين بالعين)، تصويره في بداية العام المقبل. مزيج الغرام والانتقام والجريمة». باقي اللقاء، للنجمة في مطبخها والعلاقة مع زوجها وولديها. زيارة قصيرة إلى مملكة امرأة تختار عرشها بنفسها.
إذا كانت نجوى كرم تضيف إلى التبولة الحصرم للتنكيه وروعة الطعم، فإن صديقتها سيرين عبد النور تحتفظ بالوصفة المدهشة لصناعة التبولة لمطبخها. تصور يوميات الطبخ كما يومياتها مع كريستيانو طفلها. وفي المناسبة، لا علاقة لاختيار الاسم بمجد كرة القدم؛ لكن إرضاءً للجميع، ستُطلق اسم ميسي على الصبي المقبل إن أنجبت يوماً. طفولته على «إنستغرام» تحقق ملايين المشاهدات. «ألا تخافين من الحسد»؟ تسأل الأبلة. «الله هو الحامي» تجيب سيرين. إرادته تقهر الحاسدين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».