غضب في روسيا بعد الحظر الأوكراني لرموز العهد السوفياتي

كييف أقرت تفكيك نصب تذكارية وتغيير أسماء بلدات.. والسجن لمن يعزف النشيد القديم

عمال البلدية يزيلون نصبًا تذكاريًا يعود للفترة السوفياتية في خاركيف أمس بعد تصويت البرلمان الأوكراني على القوانين الجديدة (أ.ف.ب)
عمال البلدية يزيلون نصبًا تذكاريًا يعود للفترة السوفياتية في خاركيف أمس بعد تصويت البرلمان الأوكراني على القوانين الجديدة (أ.ف.ب)
TT

غضب في روسيا بعد الحظر الأوكراني لرموز العهد السوفياتي

عمال البلدية يزيلون نصبًا تذكاريًا يعود للفترة السوفياتية في خاركيف أمس بعد تصويت البرلمان الأوكراني على القوانين الجديدة (أ.ف.ب)
عمال البلدية يزيلون نصبًا تذكاريًا يعود للفترة السوفياتية في خاركيف أمس بعد تصويت البرلمان الأوكراني على القوانين الجديدة (أ.ف.ب)

ردت موسكو بغضب أمس على إقرار البرلمان الأوكراني لعدة قوانين تنص على حظر رموز العهد السوفياتي وتعتبر النظامين السوفياتي والنازي متساويين وتحظر أي إنكار علني «لطابعهما الإجرامي».
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن «كييف استخدمت أساليب توتاليتارية عبر شن هجوم على حرية التعبير والرأي والضمير». وأضاف البيان أن «السلطات الأوكرانية تحاول بمساواتها بين المعتدين الفاشيين والجنود الذين قاتلوا الفاشية محو الذاكرة الجماعية لملايين الأوكرانيين». وقالت موسكو إن كييف تنتهك بذلك حتى واجباتها الدولية عبر «تمجيدها» مقاتلي «جيش العصيان الأوكراني» المثير للجدل، وذلك باعتبار أفراده «مقاتلين من أجل استقلال أوكرانيا». وكان «جيش العصيان الأوكراني» قاتل الجيش السوفياتي لكنه تعاون مع النازيين قبل الانقلاب عليهم. وتاريخه يثير استياء في شرق أوكرانيا القريب من روسيا وفي روسيا نفسها.
ونصت القوانين الجديدة التي أقرها البرلمان الأوكراني على تفكيك كل النصب التي أقيمت تكريمًا للمسؤولين السوفيات وتغيير أسماء بلدات أو شوارع أو مؤسسات تشير بشكل ما إلى الشيوعية. وفي حال انتهاكها هذا القانون الذي يفترض أن يوقعه الرئيس بيترو بوروشينكو، ستحظر المنظمات والأحزاب المعنية مما يعرض وجود الحزب الشيوعي الأوكراني للخطر. وينص القانون الجديد على عقوبة السجن لمدة يمكن أن تصل إلى 10 سنوات لمن يدانون بإنتاج أو نشر رموز سوفياتية أو نازية، وخصوصًا عزف النشيد الوطني السوفياتي.
ولقيت القوانين ترحيبًا كبيرًا في كييف، حيث يعتبر كثيرون أن هذه الخطوة كان يجب أن تتخذ في 1991 كما حدث في دول البلطيق التي كانت جمهوريات سوفياتية أيضًا، وبولندا التي كانت في الكتلة الشيوعية وأقرت تشريعات مماثلة.
وأقدم مجهولون على إسقاط تماثيل 3 قادة شيوعيين الليلة قبل الماضية في خاركيف، المدينة الصناعية الكبيرة الناطقة بالروسية في شرق أوكرانيا. وظهر في تسجيل فيديو تم بثه على قناة لناشطين موالين لأوكرانيا على موقع «يوتيوب» تفكيك تماثيل 3 من القادة البلاشفة. وفي كل مرة تسلق شبان ملثمون التمثال وثبتوا كابلاً مربوطًا بشاحنة في رأسه، وبعدها قامت الشاحنة بسحبه حتى إسقاطه. وتابعت الشرطة الشبان وهم يسقطون التماثيل من دون أن تتدخل في هذه المدينة التي يسكنها 1.4 مليون نسمة وتعد كبرى مدن المنطقة الحدودية للقطاعات الانفصالية الموالية لروسيا في لوغانسك ودونيتسك.
وعند انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، تم تحطيم وإزالة نصب سوفياتية كثيرة مثل تمثال فيليكس دجيرزينسكي، مؤسس الاستخبارات السابقة «تشيكا» التي كان وريثها جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي). وكان هذا التمثال يقع في ساحة لوبيانكا في موسكو مقابل مقر الاستخبارات الروسية الحالية. لكن في روسيا لم تتخذ أي قرارات حول الإرث السوفياتي، حتى أن الرئيس الحالي فلاديمير بوتين الذي كان يعمل في الاستخبارات السوفياتية أعاد منذ وصوله إلى السلطة عام 2000 النشيد الوطني السوفياتي (الذي بات محظورًا في أوكرانيا) بعد تعديل كلماته. ولم تكف روسيا عبر قناتها التلفزيونية العامة عن تأكيد أن القيادة الجديدة الموالية للغرب في أوكرانيا والتي حملتها إلى السلطة حركة شعبية طردت قبل عام الرئيس الموالي لموسكو فيكتور بانوكوفيتش، تتألف بمعظمها من الفاشيين.
وقال فاديم كاراسيوف مدير معهد الاستراتيجيات الشاملة في كييف إن هذه القوانين أقرت «ردًا على حملة الدعاية» التي يقوم بها الكرملين. لكن محللين آخرين في أوكرانيا يحذرون من نتائج قراءة سياسية للتاريخ والهوية المعقدة للبلاد، بينما تشهد منذ عام حربًا أسفرت عن سقوط 6 آلاف قتيل في مناطق الشرق الموالي لروسيا حيث ما زال جزء كبير من السكان متمسكين بالإرث السوفياتي. وقال المحلل السياسي المستقل فولوديمير فيسينكو إن «هذا القانون متطرف جدًا» ويمكن أن يؤجج «التوتر خصوصًا في الشرق والجنوب» حيث يغلب الحنين إلى الاتحاد السوفياتي. كما قال ديفيد ماربلز الذي يدير برنامج دراسات عن أوكرانيا في جامعة البرتا الكندية، في مدونة إنه «خطأ فادح وأقرب إلى حكم بالإعدام (لكييف) حيال شرق البلاد، حيث تغلب رواية مختلفة تماما عن القرن العشرين».



مخاوف من تفاقم الأزمة في جورجيا مع انتخاب رئيس يميني مقرّب من موسكو ومناهض لأوروبا

رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي تتحدث في مؤتمر صحافي بالقصر الرئاسي في تبليسي 30 أكتوبر (أ.ف.ب)
رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي تتحدث في مؤتمر صحافي بالقصر الرئاسي في تبليسي 30 أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

مخاوف من تفاقم الأزمة في جورجيا مع انتخاب رئيس يميني مقرّب من موسكو ومناهض لأوروبا

رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي تتحدث في مؤتمر صحافي بالقصر الرئاسي في تبليسي 30 أكتوبر (أ.ف.ب)
رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي تتحدث في مؤتمر صحافي بالقصر الرئاسي في تبليسي 30 أكتوبر (أ.ف.ب)

قد تتفاقم الأزمة في جورجيا مع انتخاب نواب حزب الحلم الجورجي اليميني المتطرف الحاكم مرشحه لاعب كرة القدم السابق ميخائيل كافيلاشفيلي، وهو شخصية موالية للحكومة التي تواجه مظاهرات مؤيّدة للاتحاد الأوروبي.

المرشح الرئاسي ميخائيل كافيلاشفيلي (أ.ب)

وأصبح كافيلاشفيلي القريب من موسكو رئيساً لجورجيا، بعدما اختاره الحزب الحاكم، السبت، في عملية انتخابية مثيرة للجدل، في الوقت الذي يسعى فيه الحزب الحاكم إلى تعزيز نفوذه في مؤسسات الدولة، وهو ما تصفه المعارضة بأنه صفعة لتطلعات البلاد في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في حين أعلنت الرئيسة الحالية سالومي زورابيشفيلي أن التصويت «غير شرعي»، رافضة التنحي.

وتشغل زورابيشفيلي، الموالية للغرب، رئاسة جورجيا منذ 2018، وتنتهي ولايتها التي استمرت ست سنوات يوم الاثنين المقبل، وهي تصف نفسها بأنها الرئيسة الشرعية الوحيدة، وتعهّدت بالبقاء لحين إجراء انتخابات جديدة.

متظاهرة تحمل علم الاتحاد الأوروبي بمواجهة الشرطة في تبليسي (أ.ب)

وأعلن رئيس اللجنة المركزية للانتخابات، جيورجي كالانداريشفيلي، أن الهيئة الانتخابية التي يسيطر عليها الحزب الحاكم والتي قاطعتها المعارضة، انتخبت كافيلاشفيلي بـ224 صوتاً لمدة خمس سنوات على رأس السلطة.

وفاز كافيلاشفيلي، 53 عاماً، بسهولة بالتصويت، بالنظر إلى سيطرة «الحلم الجورجي» على المجمع الانتخابي المؤلف من 300 مقعد، الذي حلّ محل الانتخابات الرئاسية المباشرة في عام 2017. واحتفظ حزب الحلم الجورجي بالسيطرة على البرلمان في تلك الدولة التي تقع جنوب منطقة القوقاز، إثر الانتخابات التي جرت يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول).

وتقول المعارضة إنه جرى تزوير الانتخابات، بمساعدة موسكو. ومنذ ذلك الحين، قاطعت الأحزاب الرئيسة الموالية للغرب الجلسات البرلمانية، مطالبين بإعادة الانتخابات. وتعهّد الحلم الجورجي بمواصلة الدفع باتجاه الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنه يريد أيضاً «إعادة ضبط» العلاقات مع روسيا.

الرئيسة المنتهية ولايتها سالومي زورابيشفيلي بين مؤيدين في العاصمة الجورجية (أ.ب)

وفي 2008، خاضت روسيا حرباً قصيرة مع جورجيا أدت إلى اعتراف موسكو باستقلال منطقتين انفصاليتين، أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وتعزيز الوجود العسكري الروسي بهما.

واتهم المنتقدون «الحلم الجورجي» الذي أسسه بيدزينا إفانيشفيلي، وهو ملياردير جمع ثروته في روسيا، بأنه أصبح سلطوياً على نحو متزايد ويميل إلى موسكو، وهي اتهامات نفاها الحزب.

وقرار حزب الحلم الجورجي الشهر الماضي تعليق المحادثات بشأن محاولة انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي زادت من غضب المعارضة وأثارت احتجاجات ومظاهرات.

ومساء الجمعة، جرت المظاهرة أمام البرلمان في تبليسي من دون اضطرابات، على عكس الاحتجاجات السابقة التي تخلّلتها اشتباكات عنيفة منذ انطلقت في 28 نوفمبر (تشرين الثاني).

ومنذ التاسعة صباحاً بدأ مئات المتظاهرين يتجمعون متحدين البرد والثلج ومتوافدين إلى محيط البرلمان قبل أن يُعيّن الرئيس الجديد. وجلب بعضهم كرات قدم وشهاداتهم الجامعية استهزاء بالرئيس المنوي تعيينه. وقال تيناتن ماتشاراشفيلي ملوحاً بشهادة تدريس الصحافة التي حصل عليها: «ينبغي ألا يكون رئيسنا من دون شهادة جامعية، فهو يعكس صورة بلدنا».

مسيرة احتجاجية للمؤيدين للاتحاد الأوروبي بالقرب من مبنى البرلمان في تبليسي ليلة 28 نوفمبر (رويترز)

وبدأت، السبت، مظاهرة أمام البرلمان في أجواء هادئة، واكتفت الشرطة بحظر النفاذ إلى مدخل المبنى. لكنها وضعت ثلاثة خراطيم مياه ونحو عشرين مركبة على أهبة التدخل في ساحة الحرية. وقالت ناتيا أبخازافا، في تصريحات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «الشرطة في كل مكان... رغم الثلوج والأمطار والطقس البارد في الشتاء، سنناضل من أجل بلدنا». وكشفت صوفي كيكوشفيلي، من جهتها، أنه لم يُغمض لها جفن في الأسابيع الأخيرة. وأخبرت المحامية، البالغة 39 عاماً، التي تركت ابنها البالغ 11 عاماً وحيداً في المنزل: «بات الجميع مهدداً الآن، من الأصدقاء والأقرباء ولم يعد في وسعنا التركيز على العمل». وتوقعت أن تطبّق السلطات نهجاً استبدادياً «سيتفاقم مع مرور الوقت إن لم نقاوم اليوم... هذه هي الفرصة الأخيرة للنجاة».

وأوقفت السلطات خلال المظاهرات الاحتجاجية أكثر من 400 متظاهر، حسب الأرقام الرسمية. ووثّقت المعارضة ومنظمات غير حكومية حالات متعددة من عنف الشرطة ضد متظاهرين وصحافيين، وهو قمع نددت به الولايات المتحدة والأوروبيون.

والجمعة، قالت منظمة العفو الدولية إن المتظاهرين تعرّضوا لـ«أساليب تفريق وحشية واعتقالات تعسفية وتعذيب».

في المقابل، حمّل «الحلم الجورجي» المتظاهرين والمعارضة المسؤولية عن أعمال العنف، مشيراً إلى أن المظاهرات كانت أكثر هدوءاً منذ أيام، وأن الشرطة ضبطت كميات كبيرة من الألعاب النارية. ويقول المتظاهرون إنهم ماضون في احتجاجاتهم حتى تتراجع الحكومة عن قرارها.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في رسالة مصورة، إن فرنسا تقف إلى جانب «أصدقائها الجورجيين الأعزاء» في «تطلعاتهم الأوروبية والديمقراطية». وأضاف ماكرون: «لا يمكن لجورجيا أن تأمل في التقدم على طريقها الأوروبي إذا قُمعت المظاهرات السلمية باستخدام القوة غير المتناسبة، وإذا تعرّضت منظمات المجتمع المدني والصحافيون وأعضاء أحزاب المعارضة لمضايقات».

حشد من المتظاهرين في تبليسي عاصمة جورجيا (أ.ب)

وقالت داريكو غوغول (53 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، في حين كانت تشارك في مظاهرة احتجاجية أمام البرلمان، إن الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) «سُرقت، يجب على (زورابيشفيلي) أن تبقى في منصبها، وأن ترشدنا بطريقة أو بأخرى في هذا الوضع المعقد للغاية».

وأكدت هذه الموظفة في منظمة غير حكومية تُعنى ببرامج تنموية، أن ميخائيل كافيلاشفيلي «لا يمكنه أن يمثّل البلاد».

من جهته، أشاد رئيس البرلمان شالفا بابواشفيلي أمام الصحافيين برجل «لا تشوب وطنيته أي شائبة»، و«لا يقع تحت نفوذ قوة أجنبية، كما هي حال» الرئيسة المنتهية ولايتها. وعلّق أحد المارة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لم نغادر الاتحاد السوفياتي لتحكمنا واشنطن أو بروكسل أو كييف أو باريس أو أي كان».

وأعلنت واشنطن، الجمعة، أنها فرضت على نحو 20 شخصاً في جورجيا، بينهم وزراء وبرلمانيون، حظر تأشيرات لاتهامهم بـ«تقويض الديمقراطية».

مسيرة احتجاجية للمؤيدين للاتحاد الأوروبي أمام مبنى البرلمان في تبليسي ليلة 28 نوفمبر (أ.ف.ب)

وحتى قبل أن يُصبح كافيلاشفيلي رئيساً، شكّك خبراء في القانون الدستوري في شرعية انتخابه، خصوصاً من أحد واضعي الدستور، فاختانغ خمالادزيه. وحسب هذا الخبير الدستوري فإن سبب هذا التشكيك هو أن البرلمان صادق على انتخاب النواب خلافاً للقانون الذي يقضي بانتظار قرار المحكمة بشأن طلب الرئيسة زورابيشفيلي إلغاء نتائج انتخابات أكتوبر.

وصلاحيات رئيس الدولة في جورجيا محدودة ورمزية. لكن ذلك لم يمنع زورابيشفيلي المولودة في فرنسا والبالغة 72 عاماً، من أن تصبح أحد أصوات المعارضة المؤيدة لأوروبا. وأضاف خمالادزيه أن «جورجيا تواجه أزمة دستورية غير مسبوقة»، مشدداً على أن «البلاد تجد نفسها من دون برلمان أو سلطة تنفيذية شرعيين. والرئيس المقبل سيكون غير شرعي أيضاً».

وتعكس المحادثة الهاتفية التي جرت الأربعاء بين ماكرون وبيدزينا إيفانيشفيلي، الرئيس الفخري للحزب الحاكم، هذا التشكيك بالشرعية، إذ إن ماكرون اتصل بالرجل القوي في جورجيا بدلاً من رئيس الوزراء إيركلي كوباخيدزه؛ للمطالبة بالإفراج عن جميع المتظاهرين الموقوفين المؤيدين للاتحاد الأوروبي. لكن المتظاهرين في تبليسي عدّوا، الجمعة، أن انتخابات السبت لن تغير شيئاً.