عقبات قانونية وخلافات سياسية تهدد الانتخابات الليبية

وسط مخاوف من الانزلاق مجدداً إلى حافة حرب أهلية

عقبات قانونية وخلافات سياسية تهدد الانتخابات الليبية
TT

عقبات قانونية وخلافات سياسية تهدد الانتخابات الليبية

عقبات قانونية وخلافات سياسية تهدد الانتخابات الليبية

يعترض الغموض بمستقبل العملية السياسية في ليبيا، على الرغم من اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر أن تُجرى يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. إذ بينما يعلّق الشعب الليبي آماله على صناديق الاقتراع؛ رغبة في أن تخرج البلاد من نفق الفوضى الأمنية والسياسية الذي تعيش فيه منذ أكثر من عشر سنوات، تبدو الصورة على الأرض قليلة الوضوح في ظل انقسامات وخلافات سياسية حول المرشحين، وطعون قانونية التي قد تمنع بعض المرشحين من المنافسة. ويتزامن هذا الحال مع أوضاع أمنية غير مستقرة تنذر بمزيد من الفوضى، وتلقي بظلال مقلقة على العملية السياسية ككل، وتهدد بتأجيل الانتخابات؛ ما يهدّد بزج ليبيا مرة أخرى في مستنقع الحرب الأهلية.
تشير التقارير اليومية الواردة من المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا إلى جاهزية ليبيا للانتخابات من الناحية النظرية؛ إذ اعتمدت المفوضية القائمة الأولية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، التي تضمنت 73 مرشحاً، بينما بلغ إجمالي عدد المُرشحين لانتخابات مجلس النواب في كل الدوائر الانتخابية 3173 مُرشحاً ومُرشحة، وفقاً لإحصائية الثلاثاء 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولقد وزعت المفوضية بطاقات الاقتراع على الناخبين، وباشرت تلقي وفحص الطعون الانتخابية، وسط تأكيدات بأن «البلاد مستعدة لإجراء الانتخابات في موعدها».
لكن على الأرض تبدو الصورة مختلفة وغامضة؛ ما دفع ويرفع كثرة من المراقبين إلى توقع تأجيل الانتخابات، من منطلق أن الأوضاع السياسية والأمنية غير مواتية لإتمام العملية السياسية بالصورة المرجوة. كذلك يرى بعض هؤلاء، أن ليبيا «تسير في حقل ألغام قد ينفجر في أي لحظة»، وبذا تعود البلاد إلى المربع صفر في ظل انقسامات سياسية حادة حول المرشحين للانتخابات الرئاسية، وتوترات أمنية وعراقيل قانونية.
- مخاوف مُبرّرة
وحقاً، يبدو أن لهذه المخاوف ما يبرّرها، وأن ثمة من يؤيدها في مستويات عليا داخل أروقة المؤسسات الدولية؛ ذلك أنه قبل شهر من إجراء الانتخابات المرتقبة استقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا يان كوبيش، من منصبه بشكل مفاجئ، وقُبلت استقالته ليسري مفعولها رسمياً من 10 ديسمبر الحالي.
وبالتزامن مع الاستقالة، قال كوبيش – وهو سياسي ودبلوماسي سلوفاكي – في إحاطته أمام مجلس الأمن في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، إن «المناخ السياسي في ليبيا حول الانتخابات لا يزال شديد الاستقطاب»، ومن ثم حذّر من أن «يؤدي تأخير الانتخابات عن موعدها إلى مزيد من الانقسام والصراع داخل ليبيا».
هذه الاستقالة وصفها مراقبون بأنها «مفاجئة»، ونقلت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية عن توماس هيل، الخبير في شؤون شمال أفريقيا بـ«المعهد الأميركي للسلام» قوله، إن «المجتمع الدولي يدفع بكل قوته لإجراء الانتخابات الليبية في موعدها. إلا أن استقالة كوبيش الآن تشير إلى أن الأمور لا تسير كما هو مأمول، وأن هناك مشاكل في الكواليس».
ثم أنه، حسب مراقبين متابعين، فإن الانتخابات التي طال انتظارها تواجه جملة تحديات، أبرزها الخلافات حول قانون الانتخابات نفسه، والنزاعات المتكرّرة بين الفصائل والجماعات المسلحة، والشقاق الكبير بين الشرق والغرب، إضافة إلى انتشار الجنود المرتزقة والسلاح في البلاد.
- عقبات قانونية وطعون انتخابية
واقع الأمر، أن الانتخابات المزمعة في ليبيا تواجه معارضة داخلية من بعض الفئات على أسس قانونية، تشكك في شرعية القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب؛ وهو ما يهدد برفض قبول نتائج الانتخابات بعد إعلانها. ويأتي ذلك وسط خلافات واضحة وطعون ضد بعض المرشحين الأساسيين، على رأسهم رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، الذي سحب اسمه من قائمة المرشحين الأولية بناءً على طعن من منافسه في منطقة الغرب الليبي فتحي باشاغا؛ بحجة أن رئيس الحكومة لم يقدّم ما يفيد بتوقّفه عن العمل قبل 3 أشهر من تاريخ الانتخابات، كما تنصّ المادة 12 من قانون الانتخابات. إلا أن محكمة الاستئناف في العاصمة الليبية طرابلس أعادت الدبيبة إلى السباق. ومن جهة ثانية، منع مسلحون محكمة سبها – كبرى مدن الجنوب – من الانعقاد أكثر من مرة لنظر الطعن المقدّم من سيف الإسلام القذافي، ضد استبعاده من الترشح. ثم إنه جرى استبعاد خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني الليبي» من قائمة المرشحين.
العقبات القانونية التي تواجه العملية الانتخابية ليست جديدة، فهي وفق مراقبين يتابعونها ويُلمّون بخلفياتها ظهرت منذ بداية الإعداد للعملية السياسية في ليبيا. وهنا يقول عبد الهادي ربيع، الباحث المتخصّص في الشأن الليبي، في تصريح أدلى به لـ«الشرق الأوسط»، إن «العملية الانتخابية واجهت منذ بدايتها العديد من العراقيل وتنازع الاختصاصات، خاصة في مسألة القاعدة التشريعية والقانونية للانتخابات. حيث يدّعي كل طرف لا شرعية القاعدة القانونية للانتخابات، ويهدد باستخدام السلاح للانقلاب على الانتخابات حال فوز مرشح من خارج تياره السياسي». ثم يضيف قائلاً «مع أن القوانين الانتخابية المنظمة للعملية الانتخابية كانت الحل الوحيد للوصول إلى الانتخابات في موعدها المحدد، إلا أنها جاءت مليئة بالثغرات القانونية وبأخطاء فادحة في الصياغة؛ ما زاد من حدة الاحتقان والصراعات عوضاً عن حلها. فهي فعلياً فتحت باب الطعون في العملية الانتخابية بكاملها، وهو ما يهدّد بتكرار تجربة انقلاب فجر ليبيا عام 2014 على الانتخابات النيابية، وإعادة النظر في العملية الانتخابية برُمّتها».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن قانون الانتخابات يثير خلافات داخل المجتمع الليبي؛ فهو وفق المراقبين «لا يحظى بدعم الجميع»؛ إذ ينصّ على إدارة البلاد وفقاً لنظام رئاسي يعتبر كثيرون أنه يمنح الرئيس سلطة كاملة في حين يبقى البرلمان ضعيفاً.
- شبح الحرب الأهلية
هذا، وبينما قد يوحي زيادة عدد المرشحين في الانتخابات الليبية، وإقبال المواطنين على الحصول على بطاقات الاقتراع، إلى تطلع الشعب الليبي لإجراء الانتخابات، فإن الأوضاع الأمنية السيئة تُعد أحد التهديدات الرئيسة التي تواجه العملية الانتخابية. إذ يخشى كثيرون من تحوّل الخلافات السياسية إلى نزاعات مسلحة. وللعلم، يقول كوبيش نفسه، إنه «مع اقتراب الانتخابات، ثمة مخاوف من أن تتحوّل الانقسامات السياسية والمؤسساتية الراسخة إلى مواجهة تغذيها المواقف المتشددة والخطاب التحريضي».
ومن جانبهم، يعترف السياسيون في ليبيا بأن الظروف الأمنية غير مواتية لإجراء الانتخابات، وإن كانوا في الوقت نفسه يشدّدون على ضرورة إجرائها في موعدها باعتبارها «القنطرة الوحيدة للعبور من حالة الفوضى إلى حالة الاستقرار»، كما قال الدكتور محمد عامر العباني، عضو مجلس النواب الليبي، لـ«الشرق الأوسط». وتابع العباني، أن «ليبيا نجحت من قبل عام 2014 في إجراء انتخابات نيابية في ظروف أمنية أكثر سوءاً»، مشدداً على أنها «الآن مستعدة لإجراء الانتخابات في موعدها».
ولكن في المقابل، المخاوف من سقوط البلاد مرة أخرى في دائرة الحرب الأهلية ليست بعيدة عن توقعات المراقبين للأوضاع على الأرض، وهو ما يؤكده الباحث السابق في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» بين فيشمان، في مقاله المنشور نهاية الشهر الماضي، تحت عنوان «انتخابات ديسمبر في ليبيا تطرح خطر العودة إلى الحرب الأهلية».
فيشمان يرى، أن على «ليبيا التي قطعت شوطاً طويلاً منذ إنهاء حربها الأهلية الثالثة في منتصف عام 2020 ألا تخاطر باستئناف العنف أو تقسيم البلاد من خلال إجراء انتخابات مستعجلة. ونظراً للجو المشحون بالانقسامات وإلى احتمال اندلاع أعمال عنف كبيرة، من الحكمة إرجاء الانتخابات لفترة محددة إلى حين حلّ العديد من القضايا المهمة». وحقاً، دفعت الأوضاع الأمنية «الهشة» في ليبيا وزير الداخلية خالد مازن، إلى التلميح بإمكانية تأجيل الانتخابات، عندما قال، إن «اتساع الانتهاكات الأمنية في الأيام الأخيرة، بات يعرقل عملية تأمين ويهدد سلامة واستمرار العملية الانتخابية في البلاد».
- تأجيل الانتخابات
الراغبون في تأجيل الانتخابات يستندون في مطالبهم إلى «غياب» المرشح التوافقي، مقابل وجود أسماء على قائمة المرشحين قد تؤدي إلى انقسامات حادة داخل ليبيا، منهم سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس معمر القذافي، الذي ثار الشعب ضده في عام 2011. ويعتقد مراقبون، أن «قبول ترشح القذافي قد يدفع البعض لمقاطعة الانتخابات، كما أن رفض ترشحيه قد يدفع مؤيديه إلى حمل السلاح». يضاف إلى ذلك، وجود لاعبين بارزين على الساحة السياسية الليبية بين المرشحين، مثل خليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة، وهو ما يراه البعض «نذير خطر قد يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف في البلاد».
وهنا يقول ريتشارد سبنسر، في مقال نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية، إن «نوعية المرشحين» واحدة من العوامل المنذرة بالخطر. إذ كتب في نوفمبر الماضي تحت عنوان «الانتخابات الرئاسية الليبية: اختيار بائس لمرشحين يدعمون الفوضى»، قائلاً «مساعي مجموعة يُتهم أفرادها بالفاسدين والمجرمين الباحثين عن السلطة، قد تدفع ليبيا التي مزّقتها الحرب إلى منعطف درامي في مسيرتها نحو تحقيق الاستقرار والسلام».
أيضاً، يرى المطالبون بتأجيل الانتخابات ضرورة الاتفاق على أساسيات العملية السياسية، وتسلسلها، وقواعد الترشح قبل الشروع في تنفيذها... وأن تكون هذه القواعد نابعة من الشعب الليبي نفسه وليست مفروضة عليه من الخارج. وهنا يعلّق عبد الهادي ربيع بأن «المسار السياسي الحالي لم يكن خيار الليبيين، بل كان خيار الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي أقرّ ذلك في مخرجات مؤتمر برلين بشأن ليبيا، ولم يكن السياسيين الليبيين ليقبلوا بهذا المسار ما لم يجبرهم عليه المجتمع الدولي». ثم يتابع، أن «هذا المسار يبدو أنه الأنجح ظاهرياً، حيث أمكن توحيد الكثير من المؤسسات، وجرى حل مسألة تنازع الشرعية بشكل كبير، إلا أن إغفال ملفات دقيقة وحساسة كإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وحل الميليشيات ونزع سلاحها زاد من تأجّج الجمر تحت الرماد؛ إذ يهدد انتشار السلاح في البلاد بنسف أي تقدم سياسي في ليبيا، والعودة إلى مربع الصراعات».
وفعلاً، تعد قضية المرتزقة من أهم التحديات التي تواجه ليبيا، حيث اجتمعت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في جنيف بسويسرا يوم 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ووضعت خطة عمل لانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب بشكل متوازن ومرحلي وتدريجي، ونُشرت أول مجموعة من مراقبي وقف إطلاق النار التابعين الأمم المتحدة في 10 أكتوبر الماضي، ومع ذلك «ما زالت هذه القضية مثيرة للقلق داخل ليبيا وخارجها». وفي إحاطته أمام مجلس الأمن، شدد الطاهر السني، مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، على «ضرورة الاستجابة لمطلب الشعب الليبي السيادي، والمتمثل في إنهاء أي نوع من أنواع الوجود الأجنبي على الأراضي الليبية». وعلى الجانب الآخر، يرفض أنصار الانتخابات تأجيلها، ويؤكدون، أن «مخاطر التأجيل أكبر بكثير من مخاطر الاستمرار في العملية السياسية». وتبعاً للعباني، فإن «الانتخابات عرس يتمناه الليبيون، وتأجيلها ليس بالأمر السهل؛ كون المجتمع الدولي يضغط لإجرائها في موعدها... تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية تم بروية وتأنٍ، ودعوات التأجيل لن يكون لها محل على أرض الواقع».
- دعم المجتمع الدولي
الانتخابات المقررة في نهاية الشهر الحالي تأتي نتيجة للتسوية السياسية التي قادتها الأمم المتحدة في فبراير (شباط) الماضي، وتضمنت وقف إطلاق النار، كما وضعت برنامجاً زمنياً للعملية السياسية الضامنة إجراء انتخابات. لكن «الاتفاق لم يتطرق إلى التفاصيل المتعلقة بصلاحيات المرشحين وأهليتهم، وشروط ترشحهم»، وهنا يقول سبنسر، إن «إلغاء الانتخابات، قد يؤدي إلى عودة العنف، بيد أن رفض المرشحين قبول النتيجة، وهو أمر غير مستبعد بالنظر إلى جيوشهم الخاصة ودعم المرتزقة الأجانب المتنافسين، يمكن أن يؤدي إلى سيناريو أسوأ». وهو ما يوافق رأي كوبيش بأن «الإحجام عن إجراء الانتخابات قد يؤدي إلى تدهور خطير للوضع في البلاد، كما يمكن أن يفضي إلى مزيد من الانقسام والصراع».
ربيع من جهته يتوقع أن «يدفع المجتمع الدولي لإجراء العملية الانتخابية في موعدها، لكن أطرافاً عديدة ستنقلب على النتيجة». ولذا؛ يرى أن «الأهم من إجراء الانتخابات في موعدها هو إجبار الجميع على القبول بنتيجتها. ولكن أحداً لا يملك ذلك، خاصة مع بوادر الانقسام والصراعات التي بدت بين أجهزة وزارة الداخلية في العديد من المناطق والصراع مع القوات المسلحة أو الاجتماعية في هذه المناطق». وبالفعل بدأ المجتمع الدولي يحذر من التداعيات الأمنية والسياسية على الانتخابات الليبية. وقال السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، في تغريدة على «تويتر»، إن واشنطن تشارك الليبيين والمجتمع الدولي مخاوفهم، مطالباً «بالعمل على تهدئة الأوضاع واحترام العملية الانتخابية والقانونية في ليبيا، ورفض السماح للجماعات المسلحة بتهديد الانتخابات».
وبالتزامن مع الكلام الأميركي، بحثت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا مع سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا خوسيه ساباديل، والمبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، سبل دعم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة... وجرى التأكيد على استمرار الدعم الدولي لإجراء الانتخابات في موعدها، وحماية نزاهتها.
أخيراً، يترقب المجتمع الدولي ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، بينما يتابع العديد من المحللين المهتمين بالشأن الليبي الأوضاع في صمت. ويعتبر هؤلاء، أنه يستحيل التنبؤ بما ستسفر عنه الأيام المقبلة، وما إذا كانت ليبيا ستنجح في إتمام العملية السياسية والتقدم نحو مستقبل أكثر استقراراً عبر انتخابات يتوافق على نتيجتها الشعب الليبي، أم أن الانقسامات السياسية والتوترات الأمنية ستؤدي إلى تأجيل الانتخابات. كذلك، إزاء ما سيعنيه رفض تقبّل النتائج، وما إذا كان سيخلق حالة من الفوضى الأمنية والاضطراب السياسي.
- الطريق المُتعِبة إلى الانتخابات المتعثرة
> تُعدّ العملية السياسية الحالية التي ستكلل بانتخابات رئاسية وبرلمانية محاولة لإعادة صياغة البنية السياسية والمؤسساتية لليبيا، وإنهاء نزاعاتها المتعددة، والتي تفاقمت خلال السنوات الماضية مع اندلاع الصراع الجهوي بين منطقتي الشرق (برقة) والغرب (طرابلس)، والذي جاءت التسوية السياسية الحالية لوضع حد له، ولرسم المخطط الزمني للعملية السياسية الحالية لا بد أن نعود سنوات للوراء لندرك خلفياتها.
وكما هو معروف، أجج تشكيل حكومة «الوفاق الوطني» في ديسمبر (كانون الأول) 2015 الصراع بين الشرق بقيادة فايز السراج، والغرب بقيادة خليفة حفتر، وبخاصة أن برلمان الشرق لم يعترف بحكومة السراج. وعلى مدار عامي 2017 و2018، تواصلت اجتماعات باريس في العاصمة الفرنسية للوصول إلى تسوية سياسية بين الشرق والغرب، لكنها لم تنجح في وضع حد لهذا الصراع الدموي.
الاختراق المأمول حدث في الخامس من فبراير (شباط) 2021، وتمت الموافقة على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة موحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة. وفي الشهر التالي، حصلت حكومة الدبيبة على ثقة البرلمان من أجل قيادة ليبيا في مرحلة انتقالية حتى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وفي يونيو (حزيران) 2021 عقد «مؤتمر برلين 2» للتحضير للانتخابات واستكمال العملية السياسية. وبعد شهر، اجتمع مجلس الأمن لبحث الأزمة الليبية والمساعدة في الوصول إلى حل بشأن القضايا الخلافية التي تعرقل استكمال المسار السياسي. ثم في أكتوبر (تشرين الأول) صادق مجلس النواب الليبي على قانون الانتخابات التشريعية. وخلال 21 من الشهر الفائت استضافت باريس مؤتمراً لتقديم الدعم للانتخابات الليبية، مع العلم أن موعد الانتخابات الرئاسية هو 24 ديسمبر الحالي، والانتخابات التشريعية في يناير (كانون الثاني) المقبل.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.