لقاء بين أوباما وكاسترو يمهد لتعزيز خطوات التطبيع

محادثات «بناءة» بين واشنطن وهافانا.. وتوصية بشطب كوبا من «قائمة الدول الراعية للإرهاب»

الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء بنما ألفارو أليمان يستعرضان حرس الشرف في مطار بنما مساء أول من أمس (ا.ب)
الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء بنما ألفارو أليمان يستعرضان حرس الشرف في مطار بنما مساء أول من أمس (ا.ب)
TT

لقاء بين أوباما وكاسترو يمهد لتعزيز خطوات التطبيع

الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء بنما ألفارو أليمان يستعرضان حرس الشرف في مطار بنما مساء أول من أمس (ا.ب)
الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء بنما ألفارو أليمان يستعرضان حرس الشرف في مطار بنما مساء أول من أمس (ا.ب)

مع انطلاق أعمال قمة الأميركتين في بنما أمس، اتجهت الأنظار إلى عقد لقاء محتمل بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والكوبي راؤول كاسترو يكرس التقارب بين بلديهما بعد 53 عاما من العداوة الشديدة. وقبل هذا اللقاء المحتمل، أعلن مسؤول في البيت الأبيض أن الرئيسين الأميركي والكوبي أجريا محادثة هاتفية بينهما قبل أن يغادر أوباما واشنطن إلى بنما. وفي حدث تاريخي آخر، التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الكوبي برونو رودريغيز في بنما مساء أول من أمس، وذلك في اجتماع هو الأول بين مسؤولين بهذا المستوى منذ 1958. وتسجل قمة الأميركتين التي تجمع خلال يومين نحو 30 من قادة الدول، حضورا غير مسبوق لكوبا التي استبعدتها الولايات المتحدة و«منظمة الدول الأميركية» من الاجتماعات والمنابر الكبرى في القارة. فبعد المصافحة التي جرت أواخر 2013 بين أوباما وراؤول كاسترو في جنوب أفريقيا أثناء تشييع نيلسون مانديلا، يلتقي الرئيسان مجددا وجها لوجه للمرة الأولى بين رئيسي الدولتين منذ 1956، أي قبل سنتين من الثورة الاشتراكية التي قام بها فيدل كاسترو وأدت إلى القطيعة في العلاقات الكوبية - الأميركية في عام 1961. ولم يعلن مسبقا عن أي لقاء رسمي، لكن اجتماعهما غير المسبوق سيتوج التقارب المفاجئ الذي أعلن عنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد 18 شهرا من الاتصالات التي أحيطت بسرية كبيرة.
وكان مفترضا أن يبدأ الافتتاح الرسمي للقمة مساء أمس، وبعده يشارك كاسترو وأوباما في عشاء لقادة الدول في مدينة بنما القديمة. وإعلان الانفراج بين عدوي الحرب الباردة سيسجل حدثا تاريخيا ويفتح الطريق لمفاوضات طويلة وشاقة من أجل حل النقاط الخلافية الكثيرة الموروثة عن أكثر من نصف قرن من المواجهات.
وأعلن دبلوماسي أميركي أن وزيري خارجية البلدين كيري ورودريغيز أجريا في بنما مساء أول من أمس مباحثات تاريخية «بناءة جدا» سمحت بحصول «تقدم» في إطار التقارب بين الدولتين. وتحدث الدبلوماسي الأميركي عن حوار «طويل وبناء جدا» جمع وزيري الخارجية في لقاء استمر ساعات طويلة.
وجاء هذا اللقاء فيما باشرت وزارة الخارجية الأميركية مساء أول من أمس الخطوات لرفع عقبة أولى متمثلة بإدراج كوبا في القائمة الأميركية للدول المساندة للإرهاب إلى جانب السودان وسوريا وإيران. وصرح بن كاردن أعلى مسؤول ديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ عن تقديم «توصية من الخارجية لشطب كوبا من قائمة الدول المساندة للإرهاب». وقال السيناتور فيما تأخرت الخارجية في تأكيد هذه المعلومات: «آمل أن يزيل هذا الإعلان العقبات أمام إعادة العلاقات الدبلوماسية». ويعد شطب كوبا من هذه اللائحة السوداء، الشرط الأساسي الذي طرحته هافانا لإعادة فتح سفارتين في البلدين، حتى وإن حذر أوباما بأن ذلك «يتطلب وقتا» قبل أن يغادر جامايكا متوجها إلى بنما. ولفت مارك فيسبروت مدير مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسية ومقره في واشنطن، إلى أن هذه اللائحة تشكل «بالتحديد بداية» على طريق التطبيع.
وكان راؤول كاسترو حذر أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي من أن التطبيع «لن يكون ممكنا» مع بقاء الحظر المفروض منذ 1962 على الجزيرة الشيوعية التي تطالب دوما برفعه، إلا أنه مع ذلك تبقى هناك ملفات شائكة تتعلق خصوصا بالقاعدة العسكرية الجوية الأميركية في غوانتانامو (شرق كوبا) التي توجد فيها القوات الأميركية منذ 1903، ومسألة التعويضات المتبادلة التي يطالب بها البلدان عن أضرار الحظر وتأميم ممتلكات أميركية بعد ثورة كاسترو.
وهذه القمة «تشكل جزءا من المفاوضات الجارية» بين هافانا وواشنطن، كما قال الدبلوماسي السابق والجامعي الكوبي كارلوس الزوغاراي معتبرا «أن حضور راؤول كاسترو إلى القمة ليس النهاية بل البداية». وحرصا منه على وضع قدمه مجددا في القارة بعد الانفراج في القضية الكوبية، أعلن أوباما أنه يأتي إلى هذه القمة حاملا معه رغبة في «الحوار» مدعوما بعودة الحرارة الجارية إلى العلاقات مع هافانا وتوقيع اتفاق إطار حول الملف النووي الإيراني، لكن سيواجه دولا كثيرة في أميركا اللاتينية مستاءة من قراره الأخير بتوقيع مرسوم يصف فنزويلا، أكبر شريك اقتصادي لكوبا، بـ«الخطر» على الأمن الداخلي للولايات المتحدة. وأعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مساء أول من أمس أنه سيسلم أثناء هذه القمة عريضة إلى أوباما تحمل أكثر من 13 مليون توقيع من أجل إلغاء هذا المرسوم المثير للجدل والذي يفرض عقوبات على مسؤولين كبار في فنزويلا.
لكن واشنطن وكراكاس خففتا لهجة التهديد خلال الساعات الأخيرة، حيث أقرت واشنطن بأن فنزويلا «لا تشكل تهديدا»، وقال مادورو إنه مستعد للحوار. إلا أن المراقبين يشككون في إمكانية تأثير التوتر بين الجانبين سلبا على التقارب الكوبي - الأميركي، حتى وإن دعمت كوبا علنا حليفها.
أما فيما يتعلق بالنتائج الملموسة لقمة بنما المخصصة رسميا لـ«الازدهار في إطار المساواة» فإن التوقعات ضئيلة فيما تسري شائعات في العاصمة البنمية حول غياب أي إعلان ختامي. وإزاء قمة الأميركتين تستقبل جامعة بنما قمة الشعوب بمشاركة 3 آلاف من ممثلي الجمعيات المدنية والسياسية ورئيسي بوليفيا والإكوادور إيفو موراليس ورافايل كوريا.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.