تفاقم معاناة النازحين والأهالي في إدلب جراء «تراكم الأزمات»

انخفاض سعر صرف الليرة التركية ساهم في رفع الأسعار

أطفال حصلوا على مساعدات في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
أطفال حصلوا على مساعدات في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

تفاقم معاناة النازحين والأهالي في إدلب جراء «تراكم الأزمات»

أطفال حصلوا على مساعدات في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
أطفال حصلوا على مساعدات في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)

يعاني نازحون ومواطنون على حد سواء، في شمال غربي سوريا، من صعوبات بالغة في تأمين مستلزماتهم الحياتية اليومية من غذاء وخبز، بسبب الغلاء الفاحش، وضعف أجور العمال، وارتفاع معدلات الفقر، بسبب انهيار العملة التركية المتداول بها، وتراجع قيمتها السوقية أمام الدولار الأميركي.
ويقول أبو مصطفى، وهو نازح من جبل الزاوية «أقف يومياً لأكثر من ساعتين في طابور ربما يمتد إلى أكثر من 100 متر، أمام فرن الخبز في مدينة الدانا شمال إدلب، من أجل الحصول على ربطتين من الخبز (المدعوم)، بسعر 2.5 ليرة تركية للربطة الواحدة بوزن 600 غرام، لأوفر ليرة تركية من كل ربطة، حيث تباع في الأفران الغير مدعومة بـ3.5 ليرات تركية».
هكذا وصف مشهد تردي الأوضاع المعيشية، بعد تهاوي قيمة الليرة التركية، في شمال غربي سوريا. ويضيف «أعمل حلاقاً وأكسب يومياً ما يقارب 40 ليرة تركية، ومع تراجع قيمة الليرة التركية وبقاء الأجور على ما كانت عليه سابقاً، لم يعد هذا المبلغ يكفي لسد حاجة أسرتي المؤلفة من 9 أفراد، من غذاء وحليب أطفال؛ ما دفعني إلى السعي يومياً وراء ما رخص ثمنه من غذاء وخضراوات، وغالباً ما أشتري خضراوات غير طازجة بأسعار تتناسب مع دخلي اليومي المحدود».
من جهته، قال ماهر الحسن، وهو مالك بسطة لبيع الخضراوات في سوق سرمدا شمال إدلب، إن «بدء انحدار قيمة الليرة التركية مؤخراً، انعكس على أسعار السلع (الزيوت والسمون والخضراوات والحبوب والسكر) في الأسواق، في حين قامت شركة (وتد) المسؤولة عن استيراد وبيع الوقود في مناطق المعارضة برفع أسعار البنزين والديزل والغاز المنزلي لمرات عدة، حيث وصل سعر أسطوانة الغاز مؤخراً إلى 168 ليرة تركية؛ ما عمّق من معاناة سكان إدلب الأصلين والنازحين على حد سواء، وزاد الأعباء والمشاكل، وارتفاع معدلات الفقر والحاجة، لا سيما لدى العاملين بالأجرة اليومية وذوي الدخل المحدود».
ويضيف «ما تشهده الأسواق اليوم مختلف تماماً عما كانت عليه سابقاً قبل الغلاء، حيث اليوم تكاد الأسواق بمختلف أنواعها، تنعدم فيها الحركة السوقية، وغالباً ما يتوجه المواطن إلى البسطات المعروفة برخص بضائعها، لشراء ما يحتاج إليه من مستلزمات يومية. واللافت أكثر أن غالبية المواطنين يدخلون مع البائع بعملية التفاوض على السعر في محاولة منهم الحصول على ما يلزمهم بأدنى كلفة مادية».
وقال عمر حاج حمود، وهو ناشط في إدلب، إن أسعار المواد الغذائية (السمن والزيت والسكر والرز والألبان) والأدوية، ارتفعت خلال الآونة الأخيرة بشكل حاد، وبلغت 400 في المائة، بينما بلغت نسبة ارتفاع أسعار المواد غير الغذائية والألبسة 200 في المائة، بينما مادة الخبز وهي المادة الغذائية الأساسية للمواطنين في المنطقة فقد ارتفع سعر الكيلو منه بنسبة 300 في المائة، ووصل سعر ربطة الخبز الواحدة بوزن 600 غرام إلى ثلاث ليرات ونصف تركية.
ويضيف، أنه مع ارتفاع أسعار الوقود إلى أعلى مستوياتها خلال الآونة (بنزين مستورد أول 12.05 ليرة تركية والمازوت المستورد الأول 11.21 ليرة والمازوت المحلي المكرر أول إلى 7.07 ليرة والمازوت المحسن بـ8.85 ليرة وسعر أسطوانة الغاز 168 ليرة تركية)، ساهم في تقليص الحركة التجارية والسوقية وكميات الإنتاج؛ ما دفع بعدد من أصحاب المنشآت التجارية والمصانع إلى التوقف عن العمل، وأخرى قلصت كميات الإنتاج، ما ساهم ذلك أيضاً بارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إلى مستويات قياسية تجاوزت 91 في المائة، ما يعكس ذلك حجم الوضع الاقتصادي والمعيشي السيئ وتدني مستوى الدخل لدى المواطن في شمال غربي سوريا؛ الأمر الذي أجبر العوائل على تخفيض عدد الوجبات اليومية وحالة تقشف غير مسبوقة، في حين ارتفعت نسبة العوائل التي وصلت إلى حد الانهيار خلال الفترة السابقة إلى ما بين 52 و59 في المائة.
وأوضح، أنه رغم حالة الفقر والعوز لدى شريحة كبيرة من المواطنين والنازحين في مخيمات الشمال السوري على حد سواء، فإن حجم المساعدات الإنسانية من قِبل المنظمات الدولية والمحلية، لا يتناسب مع هذه النسبة من الفقر، حيث تقتصر المساعدات على مناطق ومخيمات محددة، من خلال دعم مادة الخبز واعتماد عدد من أفران الخبز بتقديم نصف الكلفة المطلوبة لإنتاج مادة الخبز، بينما مناطق ومخيمات أخرى، لا تشملها خطط المنظمات الإنسانية، ويعتمدون في سد حاجتهم اليومية من غذاء ومستلزمات أخرى على بعض الأعمال الحرة بأجور لا تتناسب مع متطلباتهم الحياتية.



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.