كشف المؤرخ الفرنسي الشهير بن جامان ستورا، المكلف «قضية لملمة جراح الذاكرة» المشتركة بين الجزائر وفرنسا، عن وثيقة أعدها 15 شابا من البلدين، مرتبطين بشكل غير مباشر بثورة التحرير الجزائرية، تتضمن خطوات وإجراءات في سياق مسعى الدولتين طي هذا الملف، الذي يعوق تطور العلاقات في جانبيها السياسي والاقتصادي.
ونشر ستورا أمس مضمون تقرير مجموعة الشباب، الذين يسمون أنفسهم «آراء جيل الشباب حول الذاكرة الفرنسية»، والذي طلبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وشدد التقرير، الذي نشرته صحيفة «لوموند» الثلاثاء على إطلاق «متحف للذاكرة المشتركة»، عده الشباب الـ15 «أداة للتوفيق بين الذاكرتين الجزائرية والفرنسية» حول حرب التحرير. كما اعتبروه «ضروريا» لـ«إلقاء الضوء على الحقيقة التاريخية، وبناء مستقبل مشترك للأجيال الجديدة».
وأبرز التقرير أن «إنشاء مكان مخصص لهذه القصة (حرب التحرير) هو رمز، وشكل من أشكال الاعتراف (بمسؤولية فرنسا في الجرائم الاستعمارية). لهذا السبب استبعدنا فكرة وجود جهاز افتراضي، والجمهور المستهدف هو الشباب أولاً، لأننا مقتنعون بأنه يجب عليهم معرفة هذه الذاكرة». كما دعا أصحاب التقرير إلى «تجنب إقامة متحف كلاسيكي للتاريخ. إنما نريده مكانا لذاكرة حية».
ويتحدر الشباب الـ15، حسب الوثيقة، من آباء فرنسيين وجزائريين شاركوا في حرب التحرير، ومنهم أحفاد «حركى» (متعاونون مع الاستعمار ضد ثورة التحرير الجزائرية 1954-1962). ويرتقب أن يسلموا بأنفسهم تقريرهم إلى الرئيس ماكرون.
ولاحظ معدو الوثيقة بـ«مرارة» أن «أجيالا بكاملها لم تتعلم شيئا عن الحرب الجزائرية. وهكذا فإن الفرنسيين المولودين في الثمانينيات، والذين لم يختبروا الحرب الجزائرية، لم يستفيدوا من دروس التاريخ حول هذه الفترة من مسارهم التعليمي. وبالمثل، فإن معظم الفرنسيين الذين ولدوا في التسعينيات، ينهون دراستهم دون أن يدرسوا هذه الحرب في المدرسة».
وحسب التقرير، فإن أصحابه «مدفوعون برغبة في أن تتصالح الذاكرتان، والتعرف عليهما وتضميد الجراح، التي تولدت عنهما والتي ما زالت موجودة في المجتمعين، كما نسعى إلى بناء مستقبل مشترك للأجيال الجديدة».
وتعاملت الجزائر ببرودة شديدة مع «تقرير بنجامان ستورا» الشامل، حول «مصالحة الذاكرتين» لدى صدوره في يناير(كانون الأول) من العام الحالي. وثمة اتفاق مبدئي بين رئيسي البلدين على أن يقدم كل منهما رؤيته الخاصة حول القضية. لكن لم يصدر شيء عن عبد المجيد شيخي، مستشار الرئيس تبون لشؤون التاريخ، المكلف إعداد ورقة حول الموضوع.
وتشهد العلاقات الجزائرية- الفرنسية شبه قطيعة منذ شهرين، بسبب تصريحات للرئيس ماكرون، جاء فيها أن الجزائر أنشأت بعد استقلالها العام 1962 «ريعا للذاكرة كرسه النظام السياسي-العسكري فيها». كما قال بأن الجزائر «لم تكن أمة» قبل الغزو الفرنسي عام 1830. وقد أثارت هذه التصريحات حفيظة الجزائر، فسحبت سفيرها من باريس ومنعت الطيران الحربي الفرنسي، الذي يقوم بمهام في مالي، من التحليق فوق أجوائها. كما فسخت عقود شركات فرنسية عاملة بالجزائر.
وحاول ماكرون في تصريحات للإعلام الفرنسي مطلع أكتوبر(تشرين الأول) الماضي تهدئة العلاقة مع الجزائر. ودعا إلى «الاعتراف بالذاكرات كلها والسماح لها بالتعايش». مشيرا إلى أنه «يكن احتراما كبيرا للشعب الجزائري، وأقيم علاقات ودية فعلا مع الرئيس تبون».
لكن الرئيس تبون رفض في تصريحات لمجلة ألمانية مطلع الشهر الماضي «المبادرة بالخطوة الأولى (تجاه ماكرون) وإلا فسأخسر كل الجزائريين، فلا علاقة لهذا بشخصي إنما بالأمة كلها». كما رفض تبون دعوة ماكرون حضور مؤتمر باريس حول ليبيا، الذي عقد في 12 من الشهر المنصرم.
أحفاد ضحايا حرب الجزائر يقترحون خطوات لـ«لملمة جراح الذاكرة»
أحفاد ضحايا حرب الجزائر يقترحون خطوات لـ«لملمة جراح الذاكرة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة