استئناف حذر لمحادثات «النووي» الإيراني وارتياح أوروبي من الأجواء «الإيجابية»

طهران ترهن وقف الانتهاكات برفع شامل للعقوبات... وتفاؤل روسي وتمسك أميركي بالالتزام الكامل

جانب من فيديو وزعه الاتحاد الأوروبي من اجتماع أطراف الاتفاق النووي في فيينا أمس
جانب من فيديو وزعه الاتحاد الأوروبي من اجتماع أطراف الاتفاق النووي في فيينا أمس
TT

استئناف حذر لمحادثات «النووي» الإيراني وارتياح أوروبي من الأجواء «الإيجابية»

جانب من فيديو وزعه الاتحاد الأوروبي من اجتماع أطراف الاتفاق النووي في فيينا أمس
جانب من فيديو وزعه الاتحاد الأوروبي من اجتماع أطراف الاتفاق النووي في فيينا أمس

رغم التصعيد الإيراني الذي سبق الجولة السابعة من المفاوضات النووية في فيينا، وتكرار المسؤولين الإيرانيين رفضهم مناقشة أي بند باستثناء العقوبات، فقد وافق الوفد الذي يرأسه علي باقري كني على مناقشة الالتزامات النووية إلى جانب العقوبات، بحسب ما أعلن منسق المحادثات باسم الاتحاد الأوروبي أنريكي مورا ورئيس الوفد الروسي في المفاوضات ميخائيل أوليانوف.
وعادت الجولة السابعة لتنطلق بعد أكثر من 5 أشهر توقف، بعد أن انتهت الجولة السادسة في 20 يونيو (حزيران)، وتوقفت المحادثات بانتظار الانتخابات الرئاسية والحكومة الجديدة. ومع عودة فريق تفاوض إيراني جديد، جددت المفاوضات كذلك موقعها، وانتقلت إلى مكانها الأصلي في فندق قصر كوبورغ الفخم القريب من فندق غراند أوتيل الذي استضاف الجولات الست الأولى التي انطلقت في أبريل (نيسان) الماضي. ويبدو أن الوفد الأميركي برئاسة روبرت مالي اتخذ من فندق ماريوت المقابل مقراً لاجتماعاته، لكن ليس لإقامته.
واستغرق الاجتماع الرسمي لدول «4+1» (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، الصين) مع إيران، الذي يعقد عادة في بداية كل جولة، وقتاً أطول بكثير من سابقه. وتأخر ساعة في الانطلاق، وهو أمر لم يحصل في الجولات السابقة.
وعزا المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، آلان ماتون، التأخير في بدء الاجتماع للاجتماعات الجانبية التحضيرية التي سبقت الاجتماع الرسمي، والتي «طالت أكثر من المتوقع»، بحسب ما قال لـ«الشرق الأوسط». لكن كلام المبعوث الروسي، بعد الاجتماع، رسم صورة مختلفة. فقد وصف أجواء الاجتماعات مع الوفد الإيراني الجديد بأنها كانت «مختلفة» عن سابقاتها، وبأن الحوار كان «يحتدم أحياناً ويهدأ أحياناً أخرى».
وقبِل الإيرانيون، بحسب تأكيد مورا وأوليانوف، باستكمال المفاوضات من حيث انتهت، وذلك بعد المخاوف الغربية من أن يرفض الوفد الإيراني الجديد التفاوض من حيث انتهت الجولة السادسة.
وأكد أوليانوف أن «العمل سيكمل من حيث انتهى في 20 يونيو»، لكن مورا بدا أكثر حذراً في وصفه ما وافق عليه الإيرانيون حول هذه النقطة، وقال: «الوفد الإيراني الجديد يأخذ بعين الاعتبار العمل الذي توصلنا إليه في الجولات الماضية، وسنبني عليه»، مضيفاً أن المفاوضات «ستأخذ بعين الاعتبار موقف الحكومة الإيرانية الجديدة»، موضحاً أن «الوفد الإيراني يمثل إدارة جديدة في طهران بحساسيات سياسية جديدة، لكنهم قبِلوا أن العمل الذي تم تحقيقه في الجولات الماضية هو عمل جيد للبناء عليه، ولا حاجة للعودة إلى مطلع أبريل. وفي الوقت نفسه سنأخذ في الحسبان حساسيات الحكومة الإيرانية الجديدة».
ويشارك الوفد الإيراني، برئاسة باقري كني، للمرة الأولى في المفاوضات النووية غير المباشرة بين إيران وواشنطن، وهو الفريق الذي شكّلته حكومة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي. حتى لم يكن كبير المفاوضين السابق عباس عراقجي من ضمن الوفد الجديد، رغم معرفته بتفاصيل الاتفاق النووي، ومشاركته بمحادثات الاتفاق منذ بداياتها، التي أدت لإبرام الاتفاق الأصلي عام 2015.
ووافق المجتمعون على خطة عمل لليومين المقبلين، على أن يبدأ اليوم الثاني من المفاوضات باجتماع للجنة الخبراء المتخصصة برفع العقوبات الأميركية، وأن يتبعها في اليوم الثالث اجتماع للّجنة المعنية بمناقشة الالتزامات النووية الإيرانية.
ويبدو أن الجولة السابعة ستكون «جولة مفتوحة» من دون سقف زمني ومن دون إعلان وقفها، حتى لو عادت الوفود إلى العواصم للتشاور، بحسب ما أكد مورا. وقال: «الجولة ستكون طويلة، حتى لو غادرت الوفود للتفاوض في العواصم، وعادت، لكن الجولة ستبقى مستمرة ومنعقدة». وأضاف: «فرق التفاوض قد تشعر بالحاجة للعودة إلى العواصم للتشاور، ثم العودة، لكن بالنسبة لي الجولة السابعة لن تنتهي خلال أيام، بل ستكون خليطاً من مشاورات هنا في فيينا، واجتماعات مباشرة في العواصم للتشاور كلما دخلنا في عمق النص أكثر».
وبرّر مورا طول الاجتماع الرسمي، واستمراره ساعتين ونصف الساعة تقريباً، بضرورة الاستماع لوجهة نظر الوفد الإيراني الجديد، نافياً أن يكون السبب خلافات بين الأطراف المشاركة. وقال: «الاجتماع استغرق وقتاً طويلاً لأن هناك رئيس وفد جديداً، وأراد أن يطلعنا على موقف الحكومة الجديدة، بالنسبة إليهم هم يصرون على رفع العقوبات، ويريدون أن يستمعوا إلى آراء الأطراف الأخرى، وهذا ما سنتحدث به في الاجتماعات المقبلة، وهذا طبيعي، لأنها حكومة جديدة».
ورفض المنسق الأوروبي الانجرار خلف السؤال «الفخّ» الذي أوقع نفسه فيه في نهاية الجولتين الخامسة والسادسة حول تفاؤله بقرب التوصل لاتفاق، عندما أعلن أن الاتفاق قريب، وقال هذه المرة: «لست متفائلاً أو متشائماً، لكن أشعر بالإيجابية، هناك رغبة لدى جميع الأطراف بالاستماع والتقدم إلى الأمام». وأضاف: «المهم أننا الآن بدأنا الحوار مجدداً». ورفض كذلك تحديد سقف زمني، على عكس ما فعل في الجولتين الماضيتين، حين قال إن الاتفاق سيولد بعد «جولة واحدة»، وقال أمس: «هناك شعور بالإلحاح، لكن ليس هناك سقف زمني محدد، لأنه ما زالت هناك أمور صعبة يجب اتخاذ القرارات حولها، منها سياسية، ومنها تقنية معقدة، سنواجهها عندما يأتي الحديث عن رفع العقوبات والالتزامات النووية».
وحاول كبير المفاوضين الإيرانيين إظهار أنه حقّق مطالبه ببحث رفع العقوبات الأميركية، وقال في تصريحات لقنوات إيرانية، بعد الاجتماع، إنه «تم الاتفاق على إعطاء الأولوية لرفع العقوبات، وواقع أنهم اعترفوا بذلك، إنه إنجاز». وكان الوفد الإيراني يكرر في الأيام الماضية أنهم لن يقبلوا طرح أي موضوع آخر غير رفع العقوبات الأميركية، لكنهم وافقوا على طرح مسألة الالتزامات النووية في اليوم الثالث من الجولة السابعة المفتوحة.
وبعد نحو ساعة من المحادثات، قال باقري كني لـ«رويترز» إنه على واشنطن وحلفاؤها الغربيين أن يقدموا ضمانات لطهران بعدم فرض عقوبات جديدة عليها مستقبلاً. وقال مسؤول إيراني آخر: «مطالبنا واضحة. الأطراف الأخرى، ولا سيما الأميركيين، يجب أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون إحياء هذا الاتفاق أم لا».
وقبيل بدء المحادثات، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في بيان، إن «الولايات المتحدة ما زالت لا تفهم بشكل صحيح حقيقة أنه لا مجال للعودة للاتفاق دون رفع جميع العقوبات التي فُرضت على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة، وذلك بشكل فعال، ويمكن التحقق منه». وأضاف: «عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي لا معنى لها دون ضمانات بعدم تكرار التجربة المريرة الماضية». وأضاف: «هذه الفرصة ليست نافذة مفتوحة للأبد».
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، في مؤتمر صحافي، إن «الوفد الإيراني وصل إلى فيينا بعزم وإرادة جادة للتوصل إلى اتفاق». وأضاف أنه «إذا جاءت أميركا إلى فيينا من أجل رفع الحظر بصورة حقيقية فبإمكانها الحصول على بطاقة العودة إلى الاتفاق النووي». وتابع أن «مدة المفاوضات النووية غير معروفة، ولا نريدها أن تصل إلى طريق مسدود».
ورداً على سؤال عما إذا كان ستجري محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة في فيينا، قال: «لن نُجري أي محادثات ثنائية مع الوفد الأميركي».
واحتج خطيب زاده على مقال مشترك نشرته وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، ونظيرها وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، عشية المباحثات. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إن «ذلك يظهر أن بعض الدول الأوروبية لا تفتقر إلى الإرادة اللازمة في مفاوضات إلغاء الحظر في فيينا فحسب، بل تسعى وراء إطالة أمد المفاوضات بهدف منع تنفيذ الاتفاق النووي، وهذا بات جلياً».
وقبل مجيئه إلى فيينا، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، روبرت مالي، إن موقف طهران «لا يبشر بالخير بالنسبة إلى المحادثات». وأضاف للإذاعة الوطنية العامة الأميركية، يوم الجمعة الماضي: «إذا كانوا ماضين في تسريع وتيرة برنامجهم النووي (...) لن نقف مكتوفي الأيدي».
وقال دبلوماسيون إن واشنطن اقترحت التفاوض على اتفاق مؤقت مفتوح مع طهران إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق دائم. وقال عدد من المسؤولين الإيرانيين لـ«رويترز» إن إيران ليست لديها نية قبول اتفاق مؤقت.
وفي أول تعليق أميركي على المباحثات، قالت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن «هدفنا لا يزال عودة إيران للالتزام الكامل بالاتفاق النووي».



ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».