إطلاق «شمعة حانوكا» من المسجد الإبراهيمي يثير غضباً

انتقادات فلسطينية وعربية ويسارية إسرائيلية

مظاهرة لليسار الإسرائيلي احتجاجاً على زيارة الرئيس للمسجد الإبراهيمي أمس (أ.ف.ب)
مظاهرة لليسار الإسرائيلي احتجاجاً على زيارة الرئيس للمسجد الإبراهيمي أمس (أ.ف.ب)
TT

إطلاق «شمعة حانوكا» من المسجد الإبراهيمي يثير غضباً

مظاهرة لليسار الإسرائيلي احتجاجاً على زيارة الرئيس للمسجد الإبراهيمي أمس (أ.ف.ب)
مظاهرة لليسار الإسرائيلي احتجاجاً على زيارة الرئيس للمسجد الإبراهيمي أمس (أ.ف.ب)

أطلق الرئيس الإسرائيلي؛ يتسحاق هيرتسوغ، «عيد الأنوار» اليهودي «حانوكا» من المسجد الإبراهيمي في الخليل، أمس الأحد، في خطوة أثارت التوتر واستفزت الفلسطينيين الذين قالوا إنه بذلك «يشرعن الاستيطان».
ووصل هيرتسوغ في وقت متأخر إلى البلدة القديمة في الخليل، التي تحولت إلى ثكنة عسكرية منع الفلسطينيون من دخولها، قبل أن يتوجه إلى المسجد الإبراهيمي برفقة قادة المستوطنين وأعضاء كنيست وكبار ضباط الجيش الإسرائيلي، فأشعل شمعة في احتفال تقليدي إيذانا ببدء «عيد الأنوار» اليهودي «حانوكا»، ثم تؤدى الصلاة في المكان.
ودخل هيرتسوغ إلى المسجد في الوقت الذي تم فيه النفخ في البوق، بينما كان العشرات من نشطاء اليسار الإسرائيلي، يتظاهرون قرب المكان، بينهم عضو الكنيست موسى راز من «ميرتس»، وقد منعوا من الاقتراب.
وقرر هيرتسوغ، قبل أيام، أنه سيشارك الأحد في طقوس دينية يهودية ستقام في المسجد الإبراهيمي في الخليل. وذكر مكتب هيرتسوغ أن الرئيس الإسرائيلي سيضيء، الأحد، الشعلة الأولى في «كهف البطاركة» (الاسم العبري للحرم الإبراهيمي)، بمناسبة «عيد الأنوار» التلمودي.
وقسم الإسرائيليون الحرم الإبراهيمي عام 1994، بعد أن ارتكب المستوطن الإسرائيلي المتطرف باروخ غولدشتاين مذبحة داخله قتل خلالها 29 مصلياً أثناء أدائهم صلاة الفجر في رمضان، وحولوا جزءاً من المسجد إلى كنيس يهودي يؤدي فيه غلاة المستوطنين الصلاة.
وفي يوليو (تموز) 2017، أعلنت «لجنة التراث العالمي» التابعة لـ«اليونيسكو» الحرم الإبراهيمي موقعاً تراثياً فلسطينياً. ولطالما كان المسجد الإبراهيمي نقطة للتوتر في الخليل وشهد مواجهات دامية بين الطرفين.
هذا؛ وقد أغضبت خطوة هيرتسوغ الفلسطينيين وجامعة الدول العربية.
وقال عضو «اللجنة المركزية» لحركة «فتح»، حسين الشيخ، إن ‏وصول هيرتسوغ إلى مدينة الخليل «شرعنة للاستيطان وحملات المستوطنين، وضرب للشرعية الدولية بعرض الحائط، واستفزاز سياسي وأخلاقي وديني».
وقالت «حركة الجهاد الإسلامي» إن اقتحام المسجد الإبراهيمي من قبل رئيس إسرائيل «يندرج في سياق مخططات التهويد التي تستهدف المسجد الإبراهيمي ومدينة خليل الرحمن»، واصفة هذا العمل بأنه عدائي يوجب على الجميع التصدي له بكل قوة. وحذر المتحدث باسم الحركة في الضفة الغربية، طارق عز الدين، من تداعيات هذه الاقتحامات، محملاً إسرائيل كامل المسؤولية عمّا سيترتب عليها.
كما حذرت «الجبهة الشعبيّة» من تداعيات الزيارة، داعية إلى إفشال أهدافها العنصرية في استكمال تهويد الحرم الشريف. وشددت الجبهة على أنّ هذه الخطوة تأتي في سياق دعمه وتعزيزه مكانة مشروع الاستيطان والضم الزاحف في الضفة المحتلة، واستمرار مشروع التهويد والأسرلة للجغرافيا والمقدسات الفلسطينية، بمدينتي الخليل والقدس على وجه الخصوص وتغطية ذلك من أعلى رأس في دولة الاحتلال. كما حملت حركة «حماس» الاحتلال «كامل المسؤولية عن تداعيات هذا الاعتداء». عربياً؛ أدانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية اقتحام هيرتسوغ الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، وقالت إن هذا الاقتحام يأتي في إطار ما يتعرض له الحرم الإبراهيمي من تهويد بعد تقسيمه الزماني والمكاني، عقب المذبحة التي ارتكبها أحد المتطرفين عام 1994، وراح ضحيتها 29 مصلياً. وأكدت في بيان أن «ما تتعرض له مدينة الخليل؛ خاصة الحرم الإبراهيمي، يؤكد إمعان سلطات الاحتلال في العدوانية والعنصرية، ومواصلة إرهابها الرسمي والمنظم ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه ومقدساته، في ذات المنهج الذي تمارسه في تهويد القدس، واستهداف المسجد الأقصى المبارك، وسائر أرض دولة فلسطين المحتلة».
واستذكرت في بيانها بعثة الخليل الدولية، التي أنهت سلطات الاحتلال عملها قسراً في يناير (كانون الثاني) 2019.
ولم تقتصر الانتقادات على الفلسطينيين والعرب؛ بل لم تتأخر بالوصول من جانب النواب الإسرائيليين؛ إذ أبدت ميخال روزين، عضو حزب «ميريتس» (اليسار) الشريك في الائتلاف الإسرائيلي، امتعاضها من خطوة هيرتسوغ في تغريدة وصفت فيها القرار بـ«الخطأ». وكتبت: «يتوجب على الرئيس أن يكون شخصية تحض على التآلف»، وأشارت إلى أن المستوطنات الإسرائيلية في الخليل هي «الأكثر استفزازاً». وتابعت: «إنه لأمر محزن أن يعطي الرئيس الأولوية لذلك».
كما انتقدت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية، خطوة هيرتسوغ، وقالت إنه «لا يمكن تصور أن يختار هيرتسوغ، الذي يفترض أن يكون شخصية موحدة، إضاءة شمعة في مكان أصبح معقلاً للقمع والعنف». وعقبت منظمة «كسر الصمت» بالقول: «إن اختيار هيرتسوغ لإعلان الشمعة الأولى لـ(الحانوكا) في معقل (الكهانية)، قرار مخجل»، داعية إياه إلى قراءة بعض من آلاف الشهادات لجنود خدموا في الخليل، حول مقدار العنف والعنصرية التي تنتجها سياسة الاستيطان هناك.
وشاركت هذه المنظمات في مظاهرات الخليل ضد هيرتسوغ. أما عضو الكنيست عن «القائمة العربية المشتركة»، عوفر كسيف، فوصف الزيارة إلى الخليل بأنها «قرار مخجل ومثير للاشمئزاز».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.