الأزمة اللبنانية تنعكس عنفاً ضد النساء... والأغلبية صامتة

TT
20

الأزمة اللبنانية تنعكس عنفاً ضد النساء... والأغلبية صامتة

تسمع سارة التي تسكن في العاصمة بيروت بشكل شبه يومي صوت «الجار حديث الهمجية»، على حد تعبيرها، يوبخ زوجته ويعنفها لفظياً تارة ويضرب أولاده تارة أخرى.
ألفاظ الجار النابية بحق أسرته وصراخه يهزان جدران المبنى المؤلف من 9 طبقات، على حد وصف سارة، «لماذا لا يوجد ماء ساخن للاستحمام... لماذا لم يجهز الغداء... اغرب عن وجهي»... أسباب سخيفة جدا تدفعه إلى الانفجار كقنبلة موقوتة قبل أن نسمع تحطيم الزجاج أو صراخ الأولاد، كما تقول لـ«الشرق الأوسط».
وتضيف «لسنا متأكدين، نحن الجيران، مما إذا كان يضرب زوجته، لكن الألفاظ المؤذية التي ينطق بها لها وقع أسوأ من الضرب!». وتؤكد أن الرجل لم يكن بهذه العصبية قبل عام 2019 أي قبل الأزمة الاقتصادية «نادراً ما كنا نسمع صوته»، بحسبها.
وتخبر أنه أصبح أكثر حدة مع ازدياد الأزمات الواحدة تلو الأخرى، «حتى أنه هذا العام نقل أولاده من المدرسة الخاصة إلى المدرسة الرسمية القريبة من البيت»، وفقاً لسارة التي لاحظت أن الزي المدرسي للأولاد قد تغير ولم يعد باص المدرسة يقلهم كل صباح.
ولم يبلغ أحد من الجيران القوى الأمنية أو الجهات المختصة، ووفقاً لسارة «كل عائلة لديها ما يكفي من الهموم».
وبحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي فيما يخص عدد اتصالات شكاوى العنف الأسري الواردة إلى الخط الساخن، فإن عدد شكاوى العنف الأسري لغاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 هي 1184، منها 677 شكوى من أصل 1184 للتبليغ عن تعنيف زوجي، في وقت بلغت نسبة إبلاغات العنف الأسري التي قامت بها النساء المعنفات أنفسهن 57 في المائة، مقابل 40 في المائة قام بها أفراد الأسرة و/أو الجيران.
وفي بيت آخر في منطقة حي السلم (ضاحية بيروت)، تسكن ربة المنزل أم علي مع أولادها الخمسة وزوج «عصبي»، كما تصفه لـ«الشرق الأوسط»، وتقول: «لا يضربني بمعنى الضرب هو لا يقصد الأذية بل يقوم بذلك كردة فعل ثم يعتذر عندما يعود لوعيه... هذه طبيعة الرجال يحتاجون إلى التنفيس».
ووفقاً لأم علي الأربعينية، «ازدادت عصبية الرجل مع تفاقم الأزمات اليومية حيث أصبح راتبه لا يكفي للأساسيات، ولا حتى الطعام والشراب»، وتضيف «مر علينا الصيف كنار جهنم بين أزمة المحروقات وارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة... المرأة تنفس عن غضبها بالكلام والدعاء والصراخ أما الرجل فلا يلجأ إلى هذه الطريق بل يضرب أو يشتم أو يكسر»، وتزيد «من الطبيعي أن يغضب وينفس عن غضبه في هذه الظروف!».
وبحسب دراسة إحصائية وطنية قامت بها منظمة «أبعاد»، اعتبرت امرأة من أصل اثنتين في لبنان أن حماية النساء يجب أن تكون أولوية خلال الأزمة الحالية التي يمر بها البلد.
ويشرح الخبير في علم الاجتماع الدكتور نزار حيدر لـ«الشرق الأوسط» أن «ارتفاع معدلات العنف اللفظي والجسدي ضد النساء والسيدات بدأ بالارتفاع مع الحجر في فترة (كورونا) وازداد بشكل لافت مع تفاقم الوضع الاقتصادي في لبنان».
ويوضح حيدر أن «الأزمة الاقتصادية أثبتت تأثيرها على كل جوانب حياة الشعب اللبناني، ومنها ارتفاع سعر صرف الدولار وفقدان الليرة اللبنانية قيمتها، وخسارة الكثير من اللبنانيين عملهم، والأزمات الحياتية من ارتفاع سعر الدواء والمازوت والغاز والبنزين... كلها أزمات وضعت الفرد في عجز عن تأمين متطلبات الحياة، وأمام غياب البديل أصبح يلجأ إلى التصادم مع أهل بيته، أي زوجته وأولاده، ما يؤدي إلى العنف اللفظي وأحياناً الجسدي».
وإذ يرجح أن ترتفع معدلات العنف أكثر كلما اشتدت الأزمة الاقتصادية، يحذر من أن «هذا الارتفاع قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الانتحار سواء كان للمعنِّف أم المعنَّف»، كما يسلط الضوء على ضرورة عدم إغفال عامل الضغط النفسي الذي تسببت به الأزمة على الشعب اللبناني ككل.
وبحسب دراسة «أبعاد»، فإن 96 في المائة من الفتيات الشابات والنساء المقيمات في لبنان واللواتي تعرضن للعنف المنزلي خلال عام 2021 لم يبلغن عن هذا العنف أبداً. وفي هذا الإطار يؤكد حيدر على ضرورة أن ترفع المرأة المعنفة الصوت، ويقول: «من المرفوض أن تتحمل المرأة أي نوع من أنواع التعنيف، لا يجب أن تسكت على ذلك أبداً بل على العكس يجب أن تبلغ الجهات التي تستطيع حمايتها».
وفي حين أكدت اثنتان من أصل خمس نساء شملتهن الدراسة أنهن لا يبلغن بسبب الخوف من ردة فعل الجاني، يقول حيدر إن «النساء يتخوفن من أن تصل ردة فعل المعنف إلى حد القتل، وهذا ما يحصل مع الأسف في مجتمعاتنا وشهدنا على الكثير من الحالات المماثلة، حيث يتحجج الرجل بقتل زوجته بسبب جريمة الشرف».
ويتحدث حيدر أيضاً عن «خوف المرأة من المجتمع في حال باحت بتعرضها للعنف»، ويلفت إلى أن «المرأة دائماً تخاف من أن تخسر أولادها لذلك تسكت في معظم الأحيان عن كل أشكال العنف أو التقصير أو الإهانة. كما أن هناك سيدات يعتبرن أن هذه هي طبيعة الرجل وأنه ولد معنفاً وله الحق بضرب زوجته».



مصر: تصاعد الانتقادات لحكومة مدبولي... هل ينبئ بتغييرات قريبة؟

اجتماع مجلس الوزراء المصري برئاسة مدبولي (أرشيفية - مجلس الوزراء)
اجتماع مجلس الوزراء المصري برئاسة مدبولي (أرشيفية - مجلس الوزراء)
TT
20

مصر: تصاعد الانتقادات لحكومة مدبولي... هل ينبئ بتغييرات قريبة؟

اجتماع مجلس الوزراء المصري برئاسة مدبولي (أرشيفية - مجلس الوزراء)
اجتماع مجلس الوزراء المصري برئاسة مدبولي (أرشيفية - مجلس الوزراء)

عقب زيادات متتالية في الأسعار، فاقمت من شكاوى الغلاء، بدا أن هناك اتجاهاً متصاعداً لانتقاد الحكومة المصرية برئاسة مصطفى مدبولي، ظهرت ملامحه في استياء ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقادات إعلامية، وتصعيد سياسي تحت قبة البرلمان، مما أثار تساؤلات بشأن ما إذا كانت الانتقادات تنبئ بتغيير محتمل في الحكومة.

وأعلنت وزارة البترول المصرية، نهاية الأسبوع الماضي، رفع أسعار الوقود اعتباراً من الجمعة، في أول زيادة خلال عام 2025، بنسب تراوحت ما بين 11.76 و14.81 في المائة. وشملت الزيادات رفع سعر الديزل (السولار)، وهو أحد أكثر أنواع الوقود شيوعاً في البلاد، جنيهين إلى 15.50 جنيه لكل لتر، إلى جانب رفع سعر البنزين جنيهين، بأسعار متفاوتة؛ إذ زاد بنزين 80 إلى 15.75 جنيه للتر الواحد، وزاد بنزين 92 إلى 17.25 جنيه، وارتفع بنزين 95 إلى 19 جنيهاً، كما زاد سعر غاز الطهي للمنازل إلى 200 جنيه للأسطوانة من 150 جنيهاً (الدولار يساوي 51.3 جنيه في البنك المركزي).

انتقادات إعلامية

وأثار القرار جدلاً واستياء على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما مع تأثير أسعار الوقود على أسعار مختلف السلع، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي منشورات عدة حملت مخاوف من موجة غلاء جديدة، وسط تساؤلات عن سبب رفع أسعار الوقود رغم انخفاض سعر البترول عالمياً.

وعدَّت الإعلامية المصرية لميس الحديدي الزيادة الجديدة في أسعار الوقود «كبيرة على المواطنين». وقالت في برنامجها «كلمة أخيرة»، إن «أي زيادة سيكون لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على المواطن»، داعيةً الحكومة إلى «مراعاة المواطن وميزانيته».

في السياق نفسه، عكست صحيفة «الوفد» اليومية، التابعة لحزب الوفد المعارض، حالة الاستياء الشعبي من ارتفاع أسعار المحروقات، حيث جاء عنوان عددها الرئيسي «الوقود يشتعل والشعب يحترق». وأشارت الصحيفة إلى انخفاض أسعار البترول عالمياً، في الوقت الذي تم فيه رفع الأسعار في مصر.

وعلَّق الإعلامي المصري أحمد موسى، على أسعار الوقود الجديدة، وقال في برنامجه على «مسؤوليتي»: إن «كل الأسعار زادت، والمواطن المصري البسيط سيتحمل التكلفة».

بينما أكد المدوّن المصري لؤي الخطيب أنه «لا يمكن إقناع الناس بأن يُبدوا سعادة بزيادة الأسعار، أياً كانت المصلحة». وحذَّر في منشور عبر حسابه على منصة «إكس» من «استغلال ألم الناس لتصفية الحسابات»، مشيراً إلى أن «الناس في الشارع ورغم الضغوط صابرة ومتفهمة خطوات الإصلاح».

بينما تساءل الإعلامي رامي رضوان عبر حسابه على «فيسبوك» عن كيفية تعامل المواطنين مع الأزمة وتدبير أمورهم المالية مع الارتفاع المتكرر للأسعار.

وتستهدف الحكومة المصرية خفض مخصصات دعم الوقود في مشروع موازنة للعام المالي 2025-2026 إلى 75 مليار جنيه، وفقاً لبيان صدر أخيراً عن مجلس الوزراء، وسبق وأوضح مدبولي أن الحكومة ستعمل على رفع دعم الوقود تدريجياً بحلول نهاية العام الجاري.

غضب برلماني

لم تقتصر الانتقادات على منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، بل انتقلت تحت قبة البرلمان، لا سيما أن القرار تزامن مع الجلسة العامة لمناقشة الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة للعام المالي السابق، التي شهدت جدلاً بشأن انعكاسات زيادة أسعار الوقود على المواطن. وانتقد النائب عن حزب التجمع أحمد البرلسي، زيادة أسعار الوقود، التي قال إنها «تزيد الضغوط على المواطن في ظل موجة غلاء مستمرة».

وطالب آخرون، في بيانات عاجلة بتفعيل الرقابة على الأسواق. وأكد النائب عن حزب «مستقبل وطن»، سيد شمس الدين، «ضرورة التدخل الفوري لتكثيف الرقابة على الأسواق بعد الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين»، محذراً من «استغلال بعض التجار للظروف الاقتصادية لرفع الأسعار بشكل غير مبرر»، وهو نفس ما طالب به النائب سامي سوس، عضو مجلس النواب عن حزب «مستقبل وطن».

ولا يعتقد عضو مجلس النواب عن حزب «مستقبل وطن»، علي بدر أن الانتقادات الموجَّهة إلى الحكومة تنبئ باحتمالية تغييرها، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «أعضاء البرلمان سبق ووجهوا انتقادات عدة إلى أداء الحكومة في بعض الملفات».

وقال: «تغيير الحكومة في ظل ما تواجهه البلاد حالياً من ضغوط ومخاطر على الحدود أمر غير ملائم».

من جانبها، قالت أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة نهى بكر، لـ«الشرق الأوسط»: إن «النواب يقومون بدورهم الطبيعي، والانتقادات لا يؤدي بالضرورة إلى تغيير الحكومة»، وعدَّت «تصاعد النقد الإعلامي مؤشراً على محاولة توسيع مناخ الحريات في البلاد».

وتعاني مصر أزمة اقتصادية متفاقمة لا سيما مع تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار، عقب قرار البنك المركزي المصري في مارس (آذار) 2024 تحديد سعر صرف الجنيه وفق آليات السوق (العرض والطلب). وسبق وعوَّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ما وصفها بـ«صلابة المصريين» في تحمل «الضغوط الاقتصادية» التي تعاني منها بلاده، مقرّاً بـ«صعوبات وغلاء» تواجه مصر، أكبر دول عربية من حيث عدد السكان.