أوروبا في مواجهة مع الموجة الجديدة من جائحة «كوفيد ـ 19»

خيار إلزامية التلقيح مطروح... رغم مخاطر اضطرابات الشارع

أوروبا في مواجهة مع الموجة الجديدة من جائحة «كوفيد ـ 19»
TT

أوروبا في مواجهة مع الموجة الجديدة من جائحة «كوفيد ـ 19»

أوروبا في مواجهة مع الموجة الجديدة من جائحة «كوفيد ـ 19»

«في نهاية فصل الشتاء، سيكون معظم الألمان قد تلقوا اللقاح أو تعافوا أو توفوا». كان هذا تحذير وزير الصحة الألماني يانس شبان قبل أيام، الذي قد يكون أثار الكثير من الاستغراب لصراحته الفاضحة، إلا أنه نجح في لفت الأنظار لمدى خطورة عودة تفشي جائحة «كوفيد - 19» في أوروبا. إذ إن «القارة العجوز» تجد نفسها الآن مرة جديدة «بؤرة» لتفشي فيروس الجائحة، مع أنها كانت الأولى على صعيد بدء حملات التلقيح قبل سنة تقريباً. ومع هذا، فإن نسبة عدد الملقّحين من سكانها لا تتجاوز الـ65 في المائة، وهي نسبة غير كافية بحسب الخبراء الصحيين لتحقيق مناعة جماعية.
وهكذا، عادت الدول الأوروبية لتجد نفسها أمام شبح الإغلاق من جديد، بعدما كان معظمها قد وصف القيود تلك بأنها أصبحت من الماضي. بل، حتى منظمة الصحة العالمية حذرت أخيراً من أن أوروبا قد تشهد وفاة قرابة 700 ألف شخص إضافي بالفيروس بحلول مارس (آذار) المقبل، لتضاف إلى المليون ونصف المليون وفاة سجلتها القارة حتى الآن.
في حين اختارت دول أوروبية فرض الإغلاق الكامل مثل النمسا، أو الجزئي مثل هولندا؛ بهدف السيطرة على الموجة الرابعة من جائحة «كوفيد - 19»، حاولت دول أخرى، مثل ألمانيا، عزل غير الملحقين في محاولة للضغط عليهم لأخذ اللقاح.
كذلك، عاد الجدل حول إلزامية فرض اللقاح على السكان بعدما قرّرت النمسا العمل بذلك ابتداءً من فبراير (شباط) المقبل ومعاقبة كل مَن لم يرفض أخذ اللقاح بغرامات مالية تصل إلى 3 آلاف يورو وإبقائهم في العزل الدائم. بل إن في ألمانيا، حيث كان مجرّد الكلام على «إلزامية اللقاح» يُعدّ من المُحرَّمات، بات الموضوع يناقش بشكل شبه يومي على أنه الحل وحيد لتفادي موجة خامسة من الفيروس.
فهل تتجه أوروبا إلى فرض إلزامية التلقيح للتخلصّ للمرة الأخيرة من جائحة «كوفيد - 19»... أم أنها ستبقى تواجه الإغلاقات والإجراءات التقييدية ريثما يختفي الفيروس من تلقاء نفسه؟
العاصمة السويدية استوكهولم، لا تبدو حالياً على الأقل، في «حالة طوارئ» صحية.
هنا ارتداء الكمامات ليس إجبارياً الآن، ولم يكن كذلك يوماً منذ بداية تفشي فيروس جائحة «كوفيد - 19». ثم إن السويد لم تشهد الإغلاقات التي شهدتها الدول الأوروبية الأخرى حتى في عز موجات التفشي السابقة. وحتى الآن لا تبدو استوكهولم وكأنها مقتنعة بأن «الموجة الرابعة» التي أعادت الفوضى من جديد إلى عدد كبير من الدول الأوروبية، قد وصلتها بعد أو هي على أبوابها الآن.
مع ذلك، فإن الطرقات والأسواق هنا لا تبدو شديدة الازدحام.
- «مهندس» اللا إغلاق .. مصرّ على موقفه
قد يكون للبرد القارس والظلام، الذي يحل مبكراً في دول أقصى الشمال الأوروبي، دور في ذلك. ولكن السويديين اعتادوا منذ بداية محنة «كوفيد - 19» على الخطوات الفردية للحد من تحركاتهم عوضاً عن الاعتماد على القوانين المقيدة للحركة التي تجنبت الحكومة فرضها حتى الآن. فالتوجيهات الحكومية كانت كافية في الماضي لنهي عدد كبير منهم عن الخروج في تجمّعات كبيرة وتحويلهم إلى العمل من المنزل.
غير أن القيود التي رفضت السلطات السويدية فرضها جعلت من نسبة الوفيات بالفيروس في البلاد مرتفعة مقارنة بعدد سكانها. وكانت السويد قد فتحت أخيراً تحقيقاً من أجل تحديد ما إذا كانت السلطات الحكومية قد أخطأت في سياستها الصحية، وأعلنت نتيجته قبل أيام. وعلى الرغم أن من التحقيق توصل إلى استنتاج بأن الحكومة السويدية «تركت الفيروس ينتشر بصورة أسرع من الدول الشمالية الأخرى»، لم يُعط هذا التحقيق الحكم حيال صوابية أو خطأ قرار تفادي الإغلاق.
في هذا السياق، يصرّ أنديرس تيغنل، طبيب الأمراض الوبائية السويدي الذي يُعد «مهندس سياسة» رفض الإغلاق، على أن هذه السياسة لم تكن خاطئة. إذ قال تيغنل في مقابلة مع صحيفة «الفاينانشال تايمز» قبل أيام، إن السويد «بعد سنتين من جائحة (كوفيد – 19) لم تبرز من بين الدول الأخرى، فنحن لسنا الأفضل لكننا لسنا الأسوأ أيضاً. لذا؛ أسمع الآن السؤال حول ما الذي فعلته الإجراءات الصارمة التي اتخذت؟».
هذا السؤال هو بالفعل الذي يؤرق السياسيين في أوروبا اليوم. فالنقاش المحتدم حول جدوى الإغلاقات والإجراءات الصارمة في وقف تفشي الجائحة لا يتوقف.
- النمسا لها ريادة التلقيح الإلزامي
كثيرون توصلوا إلى استنتاج بأن اللقاحات وحدها هي التي ستوقف التفشي؛ وهو ما دفع بالنمسا لكي تصبح أول دولة أوروبية تعتمد إلزامية التلقيح «لأننا لا نريد موجة خامسة» كما جاء على لسان المستشار المساوي ألكسندر شلينغر. ولقد برّر المستشار هذه الخطوة بالقول أيضاً، إنه كان يعتقد أن عدداً أكبر من السكان سيتلقى اللقاح طوعاً، غير أن انخفاض نسبة الملقحين دفع بحكومته إلى اتخاذ قرار بجعل إلزامياً ابتداءً من فبراير المقبل.
لم يتردد شلينغر في إلقاء اللوم في ذلك، ليس فقط على مروّجي «نظريات المؤامرة»، بل أيضاً على حزب الحرية اليميني المتطرف الذي يرفض اللقاحات وإجراءات الوقاية، وهو موقف شبيه بمواقف معظم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.
والجدير بالذكر، أن الحكومة النمساوية تواجه الآن انتقادات شديدة... سياسياً من حزب الحرية اليميني المتطرف، وشعبياً من جماعات الرافضين للتلقيح الإلزامي. وقد شهدت العاصمة فيينا، بالفعل، غداة إعلان العودة إلى الإغلاق وفرض اللقاحات مظاهرة ضخمة شارك فيها ما يقارب الـ40 ألف شخص، حمل بعضهم لافتات تصف المستشار النمساوي بالديكتاتور.
للعلم، تسجّل النمسا، إلى جانب الدول الجرمانية بشكل عام، أدنى مستويات التلقيح ضد «كوفيد - 19» في الدول الغربية؛ إذ إن نسبة الملقحين فيها ما زالت دون 66 في المائة من السكان. كذلك، لا تزيد نسبة الذين تلقّوا اللقاح في سويسرا على نحو 66 في المائة من السكان. أما في ألمانيا فالوضع أفضل قليلاً؛ إذ ترتفع النسبة أكثر بقليل لتصل إلى قرابة 68 في المائة. وهكذا، تحولت هذه الدول الثلاث إلى أكبر بؤر للموجة الرابعة من الفيروس التي تضرب أوروبا حالياً. ويظهر الفارق جلياً لدى مقارنة أرقامها مع أرقام دول أخرى، ترتفع فيها نسبة التلقيح مثل البرتغال، حيث تلقى قرابة الـ87 في المائة من السكان اللقاح، وبالفعل ما زالت أعداد الإصابات فيها منخفضة.
على صعيد متصل، مع أن بعض مستشفيات ألمانيا في الولايات الأكثر تأثراً بدأت بنقل مرضاها إلى ولايات ألمانية أخرى وحتى إلى دول أخرى مثل إيطاليا، فإن ألمانيا تستقبل بنفسها مرضى «كوفيد - 19» من هولندا... التي دخلت موجة رابعة قاسية قبل أسابيع وفرضت إغلاقاً جزئياً تسبب في مظاهرات، تحولت إلى ليال من العنف في بعض المدن مثل روتردام.
لقد نقلت هولندا في الأيام الماضية 19 مريضاً إلى مستشفيات ألمانيا. ويشغل نصف أسرّة العناية المركزة في هولندا والبالغ عددها 1050 سريراً، مرضى يعانون من «كوفيد - 19».
بل لقد تحولت مستشفيات هولندا إلى العمل بـ«حالة الطوارئ»، وهي تلغي منذ أسابيع علاجات مرضى السرطان وعمليات القلب الجراحية لنقص أسرّة عناية مركزة قد يحتاجون إلى نقلهم إليها.
- الموجة الجديدة تدعم طرح إلزامية التلقيح
ولكن حتى في البرتغال، التي ترتفع فيه نسبة الملقحين عادت أعداد الإصابات لترتفع خلال الأيام الماضية؛ ما دفع برئيس الحكومة هناك إلى التحذير من إمكانية إعادة فرض بعض الإجراءات الوقائية الضرورية لاحتواء التفشي. وبطبيعة الحال، دفع هذا الواقع كثيرين إلى التساؤل عن جدوى تلقي اللقاحات التي لا تقي بنفسها من العدوى.
غير أن خبراء الصحة العامة، كانوا قد قالوا، وذكّروا مراراً خلال الأشهر الأخير بأن انخفاض نسبة الاجسام المضادة للفيروس بعد 6 أشهر من تلقي اللقاح يعني أن ثمة حاجة ماسّة إلى جرعات معزّزة ثالثة بعد تلك الفترة للحفاظ على أعداد الإصابات الخطرة منخفضاً.
وواقع أن اللقاحات الحالية لا تمنع العدوى، بل تؤمّن حماية ضد المرض الشديد، فتح نقاشاً حول ضرورة تطوير لقاحات تقي من انتقال الأوبئة في المستقبل. وقد دعا الملياردير الأميركي بيل غيتس، الذي يستثمر مبالغ طائلة في الأبحاث العلمية ودراسات تطوير اللقاحات، إلى زيادة الاستثمارات في هذا المجال والتفكير «بأسلوب جديد لتطوير اللقاحات». وقال غيتس في مقابلة مع منظمة «بوليسي إكستشاينج»، إنه من الضروري أن «تركز ميزانيات البحث والتطوير في المستقبل على نقاط الضعف التي كشفها فيروس (كوفيد – 19) في العالم». وأردف «إننا لم نتمكن من تطوير لقاحات تمنع العدوى، بل نجحنا فقط بتطوير لقاحات تساعد صحياً وتساعد بشكل طفيف في منع العدوى».
- ألمانيا على خطى النمسا
وتحاول الدول الأوروبية التسريع ببرامج إعطاء الجرعات المعززة من جهة، والبدء بتلقيح الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الـ5 سنوات والـ12 سنة؛ بهدف توسيع دائرة الملقحين ورفع نسبة السكان المحصين بأجسام مضادة. ولكن على الرغم من ذلك، فإن المخاوف من تواضع نسب الإقبال على تلقي اللقاحات تحوّلت إلى كابوس يؤرق أوروبا.
وبعدما اتخذت النمسا القرار الأول بجعل التلقيح إلزامياً، بدأت ألمانيا تناقش الموضوع جدياً وبشكل يومي. وبعدما كانت المستشارة أنجيلا ميركل – وهي ذات خلفية تخصصية علمية معروفة – والوزراء والمسؤولون الصحيون في معهد روبرت كوخ للأمراض الوبائية، قد أكدوا مراراً بأن اللقاحات لن تصبح أبداً إلزامية في ألمانيا، بدأت النبرة تتغير في الأيام الماضية، وتوسّعت دائرة السياسيين والمسؤولين الصحيين المؤيدين لإلزامية التلقيح.
هذا، وصدرت دعوات تدعو إلى التمثل بالنمسا من رئيس حكومة ولاية بافاريا وزعيم حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (الحزب الشقيق لحزب ميركل) ومن فريدريش ميرز المرشح لزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم الذي يتخبّط لإيجاد خليفة له بعد ميركل. أيضاً، صدرت دعوات مؤيدة لإلزامية اللقاح من السياسي البرليني الاشتراكي البارز مايكل مولر ومن النائب كارل لوترباخ المتحدث الصحي باسم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الذي سيشكّل الحكومة الألمانية المقبلة برئاسة أولاف شولتز.
ويبدو أن ألمانيا بدأت تفكر جدياً بفرض إلزامية اللقاح على جميع السكان؛ فهي بدأت بفرضه على بعض الفئات كما فعلت فرنسا وإيطاليا في السابق. وأعلن الجيش الألماني أن الجنود الألماني سيكون عليهم أخذ اللقاح إلزامياً أو يواجه الرافضون منهم التأديب. وحتى الآن، قبِل 80 في المائة من الجنود الألمان بتلقي اللقاح.
كذلك، يبدو أيضاً أن ألمانيا تتجه إلى جعل التلقيح إلزامياً للعاملين داخل دور المسنين الذين ينقلون العدوى إلى المسنّين... الذين غالباً ما تكون إصابتهم خطرة وفتاكة. وخلال الأسابيع الماضية لوحظت عودة الإصابات والوفيات إلى الارتفاع داخل دور المسنّين بسبب بطء عملية إعطائهم الجرعات المعزّزة، وانخفاض المضادات الحيوية لديهم لأن معظمهم تلقوا الجرعتين الأولى والثانية مطلع العام.
من ناحية أخرى، في ألمانيا مثل النمسا، يرفض حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف الإجراءات الوقائية المتخذة والمخطط لها ضد «كوفيد - 19»، ويعارض نوابه التلقيح وهم أنفسهم لم يتلقوه. وهؤلاء باتوا حتى يرفضون إجراء الفحوص الدورية التي تكشف عن الفيروس قبل دخول مبنى مجلس النواب (البوندستاغ) أو حتى وضع الكمامات داخل المبنى؛ ما دفع إلى عزلهم إلى شرفة البرلمان، ومن ثم منع نواب هذه الكتلة المتطرفة بالجلوس في القاعة الرئيسة.
- ما هي توجّهات حكومة شولتز المقبلة؟
> حتى الآن، تبدو مواجهة تفشي الجائحة من أولويات الحكومة الألمانية المقبلة التي قد تتسلم مهامها خلال أسبوعين بعدما أعلنت الأحزاب الثلاث (الحزب الديمقراطي الاجتماعي «الاشتراكي» وحزب «الخضر» والحزب الديمقراطي الحر) عن التوصل إلى اتفاق بعد قرابة شهرين من المفاوضات. ولقد كشف الزعيم الاشتراكي أولاف شولتز – الذي هو حالياً نائب المستشارة ميركل - أثناء إعلانه عن الاتفاق على تشكيل الحكومة، عن تخصيص غرفة عمليات دائمة متخصصة لمواجهة «كوفيد - 19» مقرها مبنى المستشارية. ولكن، ثمة من يقول، إنه على الرغم من أن ميركل حاولت تدفع البلاد نحو إغلاق جديد بهدف السيطرة على تفشي الجائحة، فإن الحكومة الجديدة تبدو رافضة للفكرة... وإن كانت قد أعلنت عن اتخاذ خطوات إضافية لمحاولة احتواء الموجة الرابعة.
ووسط كل هذا الجدل، عادت المستشفيات في دول كثيرة إلى العمل بنظام الطوارئ، أي إلغاء العمليات غير الضرورية وتأجيل استقبال المرضى ذوي الحالات غير الطارئة.
- الحالة الهولندية... قد تكون مقدمة!
> مع عودة إجراءات الإغلاق، عادت معها أعمال الشغب المصاحبة لها. ففي هولندا والنمسا وبلجيكا وغيرها، خرجت مظاهرات غاضبة لآلاف المعارضين للقيود الجديدة. وفي مدينة دوتردام، مثلاً، بقيت أعمال الشغب تندلع لثلاثة أيام متتالية. وراح الشبان المشاركون في المظاهرات يشعلون المفرقعات والألعاب النارية ويرمون رجال الشرطة بها. وجاء هذا رداً على قرار الحكومة إلغاء السماح بإشعال الألعاب النارية ليلة رأس السنة لتفادي إصابات تستدعي دخول الطوارئ التي تفوق طاقتها الاستيعابية بسبب مرضى الجائحة. ووصف رئيس الحكومة الهولندية مارك روته مثيري أحداث الشغب بأنهم «أغبياء»، وأضاف أنه «لن يسمح أبداً بأن يستخدم أغبياء العنف فقط لأنهم ليسوا سعداء» بالإجراءات.
غير أن مراقبين يحذرون من أن أعمال الشغب هذه قد تتفاقم في حال توسع النقاش أكثر حول إلزامية اللقاح وارتفع عدد الدول التي تعتمده. وقال رئيس المركز الأوروبي لتفادي الأمراض المعدية أندريا أمون «إن إلزامية التلقيح قد تثير المزيد من المقاومة من معارضي التلقيح». وبالفعل، في مدن مثل برلين، التي تشهد أصلاً مظاهرات شبه أسبوعية معترضة على وضع الكمامات والقيود المتبقية، فإن «سيناريو» من هذا النوع محتمل جداً، خاصة بعد تطمينات السياسيين لأشهر بأن التلقيح لن يفرض فرضاً ولن يكون إلزامياً.
وفي المقابل، بينما تواصل أعداد الإصابات والوفيات ارتفاعها، بدأت دول أوروبية تحذر من موجة خامسة... قبل أن تنتهي بعد من الموجة الرابعة. وجاءت تصريحات مسؤولة في منظمة الصحة العالمية حول ضرورة مناقشة إلزامية اللقاح في أوروبا بشكل جدي، لتزيد من الضغوط على الدول الأوروبية للتحرك في هذا الاتجاه. ونقلت قناة «سكاي نيوز» عن روب باتلر، مسؤول المكتب الإقليمي في أوروبا في منظمة الصحة العالمية، إنه من المفيد أن مناقشة إلزامية اللقاح على ضوء تزايد الحالات. إلا أنه أضاف بأن جعله إلزامياً «يمكن ولكن ليس دائماً، أن يزيد عدد الملقحين». وبعكس موقفه، حذر أنطوني كاستيلو، وهو مدير سابق في منظمة الصحة العالمية، من اعتماد إلزامية اللقاح بحجة أن قرارا كهذا «من شأنه أن يصدم الكثير من الناس الذين لا يثقون بالحكومات ولا باللقاحات، وقد يؤدي إلى أعمال شغب أكبر» من التي حصلت حتى الآن.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.