مأساة بحر المانش تؤجج العلاقات الفرنسية ــ البريطانية

باريس تدعو لتعزيز التعاون الأوروبي لوقف الهجرات

مهاجرون لدى وصولهم أمس إلى ميناء دوفر البريطاني بعد إنقاذهم في عرض المانش (إ.ب.أ)
مهاجرون لدى وصولهم أمس إلى ميناء دوفر البريطاني بعد إنقاذهم في عرض المانش (إ.ب.أ)
TT

مأساة بحر المانش تؤجج العلاقات الفرنسية ــ البريطانية

مهاجرون لدى وصولهم أمس إلى ميناء دوفر البريطاني بعد إنقاذهم في عرض المانش (إ.ب.أ)
مهاجرون لدى وصولهم أمس إلى ميناء دوفر البريطاني بعد إنقاذهم في عرض المانش (إ.ب.أ)

الأرقام تتحدث عن نفسها، تقول باريس إن ما لا يقل عن 31500 لاجئ تركوا الشواطئ الفرنسية المطلة على بحر المانش الفاصل بينها وبين الشواطئ البريطانية، الذي لا يزيد عرضه بين كاليه الفرنسية ودوفر البريطانية على 36 كلم. وتؤكد باريس أن الشرطة البحرية نجحت في إنقاذ 7800 لاجئ في عمليات تعبئ عناصر أمنية وإمكانات لوجستية واسعة من طائرات للرقابة الجوية وزوارق ورادارات للرصد ودوريات راكبة وراجلة على الشواطئ الفرنسية. ويضيف الجانب الفرنسي أن طول الشاطئ المعني وكثرة الكثبان الرملية التي تساعد اللاجئين والمهاجرين على التخفي نهاراً والتسلل ليلاً إلى الزوارق المطاطية التي يوفرها المهربون تعقد مهمات الأمن الفرنسي الذي يجد أن المطلوب منه هو حماية الحدود البريطانية بموجب اتفاقية «لو توكيه».
ويقول الجانب البريطاني إن ما لا يقل عن 22 ألف مهاجر ولاجئ نجحوا، منذ بداية العام الجاري، في الوصول إلى الشواطئ البريطانية وهي أرقام لم تعرفها لندن سابقاً. وإذا كان أحد أسباب «البريكست» هو تمكين السلطات البريطانية من السيطرة على شواطئها، فإن الحاصل راهناً يبين العكس تماماً. من هنا، فإن لندن وكما كرر ذلك رئيس الوزراء بوريس جونسون، ليل الأربعاء ــ الخميس، بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس إيمانويل ماكرون، تتهم فرنسا بأنها «لا تقوم بما يكفي» من أجل لجم تيار الهجرات المائية المتزايدة، رغم الدعم المالي الذي توفره لندن والبالغ 62 مليون يورو سنوياً.
وأضاف جونسون: «ما نقترحه هو زيادة الدعم لفرنسا ولكن أيضاً العمل مع شركائنا على الشواطئ المعنية» أي الفرنسية. وبكلام أوضح، فإن المسؤول البريطاني يقترح انضمام عناصر من الشرطة البريطانية إلى جانب زملائهم الفرنسيين للقيام بالدوريات ومنع انطلاق الزوارق باتجاه الشواطئ البريطانية. بيد أن باريس رفضت حتى اليوم اقتراحاً من هذا النوع باسم السيادة الفرنسية.
حقيقة الأمر أن الخلاف الفرنسي ــ البريطاني قديم ويعود لعقود. لكن ما يزيد من حدته حالياً أمران: تفاقم الهجرات وسقوط الضحايا الأخيرة التي بلغت، أول من أمس، 27 مهاجراً غرقوا في مياه المانش الباردة مقابل مدينة كاليه الفرنسية من جهة، ومن جهة أخرى، تراكم الخلافات الفرنسية ــ البريطانية وآخر عناوينها الخلاف حول الصيد البحري وتهديد الطرفين بإجراءات ردعية متبادلة. ولم يستذق الرئيس ماكرون اتهامات التقصير التي وجهها جونسون لبلاده عقب اتصال هاتفي مطول بين المسؤولين في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء ــ الخميس. جاء رد ماكرون على شاكلة بيان صادر عن قصر الإليزيه، أمس، وفيه دعوة البريطانيين إلى «التعاون التام والامتناع عن استغلال وضع مأساوي لأغراض سياسية».
ولكن إلى جانب ترامي مسؤولية المآسي المتكررة في الفاصل البحري بين البلدين، دعا ماكرون إلى العمل معاً، لأن للطرفين «مسؤولية مشتركة» من بينها التصدي لعصابات التهريب التي تستغل أحلام اللاجئين بالوصول إلى الشواطئ البريطانية. بالمقابل، قال متحدث باسم «داونينغ ستريت» إن جونسون وماكرون اتفقا خلال مكالمة هاتفية على الضرورة «الملحة لتعزيز جهودهما المشتركة لمنع عمليات العبور هذه، وفعل كل ما بوسعهما لتوقيف العصابات التي تعرض أرواح أناس للخطر ووضع جميع الخيارات على الطاولة».
وشدد الرئيس الفرنسي على «ضرورة العمل المتحلي بالكرامة والاحترام والتعاون الفاعل لأن الضحايا أرواح إنسانية». ويؤكد الجانب البريطاني أن لندن مستعدة لتقديم دعم ميداني ومصادر مالية إضافية ومساعدة السلطات الفرنسية... بيد أن الرأي الغالب في فرنسا أن جميع هذه الإجراءات لن تكون نافعة طالما لا تزال بريطانيا تشكل قطب جذب للمهاجرين واللاجئين. وتجدر الإشارة إلى أن بريطانيا بصدد البحث في قانون أكثر تشدداً في ملف التعامل مع اللاجئين والواصلين إلى بريطانيا بشكل غير شرعي.
تفيد المعلومات الأولية بأن الغالبية العظمى من ضحايا الغرق الذي لم ينج منه سوى شخصين «عراقي وصومالي» يعالجان في أحد مستشفيات مدينة كاليه، هم من أكراد العراق وإيران وأن زورقهم المطاطي انطلق قريباً من مدينة دنكرك الواقعة شمال كاليه. والضحايا 17 رجلاً و7 نساء وثلاثة شبان. ووضعت الشرطة البحرية اليد على الزورق لفحصه فيما أعلنت النيابة العامة في مدينة ليل فتح تحقيق قضائي لجلاء ملابسات الحادث. وبالتوازي، أعلن وزير الداخلية جيرالد درامانان القبض على خمسة أشخاص يومي الأربعاء والخميس، يظن أنهم من المهربين المسؤولين عن هذه الكارثة، مضيفا أن أحدهم اشترى زوارق مطاطية من ألمانيا وكان يتنقل بسيارة تحمل لوحة ألمانية. وبحسب دارمانان، فإن المهربين يعملون على شكل مافيا وهم منظمون بشكل جيد، مضيفاً أن فرنسا ألقت القبض على 1500 منهم منذ بداية العام الجاري. ويؤكد المسؤول الفرنسي أن عصابات المهربين تنشط في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا، وأنهم يلجأون إلى هواتف مشفرة لمنع ملاحقتهم.
وأمس، تنشطت حركة الحكومة الفرنسية، إذ جمع رئيس الحكومة جان كاستيكس الوزراء والمسؤولين المعنيين بالأزمة، فيما جرى اتصال هاتفي بين وزيري داخلية البلدين للبحث في الإجراءات والتدابير اللازمة لمنع تكرار ما حصل.
ترجمة لما صدر عن ماكرون وجونسون، أفاد وزير الدولة لشؤون الهجرة البريطاني كفين فوستر بأن لندن مستعدة لتوفير «وسائل إضافية» علاوة على المساعدة المالية التي تقدمها لفرنسا، منها توفير طوافة، فيما أعلن زميله طوم بيرسغلوف، وزير الدولة لشؤون المهاجرين، أن جونسون اقترح على ماكرون دوريات مشتركة على الشواطئ الفرنسية لمنع المهاجرين من الوصول إلى الزوارق. ولا تريد باريس أن تبقى هذه المسألة ثنائية «فرنسية ــ بريطانية»، بل تريد تحويلها إلى أوروبية، وتشدد على أن الشواطئ الفرنسي الأطلسية هي حدود خارجية للاتحاد الأوروبي. وأعلنت رئاسة الحكومة بعد الاجتماع الوزاري أنها دعت الوزراء المعنيين بشؤون الهجرات في كل من بلجيكا وألمانيا وهولندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى اجتماع يوم الأحد المقبل في مدينة كاليه، من أجل «تحديد الطرق والوسائل لتعزيز التعاون الأمني والقضائي والإنساني»، وأيضاً من أجل «محاربة شبكات التهريب».
وشددت مصادر رئاسة الحكومة على الحاجة لتوفير «رد فعال على المستوى الأوروبي»، ما يشكل استعادة لما دعا إليه ماكرون من زغرب، حيث شدد على الحاجة «لتعاون أوروبي أقوى» لمعالجة هذا الملف المتفجر. وقال ماكرون إن بلاده تحولت إلى «بلد ممر» باتجاه بريطانيا وإنه يتعين «تعزيز التعاون الأوروبي».


مقالات ذات صلة

مقتل 9 مهاجرين وفقدان 6 آخرين قبالة سواحل تونس

شمال افريقيا حرس جزر الكناري الإسبانية يقدم مساعدات لمهاجرين أفارقة انطلقوا من سواحل تونس بعد غرق مركبهم (إ.ب.أ)

مقتل 9 مهاجرين وفقدان 6 آخرين قبالة سواحل تونس

قضى تسعة مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وفُقد ستة آخرون بعد غرق قاربهم قبالة السواحل التونسية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
العالم العربي دول أوروبية تعلق البت في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين (أ.ف.ب)

دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد الإطاحة بالأسد

علقت دول أوروبية كثيرة التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد استيلاء المعارضة على دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شمال افريقيا عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

سلطات طرابلس تضبط 40 باكستانياً قبل تهريبهم إلى أوروبا

يقول «جهاز دعم الاستقرار» الليبي بطرابلس إنه «تم جلب هؤلاء المهاجرين عبر تشكيل عصابي دولي يتقاضى 20 ألف دولار أميركي من كل مهاجر مقابل إرساله إلى ليبيا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي قوات بحرية مصرية تحبط محاولة هجرة غير شرعية لمركب بالبحر المتوسط (المتحدث العسكري)

الجيش المصري يحبط محاولة هجرة غير شرعية عبر البحر المتوسط

أعلن الجيش المصري، الاثنين، تمكنه من إحباط محاولة هجرة غير شرعية لمركب على متنه 63 فرداً، بينهم 3 سودانيين، بالبحر المتوسط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من ترحيل السلطات الليبية عدداً من المهاجرين المصريين (جهاز مكافحة الهجرة)

الإعلان عن «تحرير» 9 مصريين من قبضة عصابة بشرق ليبيا

قالت سلطات أمنية بشرق ليبيا إنها نجحت في «تحرير» 9 مصريين من قبضة عصابة في عملية وصفتها بـ«المُحكمة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.