«التفاف» على العقوبات الأميركية يتيح للمدرجين عليها الترشح للانتخابات اللبنانية

الحسابات المصرفية للنواب المعاقبين مقفلة بالكامل

TT

«التفاف» على العقوبات الأميركية يتيح للمدرجين عليها الترشح للانتخابات اللبنانية

وجد المشرع اللبناني مخرجاً للنواب والأشخاص المدرجين على قوائم العقوبات الأميركية؛ أبرزهم النائب جبران باسيل، يتيح لهم الترشح للانتخابات النيابية المقبلة، رغم الإجراءات المصرفية التي فرضت إقفال جميع حساباتهم بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي في المصارف الخاصة في لبنان، وتشمل تلك الإجراءات رواتب النواب الستة المعاقبين بموجب قرارات وزارة الخزانة الأميركية.
ومع أن قانون الانتخابات يشترط في المادة «45» أن يقدم المرشح ضمن أوراق ترشحه، شهادة مصرفية تثبت فتح حساب الحملة الانتخابية المنصوص عليه في هذا القانون، تتضمن اسم مدقق الحسابات المعتمد من قبل المرشح، كما تشترط تقديم كتاب منظم لدى الكاتب العدل يعطي الهيئة المشرفة على الانتخابات الإذن بالاطلاع والكشف على الحسابات المصرفية المتعلقة بالحملة الانتخابية الخاصة بالمرشح، فإن الفقرة السادسة في المادة «60» تتيح له إيداع المبلغ المالي في صندوق خاص بوزارة المالية.
وطالت العقوبات الأميركية حتى الآن 6 نواب حاليين؛ هم: رئيس كتلة «حزب الله» النيابية النائب محمد رعد، وعضو الكتلة النائب أمين شري، والمقرب منها النائب جميل السيد، وعضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي حسن خليل، ورئيس كتلة «لبنان القوي» النائب جبران باسيل، والنائب أسعد حردان (المدرج على قوائم العقوبات منذ عام 2007). كما شملت العقوبات وزيرين سابقين، هما: يوسف فنيانوس، ووئام وهاب (المدرج في عام 2007).
وتنص المادة «60» من قانون الانتخابات الصادر في عام 2008 على أنه لا يجوز أن تتجاوز المساهمة المقدمة من قبل شخص لبناني طبيعي أو معنوي واحد لأجل تمويل الحملة الانتخابية لمرشح أو لائحة، مبلغ 50 في المائة من سقف الإنفاق الانتخابي المحدد في المادة «60» من هذا القانون، ويجب أن تكون دوما بموجب عملية مصرفية (حوالة – شيك - بطاقة ائتمانية).
لكن السلطات اللبنانية تجاوزت معضلة إغلاق حسابات المدرجين على قوائم العقوبات الأميركية في المصارف اللبنانية، عبر مخرج أوجدته في الدورة الانتخابية الماضية في عام 2018، تمثل في إيداع البدل المالي في صندوق عام جرى إنشاؤه في وزارة المالية اللبنانية، «مخصص للأشخاص الذين تمتنع المصارف اللبنانية عن التعامل معهم»، بحسب ما يقول رئيس منظمة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، لافتاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الترشح للانتخابات يتم على أساس إيداع المبلغ في هذا الصندوق.
ووجد هذا المخرج في الدورة الماضية من الانتخابات في عام 2018، حيث جرى تعديل على قانون الانتخابات بما يتيح للمدرجين على لوائح العقوبات والراغبين في الترشح، تقديم أوراق ترشحهم. ويشير الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين إلى أن الفقرة «6» من المادة «59» التي أضيفت إلى القانون الصادر في عام 2017 تفيد بأنه «عند تعذّر فتح حساب مصرفي وتحريكه لأي مرشح أو لائحة لأسباب خارجة عن إرادة أي منهما، تودع الأموال المخصصة للحملة الانتخابية للمرشح أو اللائحة في صندوق عام يُنشأ لدى وزارة المالية ويحل مكان الحساب المصرفي في كل مندرجاته». وقال إن هذا المخرج لا يقتصر على النواب المعاقبين بموجب عقوبات وزارة الخزانة الأميركية فحسب؛ بل يستفيد منه جميع المدرجين على قوائم العقوبات؛ بمن فيهم مسؤولو وقيادات «حزب الله». وغالباً ما تحاذر المصارف افتتاح حسابات مصرفية لمسؤولين أو نواب في «حزب الله»، بحسب ما تقول مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط»، وهو ما يدفع بالمرشحين على قوائم الحزب إلى إيداع المبلغ المالي في حساب وزارة المالية.
وإثر صدور قوائم العقوبات خلال العقد الماضي، بدأت المصارف اللبنانية الخاصة تتحوّط حيال افتتاح حسابات مصرفية لأشخاص مدرجين على قوائم العقوبات. ويقول مرقص إن المصارف «تقفل جميع حسابات المعاقبين؛ سواء أكانت بالدولار الأميركي أم حتى أحياناً كثيرة بالليرة اللبنانية».
من غير أن تطال إجراءات الإقفال بالضرورة الأقرباء من الدرجة الأولى الذين «تخضع حساباتهم للعناية الواجبة المعززة»، موضحاً أن التدقيق المشدد في حسابات أفراد العائلة المباشرين (الزوجة والأولاد على سبيل المثال لا الحصر) «يركز على مصدر الأموال حتى لا يكون مصدرها والمستفيد الفعلي منها أشخاصاً مدرجين على قوائم العقوبات؛ فتقفل حينها حتماً». ويشير مرقص إلى أنه أحياناً تبقى حسابات الأقرباء بالليرة اللبنانية «كون المصارف تحاذر فتح الحسابات بالدولار وتفضل عدم التعامل معهم».
وتتنوع آليات صرف رواتب النواب المدرجين على قوائم العقوبات في ظل إقفال حساباتهم المصرفية، وتصفية تلك الحسابات لإخراج المعاقبين كلياً من النظام المصرفي اللبناني، وسط ترجيحات مصرفية بأن تكون الرواتب تُصرف نقداً للأشخاص المعاقبين.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».