أطفال قضت الحرب السورية على أحلامهم ورمت بهم في سوق العمل

طفلان يعملان في ورشة للحديد بمدينة الباب شمال سوريا (أ.ف.ب)
طفلان يعملان في ورشة للحديد بمدينة الباب شمال سوريا (أ.ف.ب)
TT

أطفال قضت الحرب السورية على أحلامهم ورمت بهم في سوق العمل

طفلان يعملان في ورشة للحديد بمدينة الباب شمال سوريا (أ.ف.ب)
طفلان يعملان في ورشة للحديد بمدينة الباب شمال سوريا (أ.ف.ب)

على الرغم من أنه لم يتجاوز 15 عاماً، يجهد محمد 12 ساعة متواصلة في مصنع للحديد في شمال سوريا مقابل راتب ضئيل يعيل به شقيقيه وشقيقته، فهمه الوحيد أن يراهم يوماً ما أطباء أو معلمين، وألا يجبروا مثله على ترك دراستهم، حسب ما جاء في تحقيق لوكالة الصحافة الفرنسية من مدينة الباب بريف حلب الشمالي.
فقد محمد مخزوم، المنحدر من معرة النعمان في جنوب إدلب، والده في قصف في عام 2014، ثم قُتلت والدته قبل عامين خلال تصعيد عسكري، فلم يكن منه سوى أن هرب بإخوته الثلاثة بعيداً عن المعارك، واستقرّ معهم في مدينة الباب التي تسيطر عليها الفصائل الموالية لأنقرة في شمال البلاد.
محمد الذي ترك الدراسة عندما كان في التاسعة من العمر ليساعد والدته، قبل أن يفقدها أيضاً، يقول: «أصبحت الأب والأم لأخوتي»، ويضيف: «الأمور صعبة صحيح، لكن هذه حال الدنيا؛ أعمل من أجل أن يكمل إخوتي دراستهم، فلا ذنب لهم، ولا يجب أن يحرموا مثلي من دراستهم».
عند الساعة السادسة صباحاً من كل يوم، يغادر محمد منزلاً متواضعاً يقطنه مع إخوته يوسف (13 عاماً) ومصطفى (12 عاماً) وإسراء (6 سنوات)، متوجهاً إلى معمل الحديد، حيث يأتيه أحد زملائه الأطفال أيضاً بألواح معدنية ليبدأ بصهرها في موقد ناري إلى أن ينتهي دوام عمله عند السادسة عصراً، ويكون الدخان الأسود قد ترك أثره عليه من رأسه حتى أخمص قدميه.
ولا ينتهي النهار عند هذا الحد، بل يُسارع محمد إلى المنزل المؤلف من غرفتين ومطبخ مع آثار شظايا معارك في جدرانه، ليحضّر الطعام لإخوته، ويتأكد من إتمامهم لفروضهم المدرسية.
في إحدى زوايا المنزل، يتعاون الأشقاء على رص وتخليل مرطبان من الزيتون الأخضر، قبل أن ينتقلوا إلى غرفة ليس فيها سوى مرتبتين، حيث يطلع محمد على واجباتهم المدرسية.
مقابل 50 ليرة تركية في الأسبوع (نحو 5 دولارات)، يجهد محمد لشراء الطعام واللباس والأقلام والدفاتر لإخوته، ويقول: «أتعب من أجلهم؛ أحب أن أراهم مرتاحين، أن يصبحوا أطباء أو أساتذة، أن يعملوا (في المستقبل) من دون أن يتعذبوا مثلي».
وقلب النزاع المستمر في سوريا منذ عام 2011 حياة الأطفال رأساً على عقب، وبات 60 في المائة منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من نصفهم يفتقرون للتعليم، بحسب الأمم المتحدة التي أحيت السبت يوم الطفل العالمي.
وتفاقمت عمالة الأطفال إلى حد كبير، بعدما اضطر كثر إلى التخلي عن الدراسة لمساعدة عائلاتهم على تأمين لقمة العيش.
وتوضح وكالة الصحافة الفرنسية أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة تقدر أن 2.5 مليون طفل في سوريا لا يتلقون التعليم حالياً، و1.6 مليون آخرين مهددون أيضاً بالمصير ذاته.
وإن كانت البيانات الدقيقة حول عمالة الأطفال غير متوفرة، فإن مسؤولة المناصرة الإقليمية في منظمة الأمم المتحدة للطفولة، جولييت توما، تقول للوكالة الفرنسية: «من الواضح أن 10 سنوات من الحرب والأزمة الاقتصادية، وأيضاً وباء (كوفيد - 19)، زادت من عمالة الأطفال في سوريا».
وتضيف أن «9 من أصل 10 أطفال في سوريا يعيشون في الفقر... وحين يعمل الأطفال في سوريا، فإنهم معرضون لظروف مروعة... مروعة للغاية».
ويبلغ عامر الشيبان 12 عاماً، لكنه لم يتعلم يوماً القراءة أو الكتابة، إذ بدأ منذ أن كان في الثامنة من العمر بالعمل في حراقة بدائية في مدينة الباب يستنشق فيها كل يوم الدخان السام.
ويقول عامر: «أحصل على 20 ألف ليرة (5 دولارات شهرياً) بالكاد تكفيني أنا وأهلي، ولدينا دين... مجبرون على العمل؛ الأمر ليس بيدنا... وأنا الكبير في العائلة».
وقتل أشقاء عامر الأكبر منه سناً في قصف لقوات النظام السوري على مدينة السفيرة في شرق حلب التي نزح منها مع عائلته قبل 8 سنوات. ويضيف: «أعمل صيفاً وشتاءً في الحراقات ليعيش أهلي... صدري يؤلمني دائماً من الغاز والدخان».
ويغلق عامر سترته السوداء بإحكام، ويضع على رأسه طاقية حمراء تقيه البرد، وينهمك بداية بجمع قطع الفحم في كيس، قبل أن يحمله على ظهره وينقله إلى جهاز لطحن الفحم الذي سيستخدم لإشعال النار تحت خزانات الوقود.
ومع انتهاء دوام العمل، يغسل يديه السوداوين، ويضعهما في جيبه، ويسير في طريق ترابية متوجهاً إلى مخيم قرب مدينة الباب، يقطن فيه مع والد مريض ووالدته و5 إخوة وأخوات أصغر منه سناً.
ويقول الطفل ذو الشعر الناعم الكستنائي: «أحلم أن أحمل قلماً ودفتراً، وأذهب إلى المدرسة، أفضل من الحراقات والمازوت وهذه الرائحة».
وبعكس عامر، لا يفكر نديم الناقو (12 عاماً) بالعودة إلى مدرسة تركها قبل عامين ليساعد والده في ورشة تلحيم في سوق مدينة الباب القديم.
يرتدي كمامة طبية، وبدقة متناهية، يلحم بالنار المعادن لصناعة القدور وركاء القهوة.
يحمل ركوة ليتأكد من أنها باتت جاهزة للبيع، ثم يدقق في إبريق شاي ويضع عليه اللمسات الأخيرة قبل عرضه.
ويقول نديم، الابن البكر في عائلة مؤلفة من 4 أطفال: «أحصل على 60 ليرة (تركية) في اليوم... استخدمها من أجل مصروف المنزل». ويضيف: «أحلامنا دمرتها الحرب... لا تهمني اليوم دراسة أو سواها؛ كل ما يهمني هو هذه المصلحة فقط».



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.