كاتيلان... أعمال تثير الشك في وعينا المعاصر

معرض الفنان الإيطالي المثير للجدل

أحد أعمال المعرض
أحد أعمال المعرض
TT

كاتيلان... أعمال تثير الشك في وعينا المعاصر

أحد أعمال المعرض
أحد أعمال المعرض

في متحف الفنون «Hangar Bicocc» في مدينة ميلانو، افتتح هذه الأيام معرض فخم للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان، ويستمر المعرض حتى 20 فبراير (شباط) من العام المقبل. ويعد هذا الفنان أحد أشهر الفنانين الإيطاليين المثيرين للجدل في العالم. من خلال ممارسته الفنية وعلى مدار مسيرته الفنية التي استمرت ثلاثين عاماً، قام بأفعال غالباً ما تعد استفزازية وغير موقرة. تؤكد أعماله على مفارقات المجتمع وتفكر في السيناريوهات السياسية والثقافية بعمق وبصيرة، من خلال استخدام الصور الأيقونية واللغة المرئية الحادة. وغالباً ما تثير أعماله نقاشاً ساخناً يعزز الشعور بالمشاركة الجماعية.
من خلال الجمع بين الأعمال الجديدة، وإعادة تشكيل العمل التاريخي، يتطور المعرض الحالي في سلسلة من الأعمال المتميزة التي تتناول موضوعات ومفاهيم وجودية مثل هشاشة الحياة والذاكرة والشعور بخسارة الفرد والمجتمع.
تنتمي أعمال كاتيلان إلى جماعة «بوب آرت» (اختصار لكلمة: Popuar شعبي)، واستخدمت في إنجلترا، ما بين 1954 و1957، لتعريف أعمال جماعة المستقلين من الفنانين الشباب الذين وقفوا ضد الفن اللاشكلي، وعبروا عن رغبتهم في العودة إلى مظاهر الحياة الحديثة ووسائل الثقافة الشعبية، وقد ولدت هذه الحركة بشكل متزامن، في أميركا. بيد أن هذه الظاهرة الفنية التي ارتبطت بنمط الحياة الأميركية الحديثة لم تصل أوروبا إذا استثنينا إنجلترا إلا في فترة متأخرة من الخمسينات. ولعل ما يميز «البوب»، هو استعماله لما هو محتقر مع الإصرار على الوسائل الأكثر تداولاً، الأقل جمالية، والأكثر زعقاً. وهذا ما ميز معظم أعمال كاتيلان مثال تمثال لليد ذات الأصابع المقصوصة ما عدا الأصبع الأوسط في ساحة بورصة الأعمال بمدينة بادوفا، المياه الذهبية المسروقة، وعاء المرحاض الذهبي المسروق، الموز الملتصق بالجدار. لقد تمكنت أعماله دائماً من أن تدهش، وتثير الإعجاب ولكن أيضاً تثير السخط. فهي مزيج متوازن من النحت والأداء الذي يسخر فيه من عالم الفن وآلياته، مثل التسلسل الهرمي الاجتماعي والمصالح الاقتصادية.
وعرض الفنان في معظم متاحف الفن المعاصر في العالم، وشغل العديد من المناصب مثل أمين معرض، وصاحب معرض، وفنان وصحافي. وقد ولد في بادوفا عام 1961 لعائلة غير مرتبطة بعالم الفن. وكان ماوريتسيو كاتيلان، منذ طفولته شغوفاً بتكنولوجيا الراديو، حيث كان يمضي ساعات وساعات في تفكيك الأشياء القديمة، مثل أجهزة التلفزيون والراديو. وبهذه الطريقة بدأ يطور مهاراته في تقطيع وتجميع أنواع مختلفة من المواد، ومن ثم قرر الالتحاق بمعهد تقني صناعي.
رغم أن حياته المهنية دفعته إلى تجربة وظائف مختلفة، كنادل وبستاني، إلا أن شغفه في إنشاء التراكيب لم يفشل أبداً، لدرجة أنه أرسل صوراً لإبداعاته إلى المعارض الفنية في العديد من البلدان حول العالم. وكان أول من وافق على أحد مقترحاته غاليري نيون في مدينة بولونيا في الشمال الإيطالي، ومنذ تلك اللحظة تغيرت حياته.
ابتكر كاتيلان العديد من الأعمال التي صنعت تاريخ الفن المعاصر، وتركت بصماتها، وأبرزها حصان كاتيلان، وفي الواقع عنوان هذا العمل هو «التسعمائة»، تكريماً للفيلم الشهير للمخرج الإيطالي الراحل برناردو بيرتولوتشي، الذي تم إنتاجه في عام 1997. ولكن ما هو هذا العمل؟ إنه يتكون من حصان محشو تم تعليقه من السقف من خلال حزام: عنق هذا الحيوان ينقل إحساساً بالإحباط وعدم الأمان.
وفي عام 1999، عرض تمثال يمثل البابا يوحنا بولس الثاني أسقطه نيزك. وصنع هذا العمل من مجموعة واسعة من المواد، وكانت له رسالة واضحة: إنه رمز لكنيسة تعيش الآن أزمة عميقة، بسبب العديد من الفضائح المالية والجنسية التي ظهرت على وجه التحديد في تلك السنوات.
وأحد الأعمال الأخيرة له «موز كاتيلان» الذي تم إنشاؤه في عام 2019، ويصور فيه موزة تم لصقها بقطعة من الشريط الرمادي على جدار معرض في إحدى غاليري ميامي في الولايات المتحدة. وقد خطرت فكرة هذا العمل إلى ذهن الفنان قبل عام من التنفيذ. في ذلك الوقت، كان كاتيلان يفكر في منحوتة على شكل موزة. وكلما سافر، أخذ معه موزة ليعلقها في غرفته بالفندق الذي يحل فيه، وصنع عدة نماذج: أولاً من الراتنج، ثم البرونز الملون، ثم عاد إلى الفكرة الأولية لموزة حقيقية. كان الهدف من هذا العمل يتمثل في إدراك القيمة التي نميل إلى منحها للأشياء. لكن هذا العمل نفسه استلهمه فنان أميركي معاصر آخر، هو ديفيد داتونا. أمام حشد من الناس، قام هذا الفنان بفصل الموزة وأكلها، وعلق بأنه وجد هذا التركيب لكاتيلان لذيذاً حقاً.
يبدو أن أعمال ماوريتسيو كاتيلان تفرض نفسها بالقوة في عالم الواقع، وتتصرف كعناصر تزعج النظام القائم. كما ذكر الفنان، فإن إجراءاته تقوم على فكرة «الإعارة»: يتم إعادة صياغة الصور والمواقف التي تنتمي إلى المجتمع، لتصبح انعكاسات ذات طبيعة وجودية أو تعليقات على الديناميكيات الاجتماعية والثقافية. مثل الواقع، فإن كل عمل من أعماله مفتوح دائماً للعديد من التفسيرات، وأحياناً حتى ذات طبيعة متناقضة: بدلاً من تقديم اليقين، تثير أعماله الشك في الوعي المعاصر.
غالباً ما يكون عنصر المحاكاة الساخرة موجوداً في أعمال الفنان. عام 1994، أخذ كاتيلان ملصقاً لنوع من الأجبان، وقام بتكبيره واستخدامه لتشكيل سجادة دائرية. وفي عام 1997، اقتبس مشهداً من فيلم «الجحيم الآن» للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، وهو المشهد الذي يهاجم فيه الأميركيون قرية فيتنامية ويدمرونها للوصول إلى الشاطئ. ويتخذ العمل شكل عارضة أزياء مع ملامح طفل يجلس على مكتب مدرسته، وهو في حالة من الجمود القسري، مثقوب بأقلام الرصاص، ويداه مسمرتان على المنضدة.
يحوي المعرض تمثالاً باسم «هو» أنجزه عام 2000، ويصور فيه هتلر راكعاً، وبيع في عام 2016 من قبل كريستيز بمبلغ 13.330.400 يورو.
وعمل آخر يشارك بالعرض يرجع تاريخه أيضاً إلى عام 2021، وفيه يعود الفنان للتفكير في الأحداث التاريخية المهمة والأبعاد الكبيرة من خلال تقديم تمثال ضخم من الراتنج الأسود يصور طائرة عالقة في خط متواز طويل من الطراز نفسه، كما لو كانت محاصرة به إلى الأبد، وهو يشير هنا إلى أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، التي تصادف الذكرى العشرين هذا العام.



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.