تصاعد هجرة اللبنانيين غير الشرعية باتجاه أوروبا... والمهرّبون يتخفون

والد طفل ناجٍ من {قوارب الموت}: سأفعل المستحيل لآتي به إلى السويد

القوات البحرية اللبنانية (أرشيفية)
القوات البحرية اللبنانية (أرشيفية)
TT

تصاعد هجرة اللبنانيين غير الشرعية باتجاه أوروبا... والمهرّبون يتخفون

القوات البحرية اللبنانية (أرشيفية)
القوات البحرية اللبنانية (أرشيفية)

ليلة رعب حقيقية عاشها الطفل غسان، البالغ من العمر 12 سنة، على «قارب الموت» الذي كان يقله، دون أي رفقة من عائلته، من شاطئ القلمون في شمال لبنان باتجاه إيطاليا، وعلى متنه أكثر من 50 شخصاً لبنانياً وسورياً. وتمكن الجيش اللبناني من إعادة القارب منتصف ليل الجمعة - السبت، إثر تعرضه لعطل بعد ساعات قليلة من إبحاره، وأُدخل مرفأ طرابلس صباح أمس، فيما أحيل كل من على متنه للتحقيق، بمن فيهم الطفل غسان.
وتتصاعد محاولات الهجرة غير الشرعية، على الرغم من دخول فصل الشتاء الذي عادة ما لا يشجع على المغامرة. وقال مصدر متابع لمحاولات الهجرة غير الشرعية من شمال لبنان لـ«الشرق الأوسط» إن هناك محاولات شبه يومية للهروب عبر البحر من شمال لبنان باتجاه أوروبا تتم عبر مراكب بحرية صغيرة.
وتحدثت وسائل إعلام محلية، أمس، عن مركب كان عالقاً في البحر على بعد نحو 23 ميلاً من الساحل اللبناني، وكان يحمل على متنه عدداً من اللبنانيين الذين حاولوا المغادرة بطريقة غير شرعية، وعثر عليه الجيش اللبناني وأعاده إلى الشاطئ. وكان الطفل غسان على متن القارب.
وتمكنت «الشرق الأوسط» من الاتصال بوالد الطفل غسان، الموجود حالياً في السويد التي وصلها قبل سنتين بعد 7 محاولات تكلل آخرها بالنجاح. ويروي أحمد ميقاتي أنه هو من سعى لتهريب ابنه غسان، المحروم من رؤيته، وأن والدة الطفل الموجودة معه في لبنان وافقت على ذلك، بل تمنته. ويقول ميقاتي: «بعتُ سيارة لي في لبنان، ودفعت للمهربين 3 آلاف دولار كي يلتحق ابني بي، ويحيا حياة كريمة».
واستغل الأب هجرة الجيران على متن هذا المركب، ليكونوا بمعية الطفل. لكن وبحسب ما يروي: «فإن زورقين للجيش اللبناني لاحقا القارب، مما اضطره للإسراع للهرب منهما، وهو ما قد يكون تسبب بالعطل». وبحسب أحمد ميقاتي، فإنه أبلغ بأن «المياه كانت قد بدأت تغرق المركب، وتعرضت حياة ركابه لخطر حقيقي».
ويضيف أن آخر ما عرفه عن ابنه هو أنه غادر الشواطئ اللبنانية، ثم بلغه أن المركب في خطر، وبدأ الركاب بإصدار إشارات استغاثة، وبقي هو يحاول التواصل مع أي سلطة في لبنان يمكنها تقديم الإنقاذ، لكنه لم يفلح.
ويؤكد الوالد أن «طفلاً بعمر الشهرين كان بين الركاب». أما المهربون الذين تعامل معهم، فيصفهم بالمتخفين، ويوضح: «مكاتب السفر التي تتعاطى بهذا الأمر كثيرة، وهي تعرف المهربين، وتوصل الراغبين بالهجرة بهم. وهؤلاء يستخدمون أسماء وهمية، لذلك من الصعب معرفة هوياتهم».
ويقول مصدر واكب إنقاذ المركب إن «القارب هو في الأساس للصيد، ومن شبه المستحيل أن يصل إلى إيطاليا. من يبيع الناس الأوهام هم قتلة ومجرمون لأنهم يعرفون سلفاً أنهم يدفعون بالركاب إلى موت محقق، مقابل أن يستفيدوا بآلاف الدولارات».
ويعلق أحمد ميقاتي: «من جانبي، كنت وُعدت بمركب يصل بابني إلى شاطئ الأمان، ولم تكن لدي أي فكرة عن أن القارب بهذا الحجم الصغير». وجدد ميقاتي تأكيده بأنه سيحاول مرة ثانية، وثالثة وعاشرة، إلى أن يتمكن من ضم ابنه إليه حيث هو، ولن يتردد «لأنه في لبنان، بلا مدرسة، ولا أمل بأي مستقبل»، فيما هو بصفته لاجئاً غير قادر على مد يد المساعدة لعائلته في لبنان وأبويه اللذين لم يدفعا إيجار منزلهما منذ سنة.
وقال مصدر مطلع في مرفأ طرابلس إن «إعادة قوارب الهاربين إلى المرفأ باتت مسألة متكررة»، لافتاً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المحاولات اليوم تتزايد بسبب الوضع الاقتصادي، وتستهدف إيطاليا، على الرغم من أنها جهة بعيدة، لأن السلطات القبرصية صارت تعيد بشكل أوتوماتيكي كل الذين يصلونها من لبنان على مراكب تابعة لها، ولا تستقبل أحداً، أما اليونان فهي وجهة صعبة».
وقال أحد الصيادين (رفض ذكر اسمه) لـ«الشرق الأوسط» إن كل نقطة على الساحل قد تكون مكاناً للانطلاق، بوجود المركب والركاب، لافتاً إلى أن صديقاً له متمرساً في العمل في البحر «تمكن من بلوغ إيطاليا بقارب صغير قبل فترة»، لافتاً إلى أن «هذه المحاولات تصيب أو تخيب، لكنها مستمرة».
وبين من يسافرون جواً إلى تركيا، ومن هناك يحاولون الإبحار إلى أوروبا، أو ينطلقون من الساحل اللبناني، جميعهم يبيعون كل ما لديهم ليتمكنوا من بلوغ «أرض الخلاص من أزمات لبنان». وبالنتيجة، ففي تركيا اليوم، عشرات اللبنانيين الموقوفين بتهمة الهجرة غير الشرعية، منهم من غرقت مراكبهم، وأنقذوا واحتجزوا. ونفذت عائلاتهم في لبنان احتجاجاً أمام منزل وزير الداخلية ليل أول من أمس للحث على إعادتهم.
وعشية الإعلان عن إعادة زوارق الجيش اللبناني لهذا المركب، كانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قد أعلنت، الجمعة، في بيان أصدرته شعبة العلاقات العامة، أن معلومات كانت قد توافرت لمفرزة استقصاء الشمال في وحدة الدرك الإقليمي عن قيام مجموعة من الأشخاص يوجدون في أحد المنتجعات السياحيّة في بلدة القلمون (جنوب طرابلس) بالاستعداد للسفر بطريقة غير شرعية عن طريق البحر.
وبنتيجة الاستقصاءات والتحريات التي قام بها عناصر المفرزة، تمت مداهمة المنتجع المذكور، بمؤازرة سرية من القوى السيارة ودورية من شعبة المعلومات ليل الخميس الماضي، حيث تبين وجود 82 شخصاً بين رجالٍ ونساءٍ وأطفال، كانوا ينوون التوجه إلى أوروبا عن طريق البحر بطريقة غير شرعية لقاء مبلغ نحو 5 آلاف دولار أميركي عن كل شخص.
ولفتت إلى توقيف أحد المتورطين بعملية التهريب، وهو لبناني من مواليد عام 1990. وأودع الموقوف فصيلة باب الرمل في وحدة الدرك الإقليمي لإجراء المقتضى القانوني بحقه. وأوضحت أن العمل مستمر لتوقيف المتورطين.


مقالات ذات صلة

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ تعيينات دونالد ترمب في إدارته الجديدة تثير قلق تركيا (رويترز)

ترمب يؤكد عزمه على استخدام الجيش لتطبيق خطة ترحيل جماعي للمهاجرين

أكد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية بشأن أمن الحدود واستخدام الجيش الأميركي لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار بالبشر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية أحد اليهود الأرثوذكس في القدس القديمة يوم 5 نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)

الهجرة إلى إسرائيل ترتفع في عام الحرب

أظهرت أرقام جديدة أن 11700 يهودي أميركي قدموا طلبات من أجل الهجرة إلى إسرائيل بعد بداية الحرب في قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر العام الماضي.

كفاح زبون (رام الله)

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.