«بيتو» أورورك... مرشح الديمقراطيين لإزاحة حاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت

ترمب حوّل الولاية إلى «حصن أحمر»... والتركيز على اللاتينيين لحسم المعركة

«بيتو» أورورك... مرشح الديمقراطيين لإزاحة حاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت
TT

«بيتو» أورورك... مرشح الديمقراطيين لإزاحة حاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت

«بيتو» أورورك... مرشح الديمقراطيين لإزاحة حاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت

دخول الديمقراطي «بيتو» أورورك السباق على منصب حاكم ولاية تكساس، ثاني أكبر ولاية أميركية من حيث المساحة وعدد السكان، في مواجهة حاكمها الحالي الجمهوري غريغ أبوت، أحد أكثر السياسيين المحافظين تشدداً، أطلق واحدة من أكثر السباقات الانتخابية التي يتوقع أن تستقطب الأنظار على شراسة المعارك السياسية التي يخوضها الحزبان.
تأتي المعركة في خريف 2022 خلال مرحلة التحولات العميقة والتغيرات الجارية داخل الولايات المتحدة وخارجها. غير أن ترشح أورورك، الذي يعوّل عليه الديمقراطيون لإعادة «قلب الصفحة»، والانتقام لخسارتهم منصب حاكم ولاية فيرجينيا، إحدى أبرز الولايات تأثيراً سياسياً على العاصمة السياسية «واشنطن»، ترافق مع تذكير مؤلم بمكانتهم في ولاية، تمكن الرئيس السابق دونالد ترمب من تحويلها إلى «حصن أحمر»... واللون الأحمر كما هو معروف لون الحزب الجمهوري.
حين أعلن النائب الديمقراطي ريان غيلين منذ 19 سنة عن منطقة ريو غراندي الحدودية مع المكسيك، انسحابه من الحزب والانضمام إلى الحزب الجمهوري، فإنه برّر خطوته بالقول: «إن قيم الديمقراطيين في واشنطن ما عادت قيم منطقتي ولا قيم معظم سكان تكساس».
غير أن غيلين، الذي يعارض الإجهاض ويؤيد تطوير الوقود الأحفوري في ولاية تعتبر معقل إنتاج النفط في أميركا، انشقاق، أخذت تواجه تبدّلاً بدأ يطرأ على البيئة السياسية في الولاية منذ عام 2018، عندما حظي أورورك باهتمام وطني كمرشح لمجلس الشيوخ، خسر بأقل من 3 نقاط مئوية في مواجهة السيناتور الجمهوري المتشدد تيد كروز.
في ذلك الوقت، كان أورورك قادراً على جذب الاهتمام الوطني، باعتباره وجهاً سياسياً ليبرالياً جديداً. وخاض حملته على وعد بأخذ السياسة إلى ما هو أبعد من الانحيازات الحزبية الضيقة، حين كانت «الموجة الزرقاء» (الديمقراطية) في أوج قوتها، مستفيدة من العداء لظاهرة «الترمبية».
ومع خسارة الديمقراطيين مقعدهم في مجلس النواب في مقاطعة ريو غراندي، توقع آرون ديليون، نائب رئيس تجمع الجمهوريين في تكساس، أن يشهد الديمقراطيون مزيداً من الخسائر في جميع أنحاء المقاطعة العام المقبل في الانتخابات النصفية. وبنى ديليون توقعه الواثق هذا على تسجيل دونالد ترمب قوة متزايدة في تلك المنطقة، بين الناخبين الهسبانيكيين خلال انتخابات 2020 الرئاسية الأخيرة. فقد فاز ترمب بفارق 13 نقطة عام 2020 في المنطقة التي انشق فيها النائب الديمقراطي غيلين، الذي أعيد انتخابه فيها بفارق 17 نقطة عن الحزب. وتابع ديليون: «إننا نشهد اتجاهات تتعارض مع ما يعتقده الديمقراطيون... في تلك المنطقة، هناك كثير من الوظائف المتعلقة بالنفط والغاز».
إلا أن جيلبرتو هينوغوسا، رئيس الحزب الديمقراطي في تكساس، رفض التكهنات الجمهورية بوجود اكتساح جمهوري آتٍ، وقال: «كان هناك تحوّل في الأصوات إبان الانتخابات الرئاسية، وكانت لذلك علاقة كبيرة بترمب... إننا نفعل ما في وسعنا لتعزيز الدعم الذي يحظى به الديمقراطيون في جنوب تكساس»، في إشارة إلى خسارة المقعد النيابي وانشقاق غيلين. ثم أضاف أن ترشح أورورك قد يعني أشياء جيدة للديمقراطيين من خلال زيادة الإقبال على التصويت.
- بطاقة شخصية
ولد روبرت فرانسيس «بيتو» أورورك عام 1972 في مستشفى أوتيل ديو في مدينة إل باسو التكساسية الحدودية مع المكسيك، لوالديه بات وميليسا. وهو سياسي أميركي آيرلندي من الجيل الرابع. في طفولته أعطته عائلته لقب «بيتو»، وهو لقب إسباني برتغالي شائع للأسماء الأولى، لتمييزه عن جده الذي يحمل الاسم نفسه. مثل منطقة الكونغرس الرقم 16 بتكساس في مجلس النواب الأميركي من عام 2013 إلى عام 2019.
تخرج «بيتو» من مدرسة وودبيري فوريست الخاصة الراقية ثم جامعة كولومبيا العريقة. وأثناء دراسته في كولومبيا، بدأ مهنة موسيقية قصيرة عازفاً للغيتار باس في فرقة «فوس» الموسيقية.
بعد التخرج، عاد «بيتو» إلى إل باسو، وبدأ حياته المهنية. وفي عام 2005 انتخب لعضوية مجلس المدينة حتى عام 2011، ثم انتخب في العام التالي في مجلس النواب الأميركي، بعدما هزم في الانتخابات التمهيدية الديمقراطي سيلفستر رييس الذي استمر 8 فترات. إلا أنه بعد إعادة انتخابه لمجلس النواب في عامي 2014 و2016 رفض أورورك الترشح لولاية أخرى في 2018. وبدلاً من ذلك، سعى للحصول على المقعد الذي يشغله الجمهوري تيد كروز في مجلس الشيوخ الأميركي... وفي حينه أدار حملة تنافسية لفتت الانتباه الوطني. وسجل رقماً قياسياً لمعظم الأصوات التي تم الإدلاء بها لأي ديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي في تكساس. وفي 14 مارس (آذار) 2019 أعلن حملته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020. لكنه علقها في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 قبل بدء الانتخابات التمهيدية، لمصلحة جو بايدن. ويوم الاثنين الماضي، أعلن ترشحه لمنصب حاكم ولاية تكساس في عام 2022.
توفي والده عام 2001 أثناء ركوب دراجته، وهو من عشاق ركوب الدراجات منذ فترة طويلة، بعدما صدمته سيارة وألقت به مسافة 21 متراً. ولقد تزوج أورورك من إيمي هوفر ساندرز عام 2005 وأنجب منها 3 أطفال.
يصنف المحللون السياسيون «بيتو» أورورك على أنه تقدمي أو ليبرالي أو نيوليبرالي أو وسطي. وهو قال عن نفسه إنه لا يعرف أين يقع في الطيف السياسي. وخلال منصبه في مجلس النواب، كان عضواً في التحالف الديمقراطي الجديد، وقام برعاية مشروعات قوانين من الحزبين، وعارض حزبه بشأن قضايا مثل التجارة.
ثم إنه معارض قوي لحيازة السلاح الفردي، وأيّد فرض قوانين لمراقبة الأسلحة ودعم فحوص الخلفية العامة لجميع مشتريات الأسلحة النارية. وبعد إطلاق النار في إل باسو عام 2019 دعا إلى فرض حظر كامل على بيع وحيازة البنادق الهجومية ومخازن الطلقات عالية السعة، ودعم برنامج إعادة الشراء الإلزامي.
يؤيد أورورك الإصلاح الشامل لنظام الهجرة، رافضاً ما سماه «عسكرة» الحدود. وعارض قرار الرئيس ترمب إنهاء برنامج «داكا»، أو «الحالمين»، الذي منح إقامة مؤقتة لبعض المهاجرين غير الشرعيين الذين جرى إحضارهم إلى الولايات المتحدة وهم قصّر. وانتقد خطاب ترمب بشأن الهجرة، قائلاً: «إنه يؤجج باستمرار القلق والخوف بشأن المكسيكيين والمهاجرين والحدود مع المكسيك. وللأسف، يتخذ هذا الرئيس خطوة أخرى نحو عالم مظلم من الخوف والعزلة والانفصال».
عام 2018، قاد أورورك احتجاجات في مدينة تورنيلو بتكساس، ضد سياساته لفصل أطفال عائلات المهاجرين. ورغم كونه كاثوليكياً، فإنه يعرب علناً عن معارضته لعقيدة الكنيسة، بما في ذلك رفضها زواج المثليين، والإجهاض. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، خلال حملته الرئاسية، اقترح إزالة الإعفاء الضريبي للمنظمات الدينية التي تعارض زواج المثليين أو الحق في الإجهاض.
من جهة ثانية، انتقد أورورك إسرائيل خلال حربها على غزة عام 2014. وصوّت ضد تمويل نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي (القبة الحديدية)، وندد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ووصفه بأنه «استفزازي». وهو يؤيد «حل الدولتين»، ويعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تدعم التسوية السلمية على أفضل وجه من خلال حثّ إسرائيل على وقف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ومساعدة السلطة الفلسطينية على التفاوض بحسن نية والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. أكثر من هذا، فإنه انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو على تصريحاته حول ضم المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة بعد الانتخابات الإسرائيلية 2019، ووصفه بأنه «عنصري». غير أنه وصف في وقت لاحق العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها «واحدة من أهم العلاقات التي لدينا على هذا الكوكب».
وحول القضايا الأخرى، فإنه دعم الاتفاق النووي مع إيران وانتقد موقف ترمب المتشدد تجاه كوريا الشمالية، قائلاً: «يجب ألا نسمح لهذا الرئيس بالسير نائماً في هذا البلد، أو التغريد لحرب مع كوريا الشمالية». وفي 2019 أيضاً، دعا أورورك إلى إنهاء حربي العراق وأفغانستان، كما عارض تورط الولايات المتحدة في الحرب الأهلية في سوريا وتقديم الأسلحة. وانتقد التدخل العسكري بقيادة «ناتو» في ليبيا، باعتباره «عاملاً في زعزعة استقرار الشرق الأوسط وصعود (تنظيم داعش)».
- خسائر إضافية للديمقراطيين
الآن، يراهن الديمقراطيون على أورورك الذي لم يعلن أي ديمقراطي آخر عن ترشحه ضده حتى الآن، على الرغم من أن ترشحه قد تأخر لمواجهة غريغ أبوت، مقارنة بترشحه لخوض المنافسة مع السيناتور تيد كروز عام 2018. فقد أثبت في ذلك الوقت، قدرته على جمع أموال كبيرة، رغم انتكاس حملته المالية التي أدت إلى انسحابه من السباق الرئاسي مبكراً في انتخابات 2020. ثم إنهم يراهنون على تجديد زخمه وعلى تاريخه في حضّ الناخبين على التصويت بأرقام غير مسبوقة في تكساس.
في مقابلة مع مجلة «تكساس الشهرية»، قال أورورك إنه ليس نادماً على حملته الرئاسية، وتابع: «شخص ما قالها لي بهذه الطريقة؛ أردت أن أركض بأسوأ طريقة، وقد نجحت في ذلك».
وأضاف أورورك أنه منذ انسحابه من السباق الرئاسي، أمضى وقتاً في العمل مع لجنة العمل السياسي لتسجيل الناخبين، التي أطلقها عام 2019، لتحسين «النتائج هنا في تكساس». وعيّن نيك راثود، المستشار السياسي بولاية فيرجينيا، ونائب مدير الشؤون الحكومية الدولية السابق في البيت الأبيض في عهد أوباما، مديراً لحملته الانتخابية لمنصب حاكم الولاية.
في المقابل، يمتلك أبوت ميزانية ضخمة تقدر بنحو 55 مليون دولار، ولديه أفضلية أكبر قبل الموعد الرسمي للانتخابات التمهيدية التي ستجري في الأول من مارس المقبل. ويرجح كثير من الخبراء أن يكون السباق بين أورورك وأبوت أحد أغلى سباقات حكام الولايات في دورة عام 2022. ورغم ذلك، هناك من يحذّر من أن سياسات أبوت المنحازة إلى أقصى اليمين، قد لا تكون مستساغة بالنسبة للناخبين المعتدلين في الولاية، الأمر الذي يراهن عليه الديمقراطيون.
هذا، وبينما أعطى دخول بيتو أورورك السباق على منصب حاكم تكساس، يوم الاثنين، جرعة من الأمل للديمقراطيين، فإن شكوكاً كبيرة تحيط بقدرتهم على تحقيق مكاسب في ولاية استعصت عليهم إلى حد كبير لسنوات. إذ لم يتولَ أي ديمقراطي منصب الحاكم منذ غادرت آن ريتشاردز منصبها عام 1995، بعد أن فشلت في الفوز بولاية ثانية. كذلك فإن الشكوك تحيط بأورورك نفسه، وبقدرته على التمتع بالجاذبية نفسها التي كان عليها قبل 4 سنوات، حين ظهر كأحد الوجوه اليسارية المعتدلة الجديدة، وتمكن من تجييش كثير من الناخبين المستائين من ترمب ومن تطرف السيناتور كروز.
مع هذا، أورورك يبدو اليوم أكثر استعداداً للابتعاد عن تلك التهمة، منذ انسحابه من السباق الرئاسي لمصلحة بايدن، وليس لمنافسه اليساري بيرني ساندرز... ووصولاً إلى إعلان معارضته قبل أيام، لسياسات بايدن من الهجرة، إحدى أبرز القضايا التي يتعصب لها التكساسيون، ومهادنته لسياسات الطاقة في الولاية، في سعيه للتكيف مع مزاجهم، الذي أدى إلى انشقاق النائب غيلين وخسارة مقعد نيابي آخر.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.