«بيتو» أورورك... مرشح الديمقراطيين لإزاحة حاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت

دخول الديمقراطي «بيتو» أورورك السباق على منصب حاكم ولاية تكساس، ثاني أكبر ولاية أميركية من حيث المساحة وعدد السكان، في مواجهة حاكمها الحالي الجمهوري غريغ أبوت، أحد أكثر السياسيين المحافظين تشدداً، أطلق واحدة من أكثر السباقات الانتخابية التي يتوقع أن تستقطب الأنظار على شراسة المعارك السياسية التي يخوضها الحزبان.
تأتي المعركة في خريف 2022 خلال مرحلة التحولات العميقة والتغيرات الجارية داخل الولايات المتحدة وخارجها. غير أن ترشح أورورك، الذي يعوّل عليه الديمقراطيون لإعادة «قلب الصفحة»، والانتقام لخسارتهم منصب حاكم ولاية فيرجينيا، إحدى أبرز الولايات تأثيراً سياسياً على العاصمة السياسية «واشنطن»، ترافق مع تذكير مؤلم بمكانتهم في ولاية، تمكن الرئيس السابق دونالد ترمب من تحويلها إلى «حصن أحمر»... واللون الأحمر كما هو معروف لون الحزب الجمهوري.
حين أعلن النائب الديمقراطي ريان غيلين منذ 19 سنة عن منطقة ريو غراندي الحدودية مع المكسيك، انسحابه من الحزب والانضمام إلى الحزب الجمهوري، فإنه برّر خطوته بالقول: «إن قيم الديمقراطيين في واشنطن ما عادت قيم منطقتي ولا قيم معظم سكان تكساس».
غير أن غيلين، الذي يعارض الإجهاض ويؤيد تطوير الوقود الأحفوري في ولاية تعتبر معقل إنتاج النفط في أميركا، انشقاق، أخذت تواجه تبدّلاً بدأ يطرأ على البيئة السياسية في الولاية منذ عام 2018، عندما حظي أورورك باهتمام وطني كمرشح لمجلس الشيوخ، خسر بأقل من 3 نقاط مئوية في مواجهة السيناتور الجمهوري المتشدد تيد كروز.
في ذلك الوقت، كان أورورك قادراً على جذب الاهتمام الوطني، باعتباره وجهاً سياسياً ليبرالياً جديداً. وخاض حملته على وعد بأخذ السياسة إلى ما هو أبعد من الانحيازات الحزبية الضيقة، حين كانت «الموجة الزرقاء» (الديمقراطية) في أوج قوتها، مستفيدة من العداء لظاهرة «الترمبية».
ومع خسارة الديمقراطيين مقعدهم في مجلس النواب في مقاطعة ريو غراندي، توقع آرون ديليون، نائب رئيس تجمع الجمهوريين في تكساس، أن يشهد الديمقراطيون مزيداً من الخسائر في جميع أنحاء المقاطعة العام المقبل في الانتخابات النصفية. وبنى ديليون توقعه الواثق هذا على تسجيل دونالد ترمب قوة متزايدة في تلك المنطقة، بين الناخبين الهسبانيكيين خلال انتخابات 2020 الرئاسية الأخيرة. فقد فاز ترمب بفارق 13 نقطة عام 2020 في المنطقة التي انشق فيها النائب الديمقراطي غيلين، الذي أعيد انتخابه فيها بفارق 17 نقطة عن الحزب. وتابع ديليون: «إننا نشهد اتجاهات تتعارض مع ما يعتقده الديمقراطيون... في تلك المنطقة، هناك كثير من الوظائف المتعلقة بالنفط والغاز».
إلا أن جيلبرتو هينوغوسا، رئيس الحزب الديمقراطي في تكساس، رفض التكهنات الجمهورية بوجود اكتساح جمهوري آتٍ، وقال: «كان هناك تحوّل في الأصوات إبان الانتخابات الرئاسية، وكانت لذلك علاقة كبيرة بترمب... إننا نفعل ما في وسعنا لتعزيز الدعم الذي يحظى به الديمقراطيون في جنوب تكساس»، في إشارة إلى خسارة المقعد النيابي وانشقاق غيلين. ثم أضاف أن ترشح أورورك قد يعني أشياء جيدة للديمقراطيين من خلال زيادة الإقبال على التصويت.
- بطاقة شخصية
ولد روبرت فرانسيس «بيتو» أورورك عام 1972 في مستشفى أوتيل ديو في مدينة إل باسو التكساسية الحدودية مع المكسيك، لوالديه بات وميليسا. وهو سياسي أميركي آيرلندي من الجيل الرابع. في طفولته أعطته عائلته لقب «بيتو»، وهو لقب إسباني برتغالي شائع للأسماء الأولى، لتمييزه عن جده الذي يحمل الاسم نفسه. مثل منطقة الكونغرس الرقم 16 بتكساس في مجلس النواب الأميركي من عام 2013 إلى عام 2019.
تخرج «بيتو» من مدرسة وودبيري فوريست الخاصة الراقية ثم جامعة كولومبيا العريقة. وأثناء دراسته في كولومبيا، بدأ مهنة موسيقية قصيرة عازفاً للغيتار باس في فرقة «فوس» الموسيقية.
بعد التخرج، عاد «بيتو» إلى إل باسو، وبدأ حياته المهنية. وفي عام 2005 انتخب لعضوية مجلس المدينة حتى عام 2011، ثم انتخب في العام التالي في مجلس النواب الأميركي، بعدما هزم في الانتخابات التمهيدية الديمقراطي سيلفستر رييس الذي استمر 8 فترات. إلا أنه بعد إعادة انتخابه لمجلس النواب في عامي 2014 و2016 رفض أورورك الترشح لولاية أخرى في 2018. وبدلاً من ذلك، سعى للحصول على المقعد الذي يشغله الجمهوري تيد كروز في مجلس الشيوخ الأميركي... وفي حينه أدار حملة تنافسية لفتت الانتباه الوطني. وسجل رقماً قياسياً لمعظم الأصوات التي تم الإدلاء بها لأي ديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي في تكساس. وفي 14 مارس (آذار) 2019 أعلن حملته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020. لكنه علقها في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 قبل بدء الانتخابات التمهيدية، لمصلحة جو بايدن. ويوم الاثنين الماضي، أعلن ترشحه لمنصب حاكم ولاية تكساس في عام 2022.
توفي والده عام 2001 أثناء ركوب دراجته، وهو من عشاق ركوب الدراجات منذ فترة طويلة، بعدما صدمته سيارة وألقت به مسافة 21 متراً. ولقد تزوج أورورك من إيمي هوفر ساندرز عام 2005 وأنجب منها 3 أطفال.
يصنف المحللون السياسيون «بيتو» أورورك على أنه تقدمي أو ليبرالي أو نيوليبرالي أو وسطي. وهو قال عن نفسه إنه لا يعرف أين يقع في الطيف السياسي. وخلال منصبه في مجلس النواب، كان عضواً في التحالف الديمقراطي الجديد، وقام برعاية مشروعات قوانين من الحزبين، وعارض حزبه بشأن قضايا مثل التجارة.
ثم إنه معارض قوي لحيازة السلاح الفردي، وأيّد فرض قوانين لمراقبة الأسلحة ودعم فحوص الخلفية العامة لجميع مشتريات الأسلحة النارية. وبعد إطلاق النار في إل باسو عام 2019 دعا إلى فرض حظر كامل على بيع وحيازة البنادق الهجومية ومخازن الطلقات عالية السعة، ودعم برنامج إعادة الشراء الإلزامي.
يؤيد أورورك الإصلاح الشامل لنظام الهجرة، رافضاً ما سماه «عسكرة» الحدود. وعارض قرار الرئيس ترمب إنهاء برنامج «داكا»، أو «الحالمين»، الذي منح إقامة مؤقتة لبعض المهاجرين غير الشرعيين الذين جرى إحضارهم إلى الولايات المتحدة وهم قصّر. وانتقد خطاب ترمب بشأن الهجرة، قائلاً: «إنه يؤجج باستمرار القلق والخوف بشأن المكسيكيين والمهاجرين والحدود مع المكسيك. وللأسف، يتخذ هذا الرئيس خطوة أخرى نحو عالم مظلم من الخوف والعزلة والانفصال».
عام 2018، قاد أورورك احتجاجات في مدينة تورنيلو بتكساس، ضد سياساته لفصل أطفال عائلات المهاجرين. ورغم كونه كاثوليكياً، فإنه يعرب علناً عن معارضته لعقيدة الكنيسة، بما في ذلك رفضها زواج المثليين، والإجهاض. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، خلال حملته الرئاسية، اقترح إزالة الإعفاء الضريبي للمنظمات الدينية التي تعارض زواج المثليين أو الحق في الإجهاض.
من جهة ثانية، انتقد أورورك إسرائيل خلال حربها على غزة عام 2014. وصوّت ضد تمويل نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي (القبة الحديدية)، وندد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ووصفه بأنه «استفزازي». وهو يؤيد «حل الدولتين»، ويعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تدعم التسوية السلمية على أفضل وجه من خلال حثّ إسرائيل على وقف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ومساعدة السلطة الفلسطينية على التفاوض بحسن نية والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. أكثر من هذا، فإنه انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو على تصريحاته حول ضم المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة بعد الانتخابات الإسرائيلية 2019، ووصفه بأنه «عنصري». غير أنه وصف في وقت لاحق العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها «واحدة من أهم العلاقات التي لدينا على هذا الكوكب».
وحول القضايا الأخرى، فإنه دعم الاتفاق النووي مع إيران وانتقد موقف ترمب المتشدد تجاه كوريا الشمالية، قائلاً: «يجب ألا نسمح لهذا الرئيس بالسير نائماً في هذا البلد، أو التغريد لحرب مع كوريا الشمالية». وفي 2019 أيضاً، دعا أورورك إلى إنهاء حربي العراق وأفغانستان، كما عارض تورط الولايات المتحدة في الحرب الأهلية في سوريا وتقديم الأسلحة. وانتقد التدخل العسكري بقيادة «ناتو» في ليبيا، باعتباره «عاملاً في زعزعة استقرار الشرق الأوسط وصعود (تنظيم داعش)».
- خسائر إضافية للديمقراطيين
الآن، يراهن الديمقراطيون على أورورك الذي لم يعلن أي ديمقراطي آخر عن ترشحه ضده حتى الآن، على الرغم من أن ترشحه قد تأخر لمواجهة غريغ أبوت، مقارنة بترشحه لخوض المنافسة مع السيناتور تيد كروز عام 2018. فقد أثبت في ذلك الوقت، قدرته على جمع أموال كبيرة، رغم انتكاس حملته المالية التي أدت إلى انسحابه من السباق الرئاسي مبكراً في انتخابات 2020. ثم إنهم يراهنون على تجديد زخمه وعلى تاريخه في حضّ الناخبين على التصويت بأرقام غير مسبوقة في تكساس.
في مقابلة مع مجلة «تكساس الشهرية»، قال أورورك إنه ليس نادماً على حملته الرئاسية، وتابع: «شخص ما قالها لي بهذه الطريقة؛ أردت أن أركض بأسوأ طريقة، وقد نجحت في ذلك».
وأضاف أورورك أنه منذ انسحابه من السباق الرئاسي، أمضى وقتاً في العمل مع لجنة العمل السياسي لتسجيل الناخبين، التي أطلقها عام 2019، لتحسين «النتائج هنا في تكساس». وعيّن نيك راثود، المستشار السياسي بولاية فيرجينيا، ونائب مدير الشؤون الحكومية الدولية السابق في البيت الأبيض في عهد أوباما، مديراً لحملته الانتخابية لمنصب حاكم الولاية.
في المقابل، يمتلك أبوت ميزانية ضخمة تقدر بنحو 55 مليون دولار، ولديه أفضلية أكبر قبل الموعد الرسمي للانتخابات التمهيدية التي ستجري في الأول من مارس المقبل. ويرجح كثير من الخبراء أن يكون السباق بين أورورك وأبوت أحد أغلى سباقات حكام الولايات في دورة عام 2022. ورغم ذلك، هناك من يحذّر من أن سياسات أبوت المنحازة إلى أقصى اليمين، قد لا تكون مستساغة بالنسبة للناخبين المعتدلين في الولاية، الأمر الذي يراهن عليه الديمقراطيون.
هذا، وبينما أعطى دخول بيتو أورورك السباق على منصب حاكم تكساس، يوم الاثنين، جرعة من الأمل للديمقراطيين، فإن شكوكاً كبيرة تحيط بقدرتهم على تحقيق مكاسب في ولاية استعصت عليهم إلى حد كبير لسنوات. إذ لم يتولَ أي ديمقراطي منصب الحاكم منذ غادرت آن ريتشاردز منصبها عام 1995، بعد أن فشلت في الفوز بولاية ثانية. كذلك فإن الشكوك تحيط بأورورك نفسه، وبقدرته على التمتع بالجاذبية نفسها التي كان عليها قبل 4 سنوات، حين ظهر كأحد الوجوه اليسارية المعتدلة الجديدة، وتمكن من تجييش كثير من الناخبين المستائين من ترمب ومن تطرف السيناتور كروز.
مع هذا، أورورك يبدو اليوم أكثر استعداداً للابتعاد عن تلك التهمة، منذ انسحابه من السباق الرئاسي لمصلحة بايدن، وليس لمنافسه اليساري بيرني ساندرز... ووصولاً إلى إعلان معارضته قبل أيام، لسياسات بايدن من الهجرة، إحدى أبرز القضايا التي يتعصب لها التكساسيون، ومهادنته لسياسات الطاقة في الولاية، في سعيه للتكيف مع مزاجهم، الذي أدى إلى انشقاق النائب غيلين وخسارة مقعد نيابي آخر.