انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين

استفادوا من صعود اليمين المتطرف الذي أضعف المعارضة في العاصمة

انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين
TT

انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين

انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين

نجت الحكومة البيرونية في الأرجنتين من كارثة انتخابية معلنة في الشوط الأخير من فرز الأصوات بعد الانتخابات التي أجريت يوم الأحد الفائت، وذلك بعد النتائج الأوليّة التي كانت أسفرت عنها الانتخابات الأوليّة في سبتمبر (أيلول) الماضي والتوقعات التي كانت أجمعت عليها استطلاعات الرأي منذرة بهزيمة مدوّية لحكومة الرئيس ألبرتو فرنانديز.
وبعدما كانت النتائج قبل ساعة واحدة من نهاية فرز الأصوات تشير إلى خسارة الحزب الحاكم الغالبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وقعت المفاجأة التي كانت الحكومة أول ما اندهش لها عندما تمكّن الحزب البيروني من الحفاظ على الغالبية في مجلس النواب بفضل أصوات مقاطعة العاصمة بوينوس آيريس التي تدين تقليدياً بالولاء للمعارضة.
ومن ثم، رغم الهزيمة التي أصيب بها الحزب البيروني وأفقدته الغالبية في مجلس الشيوخ حيث بات مضطراً للتفاوض مع المعارضة حول كل الملفّات الكبرى، جاءت نتيجة هذه الانتخابات المرحلية أقل سوءاً بكثير مما كانت تتوقع حكومة فرنانديز التي ينتظرها مسار صعب حتى انتخابات عام 2023 في خضمّ أزمة اقتصادية طاحنة تتفاقم مفاعليها بلا هوادة منذ ثلاث سنوات.
قبل معرفة نتائج الانتخابات وجّه الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز رسالة متلفزة إلى مواطنيه من القصر الرئاسي دعا فيها المعارضة إلى «حوار واسع ومسؤول حول برنامج اقتصادي متعدد السنوات للخروج من الأزمة».
هذه الأزمة التي ترزح تحتها الأرجنتين منذ سنوات أغرقتها في دوّامة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، التي لم تنجح أي من الحكومات التي تعاقبت عليها في حلّها أو التخفيف من حدّتها. ولقد كرّر فرنانديز «المعزوفة» المعروفة بأن الأرجنتين ستسعى إلى التفاهم على أوسع نطاق ممكن مع صندوق النقد الدولي، لكنها لن تتخلّى عن الأهداف التي وضعتها للنمو الاقتصادي والاهتمام بالطبقات الفقيرة التي تنامت في العقود الثلاثة المنصرمة بسبب الأزمات المالية والاقتصادية المتلاحقة.
وكانت نائبة الرئيس كريستينا كيرشنير، التي تشكّل القوة الوازنة في التحالف الحاكم - وهي التي كانت دفعت بفرنانديز للترشّح في الانتخابات الماضية بعدما كانت قد تولّت هي الرئاسة خلفاً لزوجها -، قرّرت تحاشي الظهور في الخطوط الأمامية إبان الحملة الانتخابية التي وضعت خطوطها العريضة وعناوينها الرئيسية.
- قراءة أولية للنتائج
كما كان متوقعاً فازت جبهة المعارضة «معاً من أجل التغيير» في 13 من أصل 24 محافظة في البلاد، في حين فاز التحالف البيروني في تسع محافظات وذهبت محافظتان إلى القوى والأحزاب المحلية. وأسفرت النتائج النهائية عن حصول التحالف البيروني على 118 مقعداً في مجلس النواب، أي مقعدين أقل من الانتخابات السابقة، مقابل 116 مقعداً لجبهة المعارضة التي زادت مقاعدها واحداً. وفي المقابل، خسر البيرونيون ستة مقاعد في مجلس الشيوخ - ومعها الغالبية - ما يشكّل ضربة لكيرشنير التي ترأس المجلس بحكم موقعها كنائبة لرئيس الجمهورية.
لئن كان التحالف البيروني قد التقط أنفاسه في اللحظات الأخيرة، فإن المعارضة حققت انتصاراً مهماً حيث تجاوزت الحزب الحاكم بما يزيد على تسع نقاط، ما يفتح أمامها الباب واسعاً للفوز في الانتخابات الرئاسية بعد سنتين. ويعود الفضل الرئيس في النتائج التي حققتها المعارضة إلى رئيس بلدية العاصمة هوراسيو رودريغيز لاريتا، الذي يشقّ طريقه بثبات كمرشّح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة. وكان لافتاً أن الرئيس اليميني السابق ماوريسيو ماكري، الذي شارك في حملة المعارضة الانتخابية، اكتفى بالمراقبة ولم يصدر عنه أي تصريح.
وفي قراءة أولى لنتائج هذه الانتخابات التي توقّع كثيرون أن تكون بداية انهيار التحالف البيروني الحاكم، يرى المراقبون أن صمود هذا التحالف يعود إلى المناورات التي قامت بها كريستينا كيرشنير خلال الأشهر المنصرمة عندما طلبت من فرنانديز في رسالة مفتوحة إقالة رئيس الحكومة ومساعده الأقرب سانتياغو كافييرو، وفرضت تعويضه بحاكم ولاية توكومان (شمال غربي البلاد) خوان لويس منصور (المتحدر من أصل لبناني). وشكّل وصول منصور إلى رئاسة الحكومة اتجاهاً سريعاً وواضحاً للخطاب البيروني نحو الجذور الشعبوية واليسارية للحركة التي أسسها الجنرال خوان دومينغو بيرون... التي تعتبر كريستينا كيرشنير أنها اليوم وحدها مَن يجسّد رؤية بيرون وإرثه.
- صعود اليمين المتطرف
غير أن المفاجأة التي لم يكن أحد يتوقعها في هذه الانتخابات - وهي التي حالت دون تحقيق المعارضة نصراً ساحقاً في العاصمة - كانت دخول الحزب اليميني المتطرف «الحرية تتقدّم» إلى البرلمان بعد نيله 17 في المائة من الأصوات وفوزه بخمسة مقاعد للمرة الأولى في مجلس النواب.
وفي أول تصريح له بعد الفوز قال زعيم هذا الحزب خافيير ميلاي: «شكراً للنفوس الحرّة، شكراً للأسود الأبطال على هذا الزئير»، ورفض دعوة رئيس الجمهورية ألبرتو فرنانديز إلى الحوار أمام أهازيج أنصاره الذين يتميّزون بكون معظمهم من الشباب دون الثلاثين من العمر. وقال ميلاي: «لقد أزف الوقت لدفن كل الذين أوصلونا إلى هذا البؤس والفقر والتخلّف أمام أعين العالم». ودعا إلى «الكفّ عن نبش الماضي» في إشارة صريحة إلى الجرائم والتجاوزات التي ارتكبها النظام العسكري الديكتاتوري الأخير في الأرجنتين.
تجدر الإشارة، إلى أن صعود هذا الحزب ودخوله البرلمان للمرة الأولى كقوة تملك القدرة على ترجيح كفة الغالبية، يثير قلقاً في أوساط منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والمطالبة بكشف جرائم النظام العسكري الأسبق ومحاسبة قياداته، وأيضاً المخاوف من اتساع رقعة نفوذه التي ما زالت مقصورة إلى اليوم على العاصمة وضواحيها. وكان ميلاي قد ردّد خلال الحملة الانتخابية إعجابه بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو.
في غضون ذلك، ما تزال المعارضة مترددة في التجاوب مع دعوة فرنانديز للحوار والاتفاق حول البرنامج الاقتصادي للسنوات المقبلة على أبواب جولة جديدة وفاصلة مع صندوق النقد الدولي لجدولة ديون الأرجنتين التي تتجاوز 55 مليار دولار. ويذكر أن الصندوق يشترط لجدولتها حزمة من التدابير التقشفية التي يعرف فرنانديز أن انفراده بقرار اتخاذها سيقضي نهائياً على حظوظ التحالف البيروني في الانتخابات الاشتراعية والرئاسية المقبلة.
- ردود الفعل
حتى اللحظة اقتصرت ردود الفعل الأولى من المعارضة على دعوة فرنانديز للحوار، على اشتراط التجاوب بإعلان صريح من نائبة الرئيس توافق فيه على الخطة المتعددة السنوات وتتعهد باحترام بنودها، وبموقف علني من التحالف البيروني يعترف فيه بخسارته الانتخابات الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أنه سبق لكيرشنير، التي تتزعّم الجناح اليساري والنقابي في الحركة البيرونية، أن عارضت بشدّة الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي عندما كانت تتولّى الرئاسة.
ويعود حذر المعارضة في مقاربة دعوة فرنانديز للحوار إلى عمق الصراعات الداخلية في الحركة البيرونية، والمخاوف من مناورات كيرشنير التي استطاعت حتى الآن أن تُملي على الرئيس كل القرارات التي أرادتها، ولأنها لا تريد له أن يسجّل أي انتصار بارز رغبة منها في العودة إلى الترشّح للرئاسة بعد سنتين.
مع هذا، لا يستبعد المراقبون أن يتجاوب فرنانديز مع الشروط التي وضعتها المعارضة للتجاوب مع الدعوة للحوار، لأن الوضع الاقتصادي ما عاد يحتمل أي تأجيل أو مماطلة مع تجاوز معدّل التضخم 50 في المائة سنوياً، وتراجع قيمة العملة الوطنية (البيزو) كل يوم أمام الدولار الأميركي، الذي بات عملة التداول الشائعة في البلاد. وهذا، فضلاً عن أن اضطرار المصرف المركزي لتقييد عمليات شراء النقد النادر وبيعه ما عاد كافياً لوقف نزيف احتياطه من العملات الصعبة.
كل ما تقدم يجعل من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي النور الوحيد الذي يراه الأرجنتينيون في نهاية نفق الأزمة، التي يقول كثيرون إن جذورها تضرب في عمق «الظاهرة البيرونية» التي ما زال المحلّلون والمؤرّخون يحارون في الإحاطة بها وتحديد مشاربها وتشعّباتها رغم مئات المؤلّفات التي وضعت حولها.
- ما هي البيرونية؟
في الواقع، البيرونية متعددة الأصول والمشارب، وهي حركة بقدر ما هي حزب أو تيّار سياسي... أنصارها يقولون إنها جالة نفسية وشعور عميق بالانتماء، وكفى. أما مناهضوها فيصفونها بأنها «سرطان يغرق الأرجنتين في فوضى لا قاع لها منذ سبعين سنة».
لكن مَن هي شخصيات الصّف الأمامي اليوم والتيارات المتصارعة داخل هذه الحركة التي أسسها الجنرال والسياسي والكاتب خوان دومينغو بيرون، الذي تولّى رئاسة الأرجنتيني ثلاث مرات، ثم خلفته زوجته الثانية قبل أن تنهي أيامها في المنفى، وبعدما تحوّلت زوجته الأولى «إيفيتا» (إيفا) إلى أسطورة عجز حتى دييغو مارادونا عن مجاراة تأثيرها في الوعي الجماعي الأرجنتيني؟
الحكومة التي يقودها اليوم ألبرتو فرنانديز لا تقوم على تحالف بين أحزاب وقوى سياسية، بل بين التيارات الداخلية في الحركة البيرونية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بالوسط والاتحادات النقابية. وهي حركة وطنية بلغت من الامتداد والقوة ما سمح لها أن تكون غالباً في الحكم وفي المعارضة في آن معاً. والحكومة الراهنة ليست سوى اختبار من أجل وضع حد لهذا الانفصام السياسي الذي يتملّك الأرجنتين منذ عقود.
يجمع هذا الاختبار بين ثلاث قوى أساسية هي: التيّار الذي تتزعّمه الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنير التي تتولّى حالياً منصب نائب رئيس الجمهورية، والتيّار الذي يقوده سرجيو ماسّا الرئيس الحالي لمجلس النواب، والتيّار الذي يرأسه أستاذ العلوم الاقتصادية ألبرتو فرنانديز الذي اختارته كيرشنير ليكون رئيساً للجمهورية وتكون هي نائباً له. ويضاف إلى هذه التيّارات الثلاثة مجموعة من القوى المحلية التي تتمتع بوزن سياسي واقتصادي كبير، والحركات النقابية التقليدية والاجتماعية، وعدد من حكّام الولايات النافذين ومجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان تتماهى مع السياسة التقدمية للحكومة.
أولى بوادر التصدّع في هذا الاختبار ظهرت في أعقاب الهزيمة التي مُني بها التحالف الحاكم في انتخابات سبتمبر (أيلول) الفائت، والتي كشفت الصراع الذي لم يكن خافياً على أقطاب الحركة... وهو الصراع الذي يحاول فرنانديز تغطيته بدعوة المعارضة إلى الحوار من موقع المنتصر في انتخابات تعتبر المعارضة أنه خسرها.
لهذا السبب لن تتجاوب المعارضة بسهولة مع هذه الدعوة التي ترى أن الرئيس يهدف منها إلى «كسب الوقت» من أجل محاولة «ترتيب البيت البيروني» الذي يفتقر منذ سنوات إلى قيادة قوية وجامعة، كتلك التي كان يتمتع بها مؤسس الحركة... ومن ثم، إلى توزيع الأضرار التي لا بُد أن تحملها شروط صندوق النقد الدولي لإنقاذ الأرجنتين من كارثة اقتصادية أخرى تدقّ على الأبواب.
- أقطاب الحركة البيرونية... ومفاتيح قوتها
* ألبرتو فرنانديز - الرئيس الحالي للجمهورية، الذي انتخب في العام 2019 لفترة أربع سنوات. أمضى فرنانديز حياته المهنية في التعليم الجامعي إلى أن عيّنه الرئيس الأسبق نستور كيرشنير رئيساً للوزراء في عام 2003، وهو منصب لا يحمل أي سلطة تنفيذية في النظام الأرجنتيني الرئاسي، لكنه الأقرب إلى رئيس الجمهورية. ولقد استمر في منصبه طوال ولايتين، ثم التحق بكريستينا كيرشنير قبل أن يستقيل بعد سنة واحدة بسبب خلافه معها، ويتحوّل بعد ذلك إلى أشرس خصومها وأشدهم انتقاداً لها. غير أن الأمور سوّيت بين الاثنين عندما طلبت إليه في عام 2019 أن يترشّح لمنصب رئاسة الجمهورية إلى جانبها وتكون هي نائبة له. يمثّل فرنانديز ما يُطلق عليه مسمى «البيرونية الحضرية» التي انبثقت من المحيط الجامعي، وهي بيرونية تقدميّة المعتقد لكنها ليست ثورية.
راهناً يفتقر فرنانديز إلى قاعدة شعبية واسعة، داخل الحركة إذ تراجعت شعبيته وتأثرت سلباً من إدارة جائحة كوفيد – 19، وكذلك الأزمة الاقتصادية والهزيمة في الانتخابات الأولية.
* كريستينا كيرشنير – تشغل حالياً منصب نائب الرئيس، وسبق أن تولّت رئاسة الجمهورية من عام 2007 إلى عام 2015. إنها حجر الزاوية في التحالف الحاكم، وهي التي طلبت إلى فرنانديز الترشّح للرئاسة بعدما كان ألدّ خصومها داخل الحركة، ومدّت يدها إلى خصم آخر من قادة الحركة هو سرجيو ماسا الذي كان أيضا رئيساً للوزراء معها، وهو يشغل حالياً منصب رئيس مجلس النواب. تمثّل كيرشنير الجناح اليساري في الحركة البيرونية، الذي أسسّه زوجها الراحل نستور الذي تعتبر نفسها الوريث الطبيعي له.
* سرجيو ماسّا – يقود ماسّا التيّار الثالث في التحالف الحاكم، وهو كان قد انشقّ عن كريستينا كيرشنير في عام 2010 ليؤسس «جبهة التجديد» في العاصمة ومحيطها. ومن ثم، تمكّن من تشكيل كتلة برلمانية مستقلّة قبل أن يترشّح إلى الانتخابات الرئاسية في عام 2015 تحت شعار محاربة الفساد واعداً في حال فوزه بزجّ كريستينا كيرشنير في السجن. إلا أن ماسّا حلّ ثالثاً في تلك الانتخابات التي فاز بها اليميني ماوريسيو ماكري، وجاء فيها ثانياً المرشّح الذي كانت تدعمه كيرشنير. وهكذا، كانت عودته إلى صفوف الرئيسة السابقة ضربة انتخابية ناجحة بعد العداء الذي كان مستحكماً بينهما. وفي انتخابات عام 2019 حصل ماسّا على 52 في المائة من الأصوات وشكّل أكبر كتلة برلمانية حملته إلى رئاسة مجلس النواب التي يتولّاها حالياً.
* حكّام المحافظات – أكثر من نصف المحافظات الأرجنتينية يحكمها بيرونيّون ينتمون إلى مشارب عقائدية متنوعة، ويتوزّع ولاؤهم حالياً بين الرئيس ونائبته، ويلعب هؤلاء دوراً أساسياً في تحديد قدرة رئيس الجمهورية على إدارة البلاد. كانت كريستينا كيرشنير قد فرضت على فرنانديز الاستعانة بتيّار الحكّام عندما طالبته بتعيين خوان لويس منصور، حاكم محافظة توكومان، رئيساً للوزراء بعد الهزيمة في الانتخابات الأولية... وذلك بهدف تعزيز نفوذ الحركة في المناطق البعيدة عن العاصمة.
* النقابات – تنقسم النقابات بين تيّار تقليدي مستقلّ وآخر مؤيد لكريستينا كيرشنير، وهي تمثّل غالبية القطاعات المهنية في البلاد. تشكّلت النقابات الأرجنتينية مطالع أربعينيات القرن الماضي على عهد خوان دومينغو بيرون، وهي تضمّ حوالي 40 في المائة من العمّال في القطاع المنظّم، وتعتبر من أقوى النقابات في أميركا اللاتينية والمعقل الأخير للحركة البيرونية التقليدية التي قامت على فكرة مجتمع أساسه العمل المقتبسة من الدستور الإيطالي. إلا أن الأزمات الاقتصادية المتعاقبة وانتقال ملايين العمال إلى القطاع غير المنظّم أضعف قوتها التفاوضية التي كانت تشكّل أحد الروافد الأساسية لشعبية الحركة البيرونية.
* الحركات الاجتماعية – تشكّل هذه الحركات، مثل «الأحياء الصامدة» و«الوطن الكبير» و«حركة إيفيتا»، التي تضمّ نسبة عالية من عمال القطاع غير المنظّم والعاطلين عن العم، رافداً شعبياً كبيراً ووازناً في المشهد السياسي الأرجنتيني نظراً لقدرتها على التعبئة الاحتجاجية، كما حصل خلال ولاية الرئيس السابق ماوريسيو ماكري. ولكن مع وصول فرنانديز إلى الرئاسة انقسمت هذه الحركات بين مؤيد للرئيس ومعارض لسياساته التي كان يحاول بها استمالة صندوق النقد الدولي والتجاوب مع شروطه.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.