انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين

استفادوا من صعود اليمين المتطرف الذي أضعف المعارضة في العاصمة

انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين
TT

انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين

انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين

نجت الحكومة البيرونية في الأرجنتين من كارثة انتخابية معلنة في الشوط الأخير من فرز الأصوات بعد الانتخابات التي أجريت يوم الأحد الفائت، وذلك بعد النتائج الأوليّة التي كانت أسفرت عنها الانتخابات الأوليّة في سبتمبر (أيلول) الماضي والتوقعات التي كانت أجمعت عليها استطلاعات الرأي منذرة بهزيمة مدوّية لحكومة الرئيس ألبرتو فرنانديز.
وبعدما كانت النتائج قبل ساعة واحدة من نهاية فرز الأصوات تشير إلى خسارة الحزب الحاكم الغالبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وقعت المفاجأة التي كانت الحكومة أول ما اندهش لها عندما تمكّن الحزب البيروني من الحفاظ على الغالبية في مجلس النواب بفضل أصوات مقاطعة العاصمة بوينوس آيريس التي تدين تقليدياً بالولاء للمعارضة.
ومن ثم، رغم الهزيمة التي أصيب بها الحزب البيروني وأفقدته الغالبية في مجلس الشيوخ حيث بات مضطراً للتفاوض مع المعارضة حول كل الملفّات الكبرى، جاءت نتيجة هذه الانتخابات المرحلية أقل سوءاً بكثير مما كانت تتوقع حكومة فرنانديز التي ينتظرها مسار صعب حتى انتخابات عام 2023 في خضمّ أزمة اقتصادية طاحنة تتفاقم مفاعليها بلا هوادة منذ ثلاث سنوات.
قبل معرفة نتائج الانتخابات وجّه الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز رسالة متلفزة إلى مواطنيه من القصر الرئاسي دعا فيها المعارضة إلى «حوار واسع ومسؤول حول برنامج اقتصادي متعدد السنوات للخروج من الأزمة».
هذه الأزمة التي ترزح تحتها الأرجنتين منذ سنوات أغرقتها في دوّامة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، التي لم تنجح أي من الحكومات التي تعاقبت عليها في حلّها أو التخفيف من حدّتها. ولقد كرّر فرنانديز «المعزوفة» المعروفة بأن الأرجنتين ستسعى إلى التفاهم على أوسع نطاق ممكن مع صندوق النقد الدولي، لكنها لن تتخلّى عن الأهداف التي وضعتها للنمو الاقتصادي والاهتمام بالطبقات الفقيرة التي تنامت في العقود الثلاثة المنصرمة بسبب الأزمات المالية والاقتصادية المتلاحقة.
وكانت نائبة الرئيس كريستينا كيرشنير، التي تشكّل القوة الوازنة في التحالف الحاكم - وهي التي كانت دفعت بفرنانديز للترشّح في الانتخابات الماضية بعدما كانت قد تولّت هي الرئاسة خلفاً لزوجها -، قرّرت تحاشي الظهور في الخطوط الأمامية إبان الحملة الانتخابية التي وضعت خطوطها العريضة وعناوينها الرئيسية.
- قراءة أولية للنتائج
كما كان متوقعاً فازت جبهة المعارضة «معاً من أجل التغيير» في 13 من أصل 24 محافظة في البلاد، في حين فاز التحالف البيروني في تسع محافظات وذهبت محافظتان إلى القوى والأحزاب المحلية. وأسفرت النتائج النهائية عن حصول التحالف البيروني على 118 مقعداً في مجلس النواب، أي مقعدين أقل من الانتخابات السابقة، مقابل 116 مقعداً لجبهة المعارضة التي زادت مقاعدها واحداً. وفي المقابل، خسر البيرونيون ستة مقاعد في مجلس الشيوخ - ومعها الغالبية - ما يشكّل ضربة لكيرشنير التي ترأس المجلس بحكم موقعها كنائبة لرئيس الجمهورية.
لئن كان التحالف البيروني قد التقط أنفاسه في اللحظات الأخيرة، فإن المعارضة حققت انتصاراً مهماً حيث تجاوزت الحزب الحاكم بما يزيد على تسع نقاط، ما يفتح أمامها الباب واسعاً للفوز في الانتخابات الرئاسية بعد سنتين. ويعود الفضل الرئيس في النتائج التي حققتها المعارضة إلى رئيس بلدية العاصمة هوراسيو رودريغيز لاريتا، الذي يشقّ طريقه بثبات كمرشّح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة. وكان لافتاً أن الرئيس اليميني السابق ماوريسيو ماكري، الذي شارك في حملة المعارضة الانتخابية، اكتفى بالمراقبة ولم يصدر عنه أي تصريح.
وفي قراءة أولى لنتائج هذه الانتخابات التي توقّع كثيرون أن تكون بداية انهيار التحالف البيروني الحاكم، يرى المراقبون أن صمود هذا التحالف يعود إلى المناورات التي قامت بها كريستينا كيرشنير خلال الأشهر المنصرمة عندما طلبت من فرنانديز في رسالة مفتوحة إقالة رئيس الحكومة ومساعده الأقرب سانتياغو كافييرو، وفرضت تعويضه بحاكم ولاية توكومان (شمال غربي البلاد) خوان لويس منصور (المتحدر من أصل لبناني). وشكّل وصول منصور إلى رئاسة الحكومة اتجاهاً سريعاً وواضحاً للخطاب البيروني نحو الجذور الشعبوية واليسارية للحركة التي أسسها الجنرال خوان دومينغو بيرون... التي تعتبر كريستينا كيرشنير أنها اليوم وحدها مَن يجسّد رؤية بيرون وإرثه.
- صعود اليمين المتطرف
غير أن المفاجأة التي لم يكن أحد يتوقعها في هذه الانتخابات - وهي التي حالت دون تحقيق المعارضة نصراً ساحقاً في العاصمة - كانت دخول الحزب اليميني المتطرف «الحرية تتقدّم» إلى البرلمان بعد نيله 17 في المائة من الأصوات وفوزه بخمسة مقاعد للمرة الأولى في مجلس النواب.
وفي أول تصريح له بعد الفوز قال زعيم هذا الحزب خافيير ميلاي: «شكراً للنفوس الحرّة، شكراً للأسود الأبطال على هذا الزئير»، ورفض دعوة رئيس الجمهورية ألبرتو فرنانديز إلى الحوار أمام أهازيج أنصاره الذين يتميّزون بكون معظمهم من الشباب دون الثلاثين من العمر. وقال ميلاي: «لقد أزف الوقت لدفن كل الذين أوصلونا إلى هذا البؤس والفقر والتخلّف أمام أعين العالم». ودعا إلى «الكفّ عن نبش الماضي» في إشارة صريحة إلى الجرائم والتجاوزات التي ارتكبها النظام العسكري الديكتاتوري الأخير في الأرجنتين.
تجدر الإشارة، إلى أن صعود هذا الحزب ودخوله البرلمان للمرة الأولى كقوة تملك القدرة على ترجيح كفة الغالبية، يثير قلقاً في أوساط منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والمطالبة بكشف جرائم النظام العسكري الأسبق ومحاسبة قياداته، وأيضاً المخاوف من اتساع رقعة نفوذه التي ما زالت مقصورة إلى اليوم على العاصمة وضواحيها. وكان ميلاي قد ردّد خلال الحملة الانتخابية إعجابه بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو.
في غضون ذلك، ما تزال المعارضة مترددة في التجاوب مع دعوة فرنانديز للحوار والاتفاق حول البرنامج الاقتصادي للسنوات المقبلة على أبواب جولة جديدة وفاصلة مع صندوق النقد الدولي لجدولة ديون الأرجنتين التي تتجاوز 55 مليار دولار. ويذكر أن الصندوق يشترط لجدولتها حزمة من التدابير التقشفية التي يعرف فرنانديز أن انفراده بقرار اتخاذها سيقضي نهائياً على حظوظ التحالف البيروني في الانتخابات الاشتراعية والرئاسية المقبلة.
- ردود الفعل
حتى اللحظة اقتصرت ردود الفعل الأولى من المعارضة على دعوة فرنانديز للحوار، على اشتراط التجاوب بإعلان صريح من نائبة الرئيس توافق فيه على الخطة المتعددة السنوات وتتعهد باحترام بنودها، وبموقف علني من التحالف البيروني يعترف فيه بخسارته الانتخابات الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أنه سبق لكيرشنير، التي تتزعّم الجناح اليساري والنقابي في الحركة البيرونية، أن عارضت بشدّة الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي عندما كانت تتولّى الرئاسة.
ويعود حذر المعارضة في مقاربة دعوة فرنانديز للحوار إلى عمق الصراعات الداخلية في الحركة البيرونية، والمخاوف من مناورات كيرشنير التي استطاعت حتى الآن أن تُملي على الرئيس كل القرارات التي أرادتها، ولأنها لا تريد له أن يسجّل أي انتصار بارز رغبة منها في العودة إلى الترشّح للرئاسة بعد سنتين.
مع هذا، لا يستبعد المراقبون أن يتجاوب فرنانديز مع الشروط التي وضعتها المعارضة للتجاوب مع الدعوة للحوار، لأن الوضع الاقتصادي ما عاد يحتمل أي تأجيل أو مماطلة مع تجاوز معدّل التضخم 50 في المائة سنوياً، وتراجع قيمة العملة الوطنية (البيزو) كل يوم أمام الدولار الأميركي، الذي بات عملة التداول الشائعة في البلاد. وهذا، فضلاً عن أن اضطرار المصرف المركزي لتقييد عمليات شراء النقد النادر وبيعه ما عاد كافياً لوقف نزيف احتياطه من العملات الصعبة.
كل ما تقدم يجعل من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي النور الوحيد الذي يراه الأرجنتينيون في نهاية نفق الأزمة، التي يقول كثيرون إن جذورها تضرب في عمق «الظاهرة البيرونية» التي ما زال المحلّلون والمؤرّخون يحارون في الإحاطة بها وتحديد مشاربها وتشعّباتها رغم مئات المؤلّفات التي وضعت حولها.
- ما هي البيرونية؟
في الواقع، البيرونية متعددة الأصول والمشارب، وهي حركة بقدر ما هي حزب أو تيّار سياسي... أنصارها يقولون إنها جالة نفسية وشعور عميق بالانتماء، وكفى. أما مناهضوها فيصفونها بأنها «سرطان يغرق الأرجنتين في فوضى لا قاع لها منذ سبعين سنة».
لكن مَن هي شخصيات الصّف الأمامي اليوم والتيارات المتصارعة داخل هذه الحركة التي أسسها الجنرال والسياسي والكاتب خوان دومينغو بيرون، الذي تولّى رئاسة الأرجنتيني ثلاث مرات، ثم خلفته زوجته الثانية قبل أن تنهي أيامها في المنفى، وبعدما تحوّلت زوجته الأولى «إيفيتا» (إيفا) إلى أسطورة عجز حتى دييغو مارادونا عن مجاراة تأثيرها في الوعي الجماعي الأرجنتيني؟
الحكومة التي يقودها اليوم ألبرتو فرنانديز لا تقوم على تحالف بين أحزاب وقوى سياسية، بل بين التيارات الداخلية في الحركة البيرونية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بالوسط والاتحادات النقابية. وهي حركة وطنية بلغت من الامتداد والقوة ما سمح لها أن تكون غالباً في الحكم وفي المعارضة في آن معاً. والحكومة الراهنة ليست سوى اختبار من أجل وضع حد لهذا الانفصام السياسي الذي يتملّك الأرجنتين منذ عقود.
يجمع هذا الاختبار بين ثلاث قوى أساسية هي: التيّار الذي تتزعّمه الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنير التي تتولّى حالياً منصب نائب رئيس الجمهورية، والتيّار الذي يقوده سرجيو ماسّا الرئيس الحالي لمجلس النواب، والتيّار الذي يرأسه أستاذ العلوم الاقتصادية ألبرتو فرنانديز الذي اختارته كيرشنير ليكون رئيساً للجمهورية وتكون هي نائباً له. ويضاف إلى هذه التيّارات الثلاثة مجموعة من القوى المحلية التي تتمتع بوزن سياسي واقتصادي كبير، والحركات النقابية التقليدية والاجتماعية، وعدد من حكّام الولايات النافذين ومجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان تتماهى مع السياسة التقدمية للحكومة.
أولى بوادر التصدّع في هذا الاختبار ظهرت في أعقاب الهزيمة التي مُني بها التحالف الحاكم في انتخابات سبتمبر (أيلول) الفائت، والتي كشفت الصراع الذي لم يكن خافياً على أقطاب الحركة... وهو الصراع الذي يحاول فرنانديز تغطيته بدعوة المعارضة إلى الحوار من موقع المنتصر في انتخابات تعتبر المعارضة أنه خسرها.
لهذا السبب لن تتجاوب المعارضة بسهولة مع هذه الدعوة التي ترى أن الرئيس يهدف منها إلى «كسب الوقت» من أجل محاولة «ترتيب البيت البيروني» الذي يفتقر منذ سنوات إلى قيادة قوية وجامعة، كتلك التي كان يتمتع بها مؤسس الحركة... ومن ثم، إلى توزيع الأضرار التي لا بُد أن تحملها شروط صندوق النقد الدولي لإنقاذ الأرجنتين من كارثة اقتصادية أخرى تدقّ على الأبواب.
- أقطاب الحركة البيرونية... ومفاتيح قوتها
* ألبرتو فرنانديز - الرئيس الحالي للجمهورية، الذي انتخب في العام 2019 لفترة أربع سنوات. أمضى فرنانديز حياته المهنية في التعليم الجامعي إلى أن عيّنه الرئيس الأسبق نستور كيرشنير رئيساً للوزراء في عام 2003، وهو منصب لا يحمل أي سلطة تنفيذية في النظام الأرجنتيني الرئاسي، لكنه الأقرب إلى رئيس الجمهورية. ولقد استمر في منصبه طوال ولايتين، ثم التحق بكريستينا كيرشنير قبل أن يستقيل بعد سنة واحدة بسبب خلافه معها، ويتحوّل بعد ذلك إلى أشرس خصومها وأشدهم انتقاداً لها. غير أن الأمور سوّيت بين الاثنين عندما طلبت إليه في عام 2019 أن يترشّح لمنصب رئاسة الجمهورية إلى جانبها وتكون هي نائبة له. يمثّل فرنانديز ما يُطلق عليه مسمى «البيرونية الحضرية» التي انبثقت من المحيط الجامعي، وهي بيرونية تقدميّة المعتقد لكنها ليست ثورية.
راهناً يفتقر فرنانديز إلى قاعدة شعبية واسعة، داخل الحركة إذ تراجعت شعبيته وتأثرت سلباً من إدارة جائحة كوفيد – 19، وكذلك الأزمة الاقتصادية والهزيمة في الانتخابات الأولية.
* كريستينا كيرشنير – تشغل حالياً منصب نائب الرئيس، وسبق أن تولّت رئاسة الجمهورية من عام 2007 إلى عام 2015. إنها حجر الزاوية في التحالف الحاكم، وهي التي طلبت إلى فرنانديز الترشّح للرئاسة بعدما كان ألدّ خصومها داخل الحركة، ومدّت يدها إلى خصم آخر من قادة الحركة هو سرجيو ماسا الذي كان أيضا رئيساً للوزراء معها، وهو يشغل حالياً منصب رئيس مجلس النواب. تمثّل كيرشنير الجناح اليساري في الحركة البيرونية، الذي أسسّه زوجها الراحل نستور الذي تعتبر نفسها الوريث الطبيعي له.
* سرجيو ماسّا – يقود ماسّا التيّار الثالث في التحالف الحاكم، وهو كان قد انشقّ عن كريستينا كيرشنير في عام 2010 ليؤسس «جبهة التجديد» في العاصمة ومحيطها. ومن ثم، تمكّن من تشكيل كتلة برلمانية مستقلّة قبل أن يترشّح إلى الانتخابات الرئاسية في عام 2015 تحت شعار محاربة الفساد واعداً في حال فوزه بزجّ كريستينا كيرشنير في السجن. إلا أن ماسّا حلّ ثالثاً في تلك الانتخابات التي فاز بها اليميني ماوريسيو ماكري، وجاء فيها ثانياً المرشّح الذي كانت تدعمه كيرشنير. وهكذا، كانت عودته إلى صفوف الرئيسة السابقة ضربة انتخابية ناجحة بعد العداء الذي كان مستحكماً بينهما. وفي انتخابات عام 2019 حصل ماسّا على 52 في المائة من الأصوات وشكّل أكبر كتلة برلمانية حملته إلى رئاسة مجلس النواب التي يتولّاها حالياً.
* حكّام المحافظات – أكثر من نصف المحافظات الأرجنتينية يحكمها بيرونيّون ينتمون إلى مشارب عقائدية متنوعة، ويتوزّع ولاؤهم حالياً بين الرئيس ونائبته، ويلعب هؤلاء دوراً أساسياً في تحديد قدرة رئيس الجمهورية على إدارة البلاد. كانت كريستينا كيرشنير قد فرضت على فرنانديز الاستعانة بتيّار الحكّام عندما طالبته بتعيين خوان لويس منصور، حاكم محافظة توكومان، رئيساً للوزراء بعد الهزيمة في الانتخابات الأولية... وذلك بهدف تعزيز نفوذ الحركة في المناطق البعيدة عن العاصمة.
* النقابات – تنقسم النقابات بين تيّار تقليدي مستقلّ وآخر مؤيد لكريستينا كيرشنير، وهي تمثّل غالبية القطاعات المهنية في البلاد. تشكّلت النقابات الأرجنتينية مطالع أربعينيات القرن الماضي على عهد خوان دومينغو بيرون، وهي تضمّ حوالي 40 في المائة من العمّال في القطاع المنظّم، وتعتبر من أقوى النقابات في أميركا اللاتينية والمعقل الأخير للحركة البيرونية التقليدية التي قامت على فكرة مجتمع أساسه العمل المقتبسة من الدستور الإيطالي. إلا أن الأزمات الاقتصادية المتعاقبة وانتقال ملايين العمال إلى القطاع غير المنظّم أضعف قوتها التفاوضية التي كانت تشكّل أحد الروافد الأساسية لشعبية الحركة البيرونية.
* الحركات الاجتماعية – تشكّل هذه الحركات، مثل «الأحياء الصامدة» و«الوطن الكبير» و«حركة إيفيتا»، التي تضمّ نسبة عالية من عمال القطاع غير المنظّم والعاطلين عن العم، رافداً شعبياً كبيراً ووازناً في المشهد السياسي الأرجنتيني نظراً لقدرتها على التعبئة الاحتجاجية، كما حصل خلال ولاية الرئيس السابق ماوريسيو ماكري. ولكن مع وصول فرنانديز إلى الرئاسة انقسمت هذه الحركات بين مؤيد للرئيس ومعارض لسياساته التي كان يحاول بها استمالة صندوق النقد الدولي والتجاوب مع شروطه.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.