انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين

استفادوا من صعود اليمين المتطرف الذي أضعف المعارضة في العاصمة

انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين
TT

انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين

انتصار انتخابي مهم للبيرونيين رغم اشتداد المصاعب الاقتصادية في الأرجنتين

نجت الحكومة البيرونية في الأرجنتين من كارثة انتخابية معلنة في الشوط الأخير من فرز الأصوات بعد الانتخابات التي أجريت يوم الأحد الفائت، وذلك بعد النتائج الأوليّة التي كانت أسفرت عنها الانتخابات الأوليّة في سبتمبر (أيلول) الماضي والتوقعات التي كانت أجمعت عليها استطلاعات الرأي منذرة بهزيمة مدوّية لحكومة الرئيس ألبرتو فرنانديز.
وبعدما كانت النتائج قبل ساعة واحدة من نهاية فرز الأصوات تشير إلى خسارة الحزب الحاكم الغالبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وقعت المفاجأة التي كانت الحكومة أول ما اندهش لها عندما تمكّن الحزب البيروني من الحفاظ على الغالبية في مجلس النواب بفضل أصوات مقاطعة العاصمة بوينوس آيريس التي تدين تقليدياً بالولاء للمعارضة.
ومن ثم، رغم الهزيمة التي أصيب بها الحزب البيروني وأفقدته الغالبية في مجلس الشيوخ حيث بات مضطراً للتفاوض مع المعارضة حول كل الملفّات الكبرى، جاءت نتيجة هذه الانتخابات المرحلية أقل سوءاً بكثير مما كانت تتوقع حكومة فرنانديز التي ينتظرها مسار صعب حتى انتخابات عام 2023 في خضمّ أزمة اقتصادية طاحنة تتفاقم مفاعليها بلا هوادة منذ ثلاث سنوات.
قبل معرفة نتائج الانتخابات وجّه الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز رسالة متلفزة إلى مواطنيه من القصر الرئاسي دعا فيها المعارضة إلى «حوار واسع ومسؤول حول برنامج اقتصادي متعدد السنوات للخروج من الأزمة».
هذه الأزمة التي ترزح تحتها الأرجنتين منذ سنوات أغرقتها في دوّامة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، التي لم تنجح أي من الحكومات التي تعاقبت عليها في حلّها أو التخفيف من حدّتها. ولقد كرّر فرنانديز «المعزوفة» المعروفة بأن الأرجنتين ستسعى إلى التفاهم على أوسع نطاق ممكن مع صندوق النقد الدولي، لكنها لن تتخلّى عن الأهداف التي وضعتها للنمو الاقتصادي والاهتمام بالطبقات الفقيرة التي تنامت في العقود الثلاثة المنصرمة بسبب الأزمات المالية والاقتصادية المتلاحقة.
وكانت نائبة الرئيس كريستينا كيرشنير، التي تشكّل القوة الوازنة في التحالف الحاكم - وهي التي كانت دفعت بفرنانديز للترشّح في الانتخابات الماضية بعدما كانت قد تولّت هي الرئاسة خلفاً لزوجها -، قرّرت تحاشي الظهور في الخطوط الأمامية إبان الحملة الانتخابية التي وضعت خطوطها العريضة وعناوينها الرئيسية.
- قراءة أولية للنتائج
كما كان متوقعاً فازت جبهة المعارضة «معاً من أجل التغيير» في 13 من أصل 24 محافظة في البلاد، في حين فاز التحالف البيروني في تسع محافظات وذهبت محافظتان إلى القوى والأحزاب المحلية. وأسفرت النتائج النهائية عن حصول التحالف البيروني على 118 مقعداً في مجلس النواب، أي مقعدين أقل من الانتخابات السابقة، مقابل 116 مقعداً لجبهة المعارضة التي زادت مقاعدها واحداً. وفي المقابل، خسر البيرونيون ستة مقاعد في مجلس الشيوخ - ومعها الغالبية - ما يشكّل ضربة لكيرشنير التي ترأس المجلس بحكم موقعها كنائبة لرئيس الجمهورية.
لئن كان التحالف البيروني قد التقط أنفاسه في اللحظات الأخيرة، فإن المعارضة حققت انتصاراً مهماً حيث تجاوزت الحزب الحاكم بما يزيد على تسع نقاط، ما يفتح أمامها الباب واسعاً للفوز في الانتخابات الرئاسية بعد سنتين. ويعود الفضل الرئيس في النتائج التي حققتها المعارضة إلى رئيس بلدية العاصمة هوراسيو رودريغيز لاريتا، الذي يشقّ طريقه بثبات كمرشّح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة. وكان لافتاً أن الرئيس اليميني السابق ماوريسيو ماكري، الذي شارك في حملة المعارضة الانتخابية، اكتفى بالمراقبة ولم يصدر عنه أي تصريح.
وفي قراءة أولى لنتائج هذه الانتخابات التي توقّع كثيرون أن تكون بداية انهيار التحالف البيروني الحاكم، يرى المراقبون أن صمود هذا التحالف يعود إلى المناورات التي قامت بها كريستينا كيرشنير خلال الأشهر المنصرمة عندما طلبت من فرنانديز في رسالة مفتوحة إقالة رئيس الحكومة ومساعده الأقرب سانتياغو كافييرو، وفرضت تعويضه بحاكم ولاية توكومان (شمال غربي البلاد) خوان لويس منصور (المتحدر من أصل لبناني). وشكّل وصول منصور إلى رئاسة الحكومة اتجاهاً سريعاً وواضحاً للخطاب البيروني نحو الجذور الشعبوية واليسارية للحركة التي أسسها الجنرال خوان دومينغو بيرون... التي تعتبر كريستينا كيرشنير أنها اليوم وحدها مَن يجسّد رؤية بيرون وإرثه.
- صعود اليمين المتطرف
غير أن المفاجأة التي لم يكن أحد يتوقعها في هذه الانتخابات - وهي التي حالت دون تحقيق المعارضة نصراً ساحقاً في العاصمة - كانت دخول الحزب اليميني المتطرف «الحرية تتقدّم» إلى البرلمان بعد نيله 17 في المائة من الأصوات وفوزه بخمسة مقاعد للمرة الأولى في مجلس النواب.
وفي أول تصريح له بعد الفوز قال زعيم هذا الحزب خافيير ميلاي: «شكراً للنفوس الحرّة، شكراً للأسود الأبطال على هذا الزئير»، ورفض دعوة رئيس الجمهورية ألبرتو فرنانديز إلى الحوار أمام أهازيج أنصاره الذين يتميّزون بكون معظمهم من الشباب دون الثلاثين من العمر. وقال ميلاي: «لقد أزف الوقت لدفن كل الذين أوصلونا إلى هذا البؤس والفقر والتخلّف أمام أعين العالم». ودعا إلى «الكفّ عن نبش الماضي» في إشارة صريحة إلى الجرائم والتجاوزات التي ارتكبها النظام العسكري الديكتاتوري الأخير في الأرجنتين.
تجدر الإشارة، إلى أن صعود هذا الحزب ودخوله البرلمان للمرة الأولى كقوة تملك القدرة على ترجيح كفة الغالبية، يثير قلقاً في أوساط منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والمطالبة بكشف جرائم النظام العسكري الأسبق ومحاسبة قياداته، وأيضاً المخاوف من اتساع رقعة نفوذه التي ما زالت مقصورة إلى اليوم على العاصمة وضواحيها. وكان ميلاي قد ردّد خلال الحملة الانتخابية إعجابه بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو.
في غضون ذلك، ما تزال المعارضة مترددة في التجاوب مع دعوة فرنانديز للحوار والاتفاق حول البرنامج الاقتصادي للسنوات المقبلة على أبواب جولة جديدة وفاصلة مع صندوق النقد الدولي لجدولة ديون الأرجنتين التي تتجاوز 55 مليار دولار. ويذكر أن الصندوق يشترط لجدولتها حزمة من التدابير التقشفية التي يعرف فرنانديز أن انفراده بقرار اتخاذها سيقضي نهائياً على حظوظ التحالف البيروني في الانتخابات الاشتراعية والرئاسية المقبلة.
- ردود الفعل
حتى اللحظة اقتصرت ردود الفعل الأولى من المعارضة على دعوة فرنانديز للحوار، على اشتراط التجاوب بإعلان صريح من نائبة الرئيس توافق فيه على الخطة المتعددة السنوات وتتعهد باحترام بنودها، وبموقف علني من التحالف البيروني يعترف فيه بخسارته الانتخابات الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أنه سبق لكيرشنير، التي تتزعّم الجناح اليساري والنقابي في الحركة البيرونية، أن عارضت بشدّة الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي عندما كانت تتولّى الرئاسة.
ويعود حذر المعارضة في مقاربة دعوة فرنانديز للحوار إلى عمق الصراعات الداخلية في الحركة البيرونية، والمخاوف من مناورات كيرشنير التي استطاعت حتى الآن أن تُملي على الرئيس كل القرارات التي أرادتها، ولأنها لا تريد له أن يسجّل أي انتصار بارز رغبة منها في العودة إلى الترشّح للرئاسة بعد سنتين.
مع هذا، لا يستبعد المراقبون أن يتجاوب فرنانديز مع الشروط التي وضعتها المعارضة للتجاوب مع الدعوة للحوار، لأن الوضع الاقتصادي ما عاد يحتمل أي تأجيل أو مماطلة مع تجاوز معدّل التضخم 50 في المائة سنوياً، وتراجع قيمة العملة الوطنية (البيزو) كل يوم أمام الدولار الأميركي، الذي بات عملة التداول الشائعة في البلاد. وهذا، فضلاً عن أن اضطرار المصرف المركزي لتقييد عمليات شراء النقد النادر وبيعه ما عاد كافياً لوقف نزيف احتياطه من العملات الصعبة.
كل ما تقدم يجعل من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي النور الوحيد الذي يراه الأرجنتينيون في نهاية نفق الأزمة، التي يقول كثيرون إن جذورها تضرب في عمق «الظاهرة البيرونية» التي ما زال المحلّلون والمؤرّخون يحارون في الإحاطة بها وتحديد مشاربها وتشعّباتها رغم مئات المؤلّفات التي وضعت حولها.
- ما هي البيرونية؟
في الواقع، البيرونية متعددة الأصول والمشارب، وهي حركة بقدر ما هي حزب أو تيّار سياسي... أنصارها يقولون إنها جالة نفسية وشعور عميق بالانتماء، وكفى. أما مناهضوها فيصفونها بأنها «سرطان يغرق الأرجنتين في فوضى لا قاع لها منذ سبعين سنة».
لكن مَن هي شخصيات الصّف الأمامي اليوم والتيارات المتصارعة داخل هذه الحركة التي أسسها الجنرال والسياسي والكاتب خوان دومينغو بيرون، الذي تولّى رئاسة الأرجنتيني ثلاث مرات، ثم خلفته زوجته الثانية قبل أن تنهي أيامها في المنفى، وبعدما تحوّلت زوجته الأولى «إيفيتا» (إيفا) إلى أسطورة عجز حتى دييغو مارادونا عن مجاراة تأثيرها في الوعي الجماعي الأرجنتيني؟
الحكومة التي يقودها اليوم ألبرتو فرنانديز لا تقوم على تحالف بين أحزاب وقوى سياسية، بل بين التيارات الداخلية في الحركة البيرونية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بالوسط والاتحادات النقابية. وهي حركة وطنية بلغت من الامتداد والقوة ما سمح لها أن تكون غالباً في الحكم وفي المعارضة في آن معاً. والحكومة الراهنة ليست سوى اختبار من أجل وضع حد لهذا الانفصام السياسي الذي يتملّك الأرجنتين منذ عقود.
يجمع هذا الاختبار بين ثلاث قوى أساسية هي: التيّار الذي تتزعّمه الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنير التي تتولّى حالياً منصب نائب رئيس الجمهورية، والتيّار الذي يقوده سرجيو ماسّا الرئيس الحالي لمجلس النواب، والتيّار الذي يرأسه أستاذ العلوم الاقتصادية ألبرتو فرنانديز الذي اختارته كيرشنير ليكون رئيساً للجمهورية وتكون هي نائباً له. ويضاف إلى هذه التيّارات الثلاثة مجموعة من القوى المحلية التي تتمتع بوزن سياسي واقتصادي كبير، والحركات النقابية التقليدية والاجتماعية، وعدد من حكّام الولايات النافذين ومجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان تتماهى مع السياسة التقدمية للحكومة.
أولى بوادر التصدّع في هذا الاختبار ظهرت في أعقاب الهزيمة التي مُني بها التحالف الحاكم في انتخابات سبتمبر (أيلول) الفائت، والتي كشفت الصراع الذي لم يكن خافياً على أقطاب الحركة... وهو الصراع الذي يحاول فرنانديز تغطيته بدعوة المعارضة إلى الحوار من موقع المنتصر في انتخابات تعتبر المعارضة أنه خسرها.
لهذا السبب لن تتجاوب المعارضة بسهولة مع هذه الدعوة التي ترى أن الرئيس يهدف منها إلى «كسب الوقت» من أجل محاولة «ترتيب البيت البيروني» الذي يفتقر منذ سنوات إلى قيادة قوية وجامعة، كتلك التي كان يتمتع بها مؤسس الحركة... ومن ثم، إلى توزيع الأضرار التي لا بُد أن تحملها شروط صندوق النقد الدولي لإنقاذ الأرجنتين من كارثة اقتصادية أخرى تدقّ على الأبواب.
- أقطاب الحركة البيرونية... ومفاتيح قوتها
* ألبرتو فرنانديز - الرئيس الحالي للجمهورية، الذي انتخب في العام 2019 لفترة أربع سنوات. أمضى فرنانديز حياته المهنية في التعليم الجامعي إلى أن عيّنه الرئيس الأسبق نستور كيرشنير رئيساً للوزراء في عام 2003، وهو منصب لا يحمل أي سلطة تنفيذية في النظام الأرجنتيني الرئاسي، لكنه الأقرب إلى رئيس الجمهورية. ولقد استمر في منصبه طوال ولايتين، ثم التحق بكريستينا كيرشنير قبل أن يستقيل بعد سنة واحدة بسبب خلافه معها، ويتحوّل بعد ذلك إلى أشرس خصومها وأشدهم انتقاداً لها. غير أن الأمور سوّيت بين الاثنين عندما طلبت إليه في عام 2019 أن يترشّح لمنصب رئاسة الجمهورية إلى جانبها وتكون هي نائبة له. يمثّل فرنانديز ما يُطلق عليه مسمى «البيرونية الحضرية» التي انبثقت من المحيط الجامعي، وهي بيرونية تقدميّة المعتقد لكنها ليست ثورية.
راهناً يفتقر فرنانديز إلى قاعدة شعبية واسعة، داخل الحركة إذ تراجعت شعبيته وتأثرت سلباً من إدارة جائحة كوفيد – 19، وكذلك الأزمة الاقتصادية والهزيمة في الانتخابات الأولية.
* كريستينا كيرشنير – تشغل حالياً منصب نائب الرئيس، وسبق أن تولّت رئاسة الجمهورية من عام 2007 إلى عام 2015. إنها حجر الزاوية في التحالف الحاكم، وهي التي طلبت إلى فرنانديز الترشّح للرئاسة بعدما كان ألدّ خصومها داخل الحركة، ومدّت يدها إلى خصم آخر من قادة الحركة هو سرجيو ماسا الذي كان أيضا رئيساً للوزراء معها، وهو يشغل حالياً منصب رئيس مجلس النواب. تمثّل كيرشنير الجناح اليساري في الحركة البيرونية، الذي أسسّه زوجها الراحل نستور الذي تعتبر نفسها الوريث الطبيعي له.
* سرجيو ماسّا – يقود ماسّا التيّار الثالث في التحالف الحاكم، وهو كان قد انشقّ عن كريستينا كيرشنير في عام 2010 ليؤسس «جبهة التجديد» في العاصمة ومحيطها. ومن ثم، تمكّن من تشكيل كتلة برلمانية مستقلّة قبل أن يترشّح إلى الانتخابات الرئاسية في عام 2015 تحت شعار محاربة الفساد واعداً في حال فوزه بزجّ كريستينا كيرشنير في السجن. إلا أن ماسّا حلّ ثالثاً في تلك الانتخابات التي فاز بها اليميني ماوريسيو ماكري، وجاء فيها ثانياً المرشّح الذي كانت تدعمه كيرشنير. وهكذا، كانت عودته إلى صفوف الرئيسة السابقة ضربة انتخابية ناجحة بعد العداء الذي كان مستحكماً بينهما. وفي انتخابات عام 2019 حصل ماسّا على 52 في المائة من الأصوات وشكّل أكبر كتلة برلمانية حملته إلى رئاسة مجلس النواب التي يتولّاها حالياً.
* حكّام المحافظات – أكثر من نصف المحافظات الأرجنتينية يحكمها بيرونيّون ينتمون إلى مشارب عقائدية متنوعة، ويتوزّع ولاؤهم حالياً بين الرئيس ونائبته، ويلعب هؤلاء دوراً أساسياً في تحديد قدرة رئيس الجمهورية على إدارة البلاد. كانت كريستينا كيرشنير قد فرضت على فرنانديز الاستعانة بتيّار الحكّام عندما طالبته بتعيين خوان لويس منصور، حاكم محافظة توكومان، رئيساً للوزراء بعد الهزيمة في الانتخابات الأولية... وذلك بهدف تعزيز نفوذ الحركة في المناطق البعيدة عن العاصمة.
* النقابات – تنقسم النقابات بين تيّار تقليدي مستقلّ وآخر مؤيد لكريستينا كيرشنير، وهي تمثّل غالبية القطاعات المهنية في البلاد. تشكّلت النقابات الأرجنتينية مطالع أربعينيات القرن الماضي على عهد خوان دومينغو بيرون، وهي تضمّ حوالي 40 في المائة من العمّال في القطاع المنظّم، وتعتبر من أقوى النقابات في أميركا اللاتينية والمعقل الأخير للحركة البيرونية التقليدية التي قامت على فكرة مجتمع أساسه العمل المقتبسة من الدستور الإيطالي. إلا أن الأزمات الاقتصادية المتعاقبة وانتقال ملايين العمال إلى القطاع غير المنظّم أضعف قوتها التفاوضية التي كانت تشكّل أحد الروافد الأساسية لشعبية الحركة البيرونية.
* الحركات الاجتماعية – تشكّل هذه الحركات، مثل «الأحياء الصامدة» و«الوطن الكبير» و«حركة إيفيتا»، التي تضمّ نسبة عالية من عمال القطاع غير المنظّم والعاطلين عن العم، رافداً شعبياً كبيراً ووازناً في المشهد السياسي الأرجنتيني نظراً لقدرتها على التعبئة الاحتجاجية، كما حصل خلال ولاية الرئيس السابق ماوريسيو ماكري. ولكن مع وصول فرنانديز إلى الرئاسة انقسمت هذه الحركات بين مؤيد للرئيس ومعارض لسياساته التي كان يحاول بها استمالة صندوق النقد الدولي والتجاوب مع شروطه.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.