«الوباء يدقّ مجدداً على الأبواب، والسلاح الوحيد المتوفّر إلى الآن لصدّه هي اللقاحات». بهذه العبارات وصفت المفوّضة الأوروبية للشؤون الصحية ستيلّا كيرياكيديس، أمس، المشهد الوبائي الذي يتفاقم في أوروبا منذ أيام، بوتيرة أعادت إلى الأذهان السيناريو المأساوي الذي عاشته بلدان الاتحاد الأوروبي خلال ربيع العام الماضي في بداية الجائحة.
واعتبر هانز كلوغه، مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في أوروبا، أن القارة تواجه «شتاء قاسياً». وقال إن «حالة الطوارئ الصحية العامة لم تنتهِ بعد، والارتفاع الحالي للحالات في معظم بلدان المنطقة، الناجم عن مزيج من تغطية لقاحية غير كافية، وتخفيف التدابير الوقائية، وانتشار متحوّر (دلتا) الأكثر قابلية للانتقال، يظهر أننا نواجه شتاء قاسياً».
بدورها، وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الوضع في بلادها بـ«المأساوي» أيضاً، إذ واصلت تحطيم الأرقام القياسية في أعداد الإصابات اليومية الجديدة، والوفيّات التي زادت يوم الأربعاء عن 300 وفاة. وتشهد ارتفاعاً كبيراً في معدّل الإصابات بين الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر. وضاعف هذا الارتفاع المعدّل الوطني الذي وصفه خبراء معهد «روبرت كوخ» بأنه مدعاة للقلق، ويستدعي أقصى درجات الحذر والإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة لاحتوائه. وكان معهد روبرت كوخ الذي يرصد تطور الجائحة في ألمانيا أفاد أمس (الخميس) أن عدد الإصابات اليومية الجديدة سجّل رقماً قياسياً جديداً تجاوز 65 ألف إصابة، فيما بلغت الإصابات الأسبوعية المتراكمة 337 لكل 100 ألف مواطن.
وإزاء الانفجار الذي تشهده ألمانيا في عدد الإصابات الجديدة، دعت ميركل أمس إلى فرض الاختبارات، حتى على الملقّحين، في حال اقتربت وحدات العناية الفائقة في المستشفيات من الحد الأقصى لقدراتها الاستيعابية، وطلبت من أحزاب الائتلاف الحكومي الجديد صرف النظر في الوقت الراهن عن خطة الإعلان عن نهاية حالة الطوارئ في نهاية الأسبوع المقبل.
إلى جانب ذلك، أوصت لجنة التلقيح الألمانية بإعطاء الجرعة الإضافية من اللقاح إلى كل الذين تجاوزوا الثامنة عشرة من العمر، وأن تكون من أحد اللقاحين بتقنية مرسال الحمض الريبي النووي من إنتاج «فايزر» و«مودرنا».
وفي النمسا، يتجّه الوضع الوبائي نحو الخروج عن السيطرة كل يوم، رغم التدابير الجذرية التي اتخذتها الحكومة بفرض العزل التام على غير الملقحين، وإلزامية اللقاح والاختبارات السلبية لارتياد الأماكن العامة ومزاولة المهن الأساسية. وكانت وزارة الصحة النمساوية أفادت أمس أن المعدل التراكمي للإصابات الأسبوعية تجاوز 600 إصابة لكل 100 ألف مواطن، فيما أشار وزير الصحة أنه يدرس إمكانية فرض حظر التجوّل الليلي الذي لم يسبق أن فرضته النمسا منذ بداية الجائحة، في الوقت الذي بدأت الأوساط العلمية تنادي بفرض الإقفال العام لاحتواء هذه الموجة الجديدة وتخفيف الضغط المتزايد على وحدات العناية الفائقة في المستشفيات.
وفي تطور لافت، أعلنت نقابة موظفي الشرطة والأجهزة الأمنية في النمسا أنها ستمتنع عن مراقبة امتثال المواطنين للتدابير التي فرضتها الحكومة مؤخراً مثل العزل التام لغير الملقحين، وقال ناطق باسم النقابة إنهم سيشاركون غداً (السبت) في المظاهرة التي ستشهدها العاصمة فيينا ضد تلك التدابير.
وفي سلوفينيا، ارتفعت نسبة الاختبارات الإيجابية إلى 50 في المائة، في الوقت الذي أصبحت المنظومة الصحية عاجزة عن استقبال مزيد من الإصابات التي تستدعي العلاج في المستشفيات. وبينما أعلنت الحكومة البلجيكية فرض العمل عن بُعد، 4 أيام في الأسبوع وإلزامية الجرعة الإضافية من اللقاح للجميع، أعلنت وزارة الصحة السويدية أنها تتوقع بلوغ الموجة الوبائية الجديدة ذروتها أواسط الشهر المقبل، وأنها ستفرض شهادة التلقيح في التجمعات التي تزيد عن 100 شخص اعتباراً من مطلع ديسمبر (كانون الأول).
من جهته، قال الناطق بلسان الحكومة الفرنسية غابرييل آتّال، إن فرنسا دخلت في الموجة الوبائية الخامسة بعد ارتفاع مطّرد في عدد الإصابات الجديدة، يزيد عن 45 في المائة أسبوعياً منذ بداية الشهر الحالي، ودعا إلى الإقبال على تناول الجرعة الإضافية من اللقاحات، والاستعداد للعودة إلى تشديد تدابير الوقاية والاحتواء إذا لم يطرأ تحسّن ملموس على المشهد الوبائي في الأيام المقبلة.
وفي إيطاليا حيث تضاعف عدد الإصابات اليومية في أقل من أسبوعين ليزيد أمس عن 10 آلاف للمرة الأولى منذ شهر مايو (أيار) الماضي، قال المفوّض الحكومي المكلّف إدارة الطوارئ الصحية، فرنشيسكو فيليولو، إن الفيروس خسر كثيراً من قدرته على الفتك بفضل اللقاحات، لكنه ما زال يتمتع بقدرة على الانتشار، تتضاعف مع التراخي في تدابير الوقاية والقيود الاجتماعية. وكان وزير الصحة روبرتو سبيرانزا ذكّر أن هذا العدد من الإصابات سجّلته إيطاليا في الربيع الماضي عندما كان الوباء في مرحلة الانحسار، بينما هو اليوم في الاتجاه المعاكس وبوتيرة أسرع رغم التغطية اللقاحية التي بلغت 84 في المائة من السكان البالغين.
في غضون ذلك، عادت التجاذبات السياسية لترخي بثقلها على تدابير التصدّي للجائحة؛ حيث أعربت الأحزاب اليسارية عن تأييدها لخطوة فرض العزل على الرافضين تناول اللقاح، فيما أعلنت الأحزاب اليمينية عن رفضها لهذا التدبير ودعت إلى تكثيف جهود الإقناع والتحفيز لبلوغ التغطية اللقاحية المستوى الكافي لتحقيق المناعية الجماعية.
أوروبا تواجه «شتاء قاسياً» مع اتساع تفشي «كورونا»
دول تبحث فرض العمل عن بُعد وشهادات التلقيح وإغلاقات
أوروبا تواجه «شتاء قاسياً» مع اتساع تفشي «كورونا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة