حول العالم في 30 يومًا.. بالدرجة الأولى

كافيار وحمام ساخن وتدليك بـ36 ألف دولار

شاطئ سيدني الشهير
شاطئ سيدني الشهير
TT

حول العالم في 30 يومًا.. بالدرجة الأولى

شاطئ سيدني الشهير
شاطئ سيدني الشهير

عادت الدرجة الأولى على الرحلات الطويلة لشركات الطيران العالمية إلى عصرها الذهبي في تقديم الأفضل والأكثر فخامة لركابها بعد مرحلة كادت فيها أن تنقرض بعد الأزمة المالية في عام 2008 التي تجنب المسافرون بعدها ركوب الدرجة الأولى. ولكن الوضع تغير هذا العام، حيث تتيح شركات الطيران حاليا نسبة 30 في المائة من المقاعد الإضافية للدرجة الأولى عما كان عليه الوضع في عام 2010.
وتقود شركات خليجية مثل «طيران الإمارات» و«الاتحاد» و«القطرية» الانطلاق نحو المزيد من الفخامة بتقديم خدمات متنوعة تشمل تقديم الكافيار والتدليك وكافيتيريا مشروبات لكل راكب في الدرجة الأولى. كما قامت الخطوط البريطانية مؤخرا بتحديث وإعادة تصميم الدرجة الأولى على كل طائراتها بتكلفة وصلت إلى 100 مليون إسترليني (150 مليون دولار) رغم أن عمر تجهيزات الدرجة الأولى الحالية لا يزيد على 3 سنوات. وأكدت وكالة تصميم ديكورات داخلية في بريطانيا أنها قامت أيضا بتحديث الدرجات الأولى على متن طائرات شركات إيرفرانس ولوفتهانزا والقطرية والسويسرية.
وهناك من الشركات ما يوفر خدمات أعلى من الدرجة الأولى، مثل شركة الاتحاد التي تعمل من مقرها الرئيسي في أبوظبي؛ فهي تقدم خدمات «ريسدنس» وهو جناح خصوصي به حمام خاص ودوش وغرفة نوم مزدوجة وغرفة استقبال. ويخدم الجناح مضيف خاص تلقى تدريبه في فندق سافوي اللندني. وتتكلف الرحلة من أبوظبي إلى لندن نحو 22 ألف دولار في اتجاه واحد.
ولا تبدأ الفخامة في الجو وإنما في المطار وقبل الإقلاع وبعده. وتوفر قاعات كبار الزوار كل ما يحتاج إليه المسافر من خدمات حتى من قبل الإقلاع، وهناك مطعم 5 نجوم مجهز للخدمة على مدار الساعة ويمكن فيه تناول وجبة ساخنة بخدمة مضيفات وبوقت سريع إذا كان موعد الإقلاع بعد أقل من ساعة. هناك أيضا إمكانية الاسترخاء وقراءة الصحف والمجلات المجانية أو خدمات الاتصال بالإنترنت أو الاستمتاع بحمام ساخن أو مساج. ويتم الانتقال إلى الطائرة في بعض الأحيان من القاعة مباشرة بحيث يتجنب المسافر ازدحام الدرجات الأدنى مثل درجة الأعمال والسياحية.
والقيام برحلة افتراضية حول العالم في الدرجة الأولى يتيح فرصة تجربة ما تقدمه كل شركة ومقارنة الخدمات المختلفة التي تقدمها الشركات المختلفة. وتستغرق الرحلة حول العالم نحو 4 أيام من الطيران المتواصل يتم خلالها تبديل 5 طائرات. وتبدأ الرحلة من منطقة الخليج إلى سنغافورة ثم أستراليا ثم الولايات المتحدة، ومنها إلى بريطانيا ثم العودة إلى منطقة الخليج مرة أخرى.
وقبل القيام بالرحلة لا بد من الإشادة بالفخامة التي تقدمها أحدث الطائرات العملاقة، وهي إيرباص «إيه 380» حيث تتخطى المساحات والخدمات الممكنة على متن هذه الطائرة كل ما يمكن تقديمه على الطائرات الأخرى. وهي أيضا تطير باستقرار تحسد عليه وتمر بسلاسة من معظم المطبات الهوائية.
وبالمقارنة، فإن الشركة القطرية توفر مساحات شاسعة لركاب الدرجة الأولى في الطابق الأعلى لطائراتها من طراز 380؛ فالدرجة الأولى كلها تتكون من 8 مقاعد فقط مقابل 10 مقاعد على طائرات الاتحاد و12 مقعدا على طيران سنغافورة و14 مقعدا على معظم الشركات الأخرى. ويتم تنسيق المقاعد على متن القطرية لكي تتحول إلى أسرّة بجوار النوافذ بحيث يمكن للراكب مشاهدة الكثير من المشاهد الطبيعية في رحلاته الآسيوية والمدارية حول العالم. أما الخطوط البريطانية فتنسق المقاعد بزوايا تتجه إلى الداخل لتحرم بذلك ركاب الدرجة الأولى من التمتع بمشاهد النوافذ أثناء السفر. وبالطبع لا مقارنة هناك بين المناخ الوثير الذي تتمتع به الفئة المحظوظة في الطابق الأعلى من الطائرات العملاقة وبين المقاعد المتلاصقة لنحو 300 راكب في الدرجة السياحية في الطابق الأسفل من الطائرة. في الطابق الأعلى يمكن طلب الطعام والشراب وقتما يحتاج إليه الراكب وليس في وقت محدد تقرره الشركة. كما يعد أطعمة الدرجة الأولى فريق من الطباخين المهرة الحاصلين على أعلى درجات التفوق من مؤسسة ميشلان. ويمكن القول إن ظهور شركات الطيران الخليجية مثل الإمارات والاتحاد والقطرية غير من مفاهيم الفخامة في الدرجة الأولى عالميا ووضع معايير أعلى للشركات الدولية الأوروبية والأميركية والآسيوية. وتعاني الشركات الأوروبية حاليا من ضغط مزدوج من شركات الطيران الرخيص في قاع السوق وفخامة الشركات الخليجية في قمة السوق. ويمكن لهذه الشركات الخليجية أن تفخر بأنها حولت المنطقة إلى مركز طيران دولي بين الشرق والغرب يلجأ إليه من يريد الطيران السريع أو الفاخر من أوروبا إلى آسيا وبالعكس. وقبل سنوات قليلة كانت الشركات الخليجية الثلاث تقوم بنحو 20 ألف رحلة طيران سنويا من الخليج إلى أوروبا وآسيا وبالعكس، أما الآن فهي تنظم 37 ألف رحلة، سوف تصل إلى 40 ألف رحلة هذا العام، بعضها يبدأ من أوروبا وينتهي في شرق آسيا.
وتعد شركة طيران الإمارات الأولى عالميا في طول رحلاتها وعدد ركابها بمقياس الراكب لكل كيلومتر. ويصل هذا الرقم إلى 215 مليار راكب - كيلومتر مقابل 150 مليارا لأقرب منافسين لها وهما شركتا يونايتد ولوفتهانزا. وليس من الغريب بعد ذلك أن ينتزع مطار دبي لقب أكبر مطارات العالم من حيث عدد الركاب من مطار هيثرو اللندني. ويتعامل مطار دبي حاليا مع 71 مليون مسافر سنويا مقابل 69 مليونا لمطار هيثرو، الذي هبط الآن إلى المركز الثاني عالميا.
المثير في السفر الجوي على الدرجة الأولى هو تعدد المشاهير والأثرياء والنجوم الذين يقابلهم المسافر في رحلاته. بعض هؤلاء قد يكون في رحلات عمل بين فروع الشركات التي يديرها والبعض الآخر قد يكون في رحلات ترفيهية بعد شهور عمل متواصلة. ولا تختفي روح المنافسة بين هؤلاء حتى في رحلات وثيرة يتوفر لديهم فيها كل ما يخطر على البال من خدمات، فالبعض منهم يتنافس على المقعد رقم «1 إيه» الذي يقع في مقدمة الدرجة الأولى!

الرحلة الأولى
من دبي إلى سنغافورة
طيران الإمارات
(4710 دولارات)
بالإضافة إلى وجود الكافيار وأشهى الأطعمة هناك أيضا فرصة لدوش بارد أو ساخن قبيل الوصول، ويقع الحمام في مقدمة الطائرة في الطابق الأعلى وتخدمه مضيفة خاصة توفر المناشف النظيفة للركاب. ويجد المسافر أرضية حمام ساخنة لتغيير ملابسه وأيضا مجفف للشعر. ويخرج منتعشا تماما من التجربة بعد فترة نوم خلال فترات الرحلة. ويتلقى المسافر حقيبة تواليت فاخرة تحمل علامة «بلغاري». وبعد الحمام يتوجه الراكب إلى مقعده حيث يجد مشروبا منعشا من النعناع والليمون ومعه كوب من الكابوتشينو عليه علامة «الإمارات» مرسومة بالشوكولاته على سطحه.

الرحلة الثانية
من سنغافورة إلى سيدني
طيران سنغافورة
(3787 دولارا)
تبدأ الرحلة إلى أستراليا من مطار شانغي الذي يتاح فيه مبنى خاص بركاب الدرجة الأولى على خطوط سنغافورة. وتتم عملية التسجيل لرحلة سيدني في دقائق معدودة وبلا متاعب. ويدخل المسافرون إلى المبنى عبر بوابات فحص الجوازات الخاصة بهم حيث يجدون سرعة التعامل والمعاملة الجيدة. ويتم اصطحاب ركاب الدرجة الأولى، وعددهم 10 ركاب، إلى غرف خاصة بهم ويتم استعراض قائمة الطعام لهم وتشمل «لوبستر ونودلز». ثم يسترخى الركاب في مقاعد مريحة حتى موعد الرحلة. وفي 3 دقائق يتم عبور قاعة المطار إلى البوابة ومنها إلى الطائرة بلا حاجة إلى الوقوف في أي طوابير. الرحلة إلى أستراليا بها كل ما يتوقعه المسافر خصوصا المقاعد الوثيرة التي تتحول إلى أسرة مريحة.

الرحلة الثالثة
من سيدني إلى لوس أنجليس
شركة كوانتاس الأسترالية
(5070 دولارا)
غيرت شركة كوانتاس مؤخرا شراكتها مع الخطوط البريطانية التي استمرت 17 عاما وانتقلت إلى شراكة مع طيران الإمارات. وهي شراكة توفر لشركة الإمارات السعة والفروع في خدمة الشرق الأقصى، ولكوانتاس مركز يغطي كل أوروبا من دبي. وفي مطار سيدني يقدم الشيف نييل بيري صاحب أشهر مطعم في المدينة قائمة طعام متنوعة تشمل جوز الهند المشوي. ورغم عدم وجود كافيار على متن كوانتاس فإن المسافر يحصل على حقيبة تواليت يابانية وبيجاما للنوم عليها رسم كنغارو. وتتميز الشركة أيضا بطعامها الشهي وفق طلب المسافر.

الرحلة الرابعة
من لوس أنجليس إلى لندن
الخطوط البريطانية
(12.640 دولارا)
تعد الخطوط البريطانية من أقدم شركات الطيران في العالم وهي تعرف أصول الضيافة وإن كانت باهظة الثمن بالمقارنة مع المنافسة. في صالة كبار الزوار في لوس أنجليس توجد كل الخدمات المعهودة التي يتوقعها ركاب الدرجة الأولى بالإضافة إلى خروج الطيار نفسه لتقديم نفسه إلى الركاب وتحيتهم وتجاذب أطراف الحديث معهم. وتعتمد الخطوط البريطانية في تصميم مقصورة الدرجة الأولى التي تضم 14 مقعدا على التصميم المفتوح حتى لا يشعر أي راكب بأنه محبوس في ركن ضيق. وتعتمد المقصورة على الألوان الداكنة والأضواء الخافتة. وتشمل قائمة الطعام السالمون الاسكوتلاندي وفطائر التفاح بالزنجبيل. ولدى الوصول إلى الصالة الخامسة في مطار هيثرو يمكن التمتع بضيافة صالة كبار الزوار حتى موعد الرحلة التالية.

الرحلة الخامسة
من لندن للدوحة
الخطوط القطرية
(6403 دولارات)
وهي رحلة يتوافر على متنها الكافيار وتضم الدرجة الأولى 8 مقاعد فقط في الطابق العلوي الطائرة العملاقة إيرباص 380. ويحصل كل راكب على حقيبة تواليت من «أرماني»، ويستمتع بأكبر المقاعد مساحة (المقعد الواحد يوازي مساحة 9 مقاعد في الدرجة السياحية) ويتمتع بوجبات متنوعة في الوقت الذي يطلبه. وتوفر الخطوط القطرية خدمة لا تقل فخامة عن المنافسة وتتفوق عليها أحيانا.
إن الرحلة حول العالم تستغرق عدة أيام وتقطع مسافة 26 ألف ميل وتتكلف نحو 30 ألف دولار، ولكن هناك بعض الملاحظات؛ فمعظم الرحلات تطير بمقاعد مشغولة في الدرجة الأولى، وهذا يعني وجود الطلب على هذه المقاعد رغم ثمنها الباهظ. ويمكن توفير الكثير من هذا الثمن بتخطيط الرحلة مع خبير حجز تذاكر يمكنه أن يحصل على بعض الحسوم. كذلك تقترب الخدمة كثيرا في درجة رجال الأعمال من مستواها في الدرجة الأولى رغم فارق الثمن الكبير. وإذا كان الحمام أثناء الرحلة يهمك، فهو متاح فقط على شركتي الإمارات والاتحاد.
وفيما تتفوق جميع الشركات في تقديم خدمات الأولى، فإن الانطباع السائد أن بعض الشركات الغربية اضطرت إلى مجاراة مستويات الخدمة التي تقدمها الشركات الخليجية التي ارتقت بالدرجة الأولى إلى مستويات غير مسبوقة منذ بداية عصر الطيران الحديث.
هذه الرحلة حول العالم يمكن القيام بها عبر أي فترة زمنية يمكن أن تصل إلى عام كامل مع التوقف في مدن حول العالم. وهناك من وكالات السفر ما يمكنه توفير هذه الخدمة.



جنوب سردينيا القسم الجميل والمهمل في إيطاليا

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
TT

جنوب سردينيا القسم الجميل والمهمل في إيطاليا

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)

كان الضجيج نادراً في جنوب سردينيا منذ مدة طويلة، يقول البعض ربما منذ انحدار الحضارة النوراجية من العصر البرونزي في المنطقة. ومع ذلك، في ثاني أكبر جزيرة إيطالية، حيث تفوق الأغنام عدد السكان إلى حد كبير، هناك طاقة جديدة لا لبس فيها في «كالياري»، عاصمة البحر الأبيض المتوسط الصغيرة، والريف المحيط بها.

تشتهر سردينيا بطبيعتها وشواطئها الجميلة (نيويورك تايمز)

يقول المؤرخ المحلي فينتورينو فارغييو، بينما كنا نشاهد احتفال الأزياء الشعبية السنوي في سانت إفيزيو في المدينة: «لقد اعتدنا أن نعدّ أنفسنا ريفيين، معزولين في هذه الجزيرة النائية. لكن سكان سردينيا بدأوا يدركون أن ثقافتنا لها قيمة حقيقية بالنسبة إلينا وللأجانب».

في كالياري، هناك زيادة في الفخر، إلى جانب موجة من التنمية الجديدة، أغلبها يهدف إلى زيادة الأعداد المتزايدة بالفعل من السياح. في حي مارينا الذي يتغيّر بسرعة، وهو معقل سابق لصيادي الأسماك، صار اليوم مزيجاً نابضاً بالحياة من المهاجرين والمقيمين منذ مدة طويلة، سوف يُنشئ متنزه، جرى تصميمه من قبل المهندس المعماري «ستيفانو بويري»، حديقة مورّقة على طول الواجهة البحرية. سوف يوصل خط قطار خفيف المارينا بضواحي كالياري، ويجري إنشاء ميناء جديد، من المتوقع أن يكون عام 2026 لنقل سفن الرحلات البحرية بعيداً، ما يسمح للسفن الشراعية بالرسو (وإنفاق الأموال) في وسط كالياري.

«لاي» من أشهر الأجبان في جنوب سردينيا (نيويورك تايمز)

بالنسبة إلى كالياري والجنوب الذي يمتد على طول ساحل رملي أبيض وبحر أزرق من الشواطئ الخلابة يمكن أن يثبت المد السياحي إما أنه مدمر وإما أنه نعمة للمنطقة التي تعاني من نقص الفرص. منذ عقود مضت، أصبحت «كوستا إزميرالدا» في شمال سردينيا ملعباً ومنتجعاً للأثرياء مثل ميلانو على البحر الأبيض المتوسط التي ترمز إلى كيفية استعمار السياح لمنطقة ما.

جبن محلي الصنع في سردينيا (نيويورك تايمز)

لكن هل يمكن إنشاء صورة أكثر انسجاماً من السفر في الجنوب؟ مع السياحة المفرطة التي أصبحت الآن لعنة عديد من المواقع الإيطالية، زرت المنطقة وسألت السكان المحليين: ما الذي قد يشكّل مستقبلاً أفضل؟

قال سامويلي موسكاس، أحد مؤسسي «سابوريس»، وهو مطعم خلاّب ومقهى في مارينا: «هذه المدينة تتطوّر لتناسب السياح». يتميّز المطعم بمظهر باريسي رائع، ولكنه يقدّم قائمة طعام محلية وزواراً محليين، وهو واحد من كثير من المطاعم الحضرية في كالياري التي تنافس تلك الموجودة في المدن الإيطالية الكبرى. قدّم لي موسكاس الذي بدأ رحلته في «سابوري دي سردينيا»، وهو متجر قريب للأغذية، الذي كان يضم «سابوريس» وجاره القريب «بيبيت»؛ طبقاً من الهليون البري من شمال سردينيا، وأشار إلى أنني كنت الشخص الوحيد غير السرديني في غرفة الطعام. ثم قال: «لقد أنشأنا هذا المكان لمجتمعنا. ونرحّب بالسياح أيضاً، لكننا نريد منهم أن ينغمسوا في ثقافتنا، في مكان خاص بنا».

مقارنة بالمدن الإيطالية الأخرى، قد تبدو المواقع الثقافية في كالياري قليلة بعض الشيء، رغم أن المتحف الأثري يحتوي على مجموعة رائعة من القطع الأثرية النوراجية والفينيقية والرومانية القديمة في سردينيا، بما في ذلك الرماة النوراجيون المنحوتون على الحجر، والمعروفون باسم عمالقة «مونتي براما». وفي أماكن أخرى، هناك مواقع مثل «غياردينو سونورو»، وهو تركيب خارجي من منحوتات حجرية لصنع الموسيقى من قِبل الفنان المحلي «بينوكيو سيولا»، وكاتدرائية الباروك مع قبوها المقوّس المغطى بالبلاط الذي يُصوّر ما يقرب من 200 قديس.

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)

إنها مدينة يكون الاستمتاع بها بشكل أفضل من خلال التجول. يُعدّ شاطئ «بويتو» الذي يمتد لمسافة أميال مكاناً رائعاً للخروج في كالياري خلال الطقس الدافئ، مع نوادي الشاطئ ومطاعم المأكولات البحرية الكلاسيكية مثل مطعم «ريستورانتي كالاموسكا» على حافة الماء. تتجمع طيور الفلامنغو الوردية، وهي أكثر سكان المدينة تقديراً، بالقرب من مسطحات «مولينتارغيوس» الملحية. يتدفق السياح والسكان المحليون على حد سواء إلى حصن سانت ريمي، أفضل نقطة مراقبة في هذه المدينة ذات التلال المتحدرة. وفي وقت مبكر من المساء، تمتلئ ساحة «غيتانو أورو» بالشباب الذين يتجمعون حول بار «فينيريا فيلانوفا»، ويتوجهون لتناول العشاء في المطاعم الكلاسيكية مثل مطعم «تراتوريا ليليكو»، الذي يرجع تاريخه إلى عام 1938، أو أحد مطاعم الجيل الجديد مثل «ريتروبانكو»، و«وسابوريس».

في الوقت الحالي، لا تزال كالياري تبدو وكأنها مدينة تنتمي إلى سكانها، على عكس فلورنسا أو البندقية أو غيرهما من المدن التي يكتظ بها السياح. قال جوزيبي دي مارتيني، المدير العام لمطعم «ريتروبانكو»: «لكننا نريد زيادة الزوار هنا». وأضاف: «يجب أن تصبح كالياري عاصمة البحر الأبيض المتوسط».

يُعد جبن «لاي» سبباً كافياً لزيارة المنطقة. ففي «سينوس»، ورشته الصغيرة، يتبع تقليداً سردينياً قديماً لصنع الأجبان الطبيعية باستخدام الحليب الطازج من الأغنام التي تملكها عائلته. ويقول: «يُصبح الطعام المصنوع بطريقة واعية وسيلة لنقل الثقافة»، بينما كنا غارقين حتى مرافقنا في الحليب الساخن، ونسكب اللبن الرائب في وعاء نحاسي مسخن بالنار. يمكن للضيوف زيارة المتجر لتذوق أجبانه العتيقة الرائعة أو، كما فعلت، تجربة صناعتها بأنفسهم.

في منطقة «سولسيس» المجاورة، واجهت تفسيراً آخر لـ«سردينيا»، حيث يتم الجمع بين الحرف التقليدية والتصميم المعاصر بلا خجل. «بريتزايدا» هي الاستوديو الإبداعي لكل من «إيفانو أتزوري» و«كاير تشينڨن»، وهما مهاجران من كاليفورنيا وميلانو، يصممان وينتجان الأثاث مع الحرفيين المحليين. هذا الربيع، افتتح الثنائي «لوكسي بيا»، وهي مجموعة من بيوت الضيافة الحجرية المحيطة بها أشجار الزيتون والحقول الخضراء. أعادا بناء المساكن وفقاً للأسلوب التقليدي للمنطقة وملأوها بأسرّة «بريتزايدا» ذات الإطارات الخشبية المنحوتة المذهلة، وطاولات جانبية من الفلين المنحوت، وغير ذلك من القطع المعاصرة المصنوعة يدوياً.

طبيعة جميلة في واحدة من أكبر جزر إيطاليا (نيويورك تايمز)

لاحقاً، استقللت دراجة كهربائية للوصول إلى «تومبي دي جيغانتي»، وهو موقع «نوراجيكي» مع مسارات المشي لمسافات طويلة تطل على التلال المشجرة. تقع شواطئ الأحلام «بورتو بينو»، و«سو بورتو دي سو تريغو»، و«إيس سوليناس» في البحر الأبيض المتوسط على مسافة قصيرة بالسيارة، وكذلك مجتمع الصيد الغني بالتاريخ في جزيرة «سانت أنتيوكو»، المتصلة بالجزيرة الرئيسية عبر جسر بري رفيع.

في أعماق «سولسيس»، وهي منطقة معروفة بأعمال التعدين السابقة، وعلى طول الساحل الجنوبي الغربي، افتُتح «لو ديون بيسيناس» في مايو (أيار)، بوصفه فندقاً فخماً في مستودع سابق للتعدين، وهي محاولة طموحة لتحويل منطقة فارغة الآن من الصناعة إلى وجهة ذات طابع طبيعي. أصبحت الحديقة المحيطة جزءاً من درب المشي «سانتا باربرا»، باتباع المسارات التي كان يسير عليها عمال المناجم ذهاباً وإياباً من العمل. لكن موطن الجذب الحقيقي هو العزلة الرائعة للفندق وشاطئه المواجه للغروب، والمدعوم بشكل كبير ببعض أطول الكثبان الرملية في أوروبا «ربما الجزء الأكثر عزلة من ساحل سردينيا»، كما قالت المالكة «مارسيلا تيتوني»، التي قضت 10 سنوات في تجديد الفندق: «ما أفضل طريقة لإحيائه سوى من خلال الزوار وهذا العمل المفعم بالمحبة؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»