ليبيون يتخوفون من تدخل «استخبارات أجنبية» في الانتخابات المرتقبة

وسط هواجس من دخول البلاد دوامة الاقتتال الأهلي إذا لم يجر الاستحقاق في موعده

عماد السايح رئيس المفوضية العليا للانتخابات (أ.ف.ب)
عماد السايح رئيس المفوضية العليا للانتخابات (أ.ف.ب)
TT

ليبيون يتخوفون من تدخل «استخبارات أجنبية» في الانتخابات المرتقبة

عماد السايح رئيس المفوضية العليا للانتخابات (أ.ف.ب)
عماد السايح رئيس المفوضية العليا للانتخابات (أ.ف.ب)

كلما اقترب موعد الانتخابات الليبية، زادت حدة التوتر في أنحاء البلاد، وتزايدت معها تحالفات بعض الأطراف المتنافسة والمتنازعة لتجاوز عقبة الانقسام الشعبوي بين شرق ليبيا وغربها، وسط تخوف برلمانيين من تدخل «استخبارات أجنبية» في الاستحقاق المرتقب.
ويبدو من حالة التشظي الموجودة في ليبيا أن هناك جبهتين تتصدران المشهد السياسي راهناً: الأولى ترفض إجراء الاستحقاق الرئاسي والبرلماني، متعللة بالقانونين الصادرين عن مجلس النواب اللذين وصفا بـ«المعيببين»، والثانية تريد إنجاز هذا الاستحقاق في 24 من ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً لخريطة الطريق المتفق عليها في جنيف بين الأفرقاء الليبيين، وإلا «ستدخل البلاد دوامة من الاقتتال الأهلي»، حسب تعبيرهم.
وتتصدر الجبهة الأولى بغرب البلاد أطراف عديدة، وهي خليط من تيار الإسلام السياسي، ومؤيدين لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، الذي صعد من خطابه بتهديد «خصومه بشرق ليبيا»، قائلاً إن «المجتمع الدولي يريد منح (القائد العام للجيش الوطني المشير) خليفة حفتر، فرصة جديدة عبر الانتخابات، بعد أن خسر الحرب العسكرية على طرابلس».
والمشري، الذي دعا الناخبين والمرشحين لعدم المشاركة في الانتخابات، والدخول في «اعتصام سلمي» أمام مقر المفوضية العليا للانتخابات، تنديدا بما وصفه بـ«القوانين المعيبة» الصادرة عن مجلس النواب، يواصل حشده، مستعيناً بتيارات ذات إسناد أصولي تقف إلى جانبه قصد تعطيل الانتخابات، لحين إعادة صياغة قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ويرى سياسيون ومتابعون للحالة الليبية، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن «طريقة صياغة هذين القانونين، وما أدخل عليهما من تعديلات، وعدم التصويت عليهما تحت قبة المجلس من طرف جميع النواب، فضلاً عن استبعاد مشاركة مجلس الدولة في صياغتهما، يُعد السبب الرئيسي في إحداث اعتراضات بين الأطراف الليبية بالشكل الذي قد يُفشل المسار الانتخابي إذا لم يتم تدارك الموقف». لكن على الجانب الآخر يرى مجلس النواب أنه «الجهة المنوط بها سن القوانين، وليس أحد سواه»، وفق تأكيدات المستشار عقيلة صالح خلال فعاليات عدة.
وتتمحور جل اعتراضات الجبهة المؤيدة للدبيبة على المادة (12) من قانون الانتخابات الرئاسية، التي تطالب «المترشح بأن يقدم من جهة عمله ما يفيد بتوقفه عن ممارسة وظيفته بشكل نهائي، قبل تاريخ 24 ديسمبر 2021 بثلاثة أشهر»، وهو الشرط الذي يمنع رئيس الحكومة من الترشح. فيما يتمسك أنصاره بضرورة التغاضي عنه، في إطار «تحقيق تكافؤ الفرص بين المرشحين»، وذهبوا إلى أنه «لا انتخابات من دون الدبيبة».
وفيما أصدرت المفوضية العليا لائحة ودليل «الترشح للانتخابات الرئاسية»، وسط إقبال واسع من المرشحين المُحتملين على مقاعد البرلمان، انقسم أعضاء مجلس النواب بين مطالبين «بمراجعة قانوني الانتخابات»، وآخرين يتمسكون بإجراء الاستحقاق في موعده دون تعديل، وقال النائب عبد الهادي الصغير إن «إجراء الانتخابات في موعدها هو المخرج الوحيد للبلاد إلى بر الأمان».
ووسط هذا الجدل المتزايد، يرصد مراقبون تسارع وتيرة «التربيطات والتحالفات الجهوية» بين بعض المرشحين البارزين، المتنازعين في سابق الأيام، وبهذا الخصوص قال سياسي ليبي إن بعض الشخصيات البارزة في غرب ليبيا، مثل فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق، وأحمد معيتيق نائب رئيس المجلس الرئاسي السابق، «يسعيان للتحالف مع حفتر، وهناك دولة عربية مجاورة لليبيا ترعى جانبا من هذه التحالفات حالياً». مشيرا إلى وجود تفاوض بين مساندين لسيف الإسلام القذافي من مدينة الزنتان وحفتر، لكنه ذهب إلى «وجود نقاشات على مسار مواز لإثناء رئيس مجلس النواب عن الترشح لصالح الأول، لكنها لم تفض إلى نتيجة بعد».
وانتهى السياسي الليبي موضحا أن «هذه الصفقات ستتبلور قبيل إغلاق باب قبول الترشح في 22 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وستتوارى كثير من الأسماء المطروحة جانبا لإفساح المجال أمام الأكثر حظوظاً في خوض السباق الساخن».
ووسط الانقسام الحاصل على المادة (12) من قانون الانتخابات الرئاسية، طالب 49 عضواً بمجلس النواب، يتقدمهم النائب الأول لصالح، بـ«مراجعة قانوني انتخاب رئيس الدولة ومجلس النواب المقبل، وعرضهما للتصويت تحت قبة البرلمان»، مع التأكيد على أهمية إجراء الانتخابات في موعدها، وعدم السماح بعرقلتها أو إفراغها من مضمونها.
ونبه النواب الموقعون على البيان الشعب الليبي، وبعض الداعمين لإجراء الانتخابات، تحت أي صورة كانت ودون وجود الحد الأدنى من مقومات نجاحها، بأنهم «تحت تأثیر حملات إعلامية مضللة، تقودها مخابرات دول أجنبية متدخلة سلبا في ليبيا»، لافتين إلى أن «ما يتم الدفع باتجاهه هو ترسيخ لمبدأ عدم احترام التشريعات الليبية النافذة، وللأسف الشديد من وجهات وشخصيات تقدم نفسها على أنهم رجال دولة ومؤسسات قانونية وحقوقية».
ووضع النواب الـ49 ستة بنود طالبوا بالتمسك بها، من بينها «رفض تدخلات رئيس مفوضية الانتخابات في تغيير أو تعديل القوانين، لكونها غير حيادية وتقوض جهود الوفاق، الذي توصل إليه ملتقى الحوار السياسي»، مشيرين إلى أن الانتخابات الرئاسية «دون دستور أو قاعدة دستورية تعتبر مشروع ديكتاتورية مهما كانت نتائجها».



ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
TT

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)

دخلت مبادرة وساطة كينية - أوغندية على خط محاولات دولية وإقليمية لتهدئة التوترات بين الصومال وإثيوبيا التي نشبت بعد مساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض حكومة مقديشو.

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، وهو ما رفضته الحكومة الصومالية بشدة.

وعلى هامش اجتماعات قمة رؤساء دول شرق أفريقيا بتنزانيا، أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو، السبت، «اعتزامه التوسط بمشاركة نظيره الأوغندي يوري موسيفيني، لحل الخلافات بين الصومال وإثيوبيا». وقال في مؤتمر صحافي، إنه «سيبحث عقد قمة إقليمية تضم زعماء الدول الأربعة (كينيا وأوغندا والصومال وإثيوبيا)، لمعالجة التوترات في منطقة القرن الأفريقي».

وأشار روتو إلى أن «أمن الصومال يُسهم بشكل كبير في استقرار المنطقة». لكن خبراء تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط» يرون أن «التدخل الكيني الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً، في ظل عدم استجابة أطراف الخلاف لهذا المسار حتى الآن، بالإضافة إلى عدم وجود دعم إقليمي ودولي».

ومنذ توقيع مذكرة التفاهم، حشد الصومال دعماً دولياً لموقفه ضد إثيوبيا؛ حيث وقّع في فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي مع تركيا، ووقّع مع مصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو. كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل بوصفه جزءاً من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، وهو ما أثار غضب إثيوبيا، التي اتهمت مقديشو «بالتواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة استقرار الإقليم».

والتقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مع نظيريه الكيني والأوغندي، على هامش اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا. وعلى الرغم من أنه لم يتحدث عن وساطة محتملة، نقلت «رويترز» عن وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، أن «القرارات السابقة التي اتخذها زعماء إقليميون لم تلق آذاناً مصغية في أديس أبابا»، مشيراً إلى أنه «يثق بأن جهود الوساطة الجارية من جانب تركيا ستكون مثمرة».

وكانت العاصمة التركية أنقرة قد استضافت جولات من الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، لإنهاء الخلاف بين البلدين، كان آخرها في سبتمبر (أيلول) الماضي، غير أن المحادثات دون التوصل لاتفاق.

وبينما تنظر مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أماني الطويل، إلى التدخل الكيني - الأوغندي بـ«إيجابية»، ترى أن «نجاح تلك الوساطة مرهون بأبعاد أخرى تتعلّق بأجندة تحرك الوسطاء ومواقفهم تجاه الخلاف القائم بين مقديشو وأديس أبابا».

وقالت إن «القضية مرتبطة بموقفَي كينيا وأوغندا من السلوك الإثيوبي تجاه الصومال، ومن وحدة الأراضي الصومالية، وإلى أي مدى تؤيّد أو تعارض الاعتراف الإثيوبي بإقليم (أرض الصومال)».

وتعتقد أماني الطويل أن «التحرك الكيني - الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً في حلحلة الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، لأن الخلاف بين الطرفين معقد»، مشيرة إلى أن «الإشكالية في نهج الدبلوماسية الإثيوبية التي تركز على أهدافها دون الوضع في الاعتبار الأمن والتعاون الإقليميين».

ورفض الصومال مشاركة إثيوبيا في البعثة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام، وأمهل أديس أبابا حتى نهاية العام الحالي، لانسحاب قواتها من البعثة الحالية التي ستنتهي مهامها بنهاية العام الحالي، وقال وزير الخارجية الصومالي، إن «بلاده ستعد وجود قوات إثيوبيا بعد نهاية العام، احتلالاً لأراضيها».

وترى أماني الطويل أن «الوساطة التركية قد تكون أكثر تأثيراً في النزاع بين الصومال وإثيوبيا». وقالت إن «أنقرة لديها تفهم أكثر للخلاف. كما أنها ليست دولة جوار مباشر للطرفين، وبالتالي ليست لديها إشكاليات سابقة مع أي طرف».

وباعتقاد الباحث والمحلل السياسي الصومالي، نعمان حسن، أن التدخل الكيني - الأوغندي «لن يحقّق نتائج إيجابية في الخلاف الصومالي - الإثيوبي»، وقال إن «مبادرة الوساطة يمكن أن تقلّل من حدة الصراع القائم، لكن لن تصل إلى اتفاق بين الطرفين».

وأوضح حسن أن «أديس أبابا لديها إصرار على الوصول إلى ساحل البحر الأحمر، عبر الصومال، وهذا ما تعارضه مقديشو بشدة»، مشيراً إلى أن «العلاقات الكينية - الصومالية ليست في أفضل حالاتها حالياً، على عكس علاقاتها مع إثيوبيا»، ولافتاً إلى أن ذلك «سيؤثر في مسار التفاوض». واختتم قائلاً: إن «نيروبي تستهدف أن يكون لها دور إقليمي على حساب الدور الإثيوبي بمنطقة القرن الأفريقي».