توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين الهيئة الملكية للعلا واليونيسكو

الأمير بدر بن فرحان وأودري أزولاي بعد التوقيع على الاتفاق (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن فرحان وأودري أزولاي بعد التوقيع على الاتفاق (الشرق الأوسط)
TT

توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين الهيئة الملكية للعلا واليونيسكو

الأمير بدر بن فرحان وأودري أزولاي بعد التوقيع على الاتفاق (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن فرحان وأودري أزولاي بعد التوقيع على الاتفاق (الشرق الأوسط)

وقّعت المملكة العربية السعودية، ممثلة بالهيئة الملكية لتطوير منطقة العلا، ومنظمة اليونيسكو للتربية والعلوم والثقافة، ومقرها في العاصمة الفرنسية، اتفاقاً استراتيجياً بعيد المدى للمحافظة على الإرث الثقافي وتنظيمه وتسريع انبعاثه الذي يحظى باهتمام على مستوى العالم.
ووقّع الاتفاق عن الجانب السعودي الأمير بدر بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة ورئيس الهيئة الملكية لتطوير العلا، ومندوبة المملكة الدائمة لدى المنظمة الأميرة هيفاء المقرن، والمدير التنفيذي للهيئة عمرو المدني، وعن اليونيسكو المديرة العامة للمنظمة الدولية أودري أزولاي.
يندرج الاتفاق الاستراتيجي مع اليونيسكو في إطار سياسة الأنشطة الهادفة إلى التعريف بغنى التراث السعودي في منطقة العلا وإبراز بُعدها العالمي، علماً بأنها مسجلة على لائحة التراث الإنساني للمنظمة الدولية.
وفي البيان الصادر عقب التوقيع على الاتفاقية في مقر اليونيسكو، جاء أنّ الشراكة تشكل «خريطة طريق» للتركيز على التراث المادي وغير المادي لمنطقة العلا التي تحظى باهتمام عالمي، وسبق أن عُقدت بشأنها اتفاقيات أخرى عالمية، وفرنسية على وجه الخصوص.
وفي هذا الإطار، يعد الاتفاق منطلقاً للتسريع في تحقيق خطة الانبعاث الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لمنطقة العلا المبنية على المحافظة على المعالم التاريخية والثقافية والطبيعية، وعلى الثقافة المحلية، والطريق إلى ذلك يمر عبر تعزيز الكفاءات والمهارات وتطويرها، بالاستعانة بأفضل الخبرات العالمية للجهات الراغبة في جعل العلا مرجعية عالمية في الحفاظ على التراث والطبيعة والفنون والثقافة.
وفي الكلمة التي ألقاها الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، بمناسبة التوقيع على الاتفاقية، جاء أن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد «يبغي جعل العلا وجهة عالمية ومرجعاً في مجال المحافظة على التراث والطبيعة والفن والثقافة».
وأضاف الأمير بدر بن فرحان أن التوقيع على هذه الاتفاقية الفريدة من نوعها «تسجل مرحلة جديدة لتحقيق هذه الأهداف، ولتعميق الروابط الدائمة بين المملكة السعودية والهيئة الملكية للعلا من جهة واليونيسكو من جهة ثانية». كذلك اعتبر أن هذه الشراكة بين منظمة اليونيسكو العالمية والسعودية تندرج في إطار رؤيا 2030 للملكة، وأيضاً في إطار التوصل إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تسعى إليها الأمم المتحدة، والاتفاقية من هذه الزاوية تُوجد «صلة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، بالاستناد إلى التعليم والثقافة والعلوم، وهي الأهداف الثلاثة لليونيسكو، للترويج للتنمية المستدامة وللتغيير على المدى البعيد».
ومن جانبها، قالت أودري أزولي، المديرة العامة لليونيسكو إنّ العلاقة بين المنظمة الدولية والسعودية «تستند إلى تاريخ طويل يعود لعام 1948 عندما أصبحت السعودية عضواً في المنظمة».
وأشارت أزولاي إلى أنّ العلاقة بين الطرفين ارتقت إلى أعلى، من خلال اجتيازها مرحلة جديدة عبر مواكبة التطوير الكبير لمنطقة العلا. وفي المناسبة عينها، اعتبرت مندوبة المملكة الدائمة لدى اليونيسكو أنّ بلادها تحتضن «عدداً من المواقع التراثية الأكثر إدهاشاً وأهمية على المستوى الثقافي، ومنها العلا التي تعد النموذج الأعلى والأكثر تأثيراً».
وأضافت الأميرة هيفاء المقرن أنّ اليونيسكو التي تعد المنظمة العالمية الموكل إليها المحافظة على التراث والتنوع الثقافي ستكون إلى جانب الهيئة الملكية، للاستفادة من الإمكانات التي توفرها منطقة العلا بفضل مواقعها وسكانها وطبيعتها، وذلك بالاستناد إلى البرامج الثقافية والتعليمية المتنوعة التي تعكس «رؤية السعودية 2030» وجهود اليونيسكو من أجل التنمية المستدامة.
وفي السياق عينه، قال عمرو المدني إنّ «الشراكات والتحالفات المفيدة لكل الأطراف تقع في قلب استراتيجيتنا، وهي تعكس (روح) الحوار المنفتح والملتزم الذي يعظم أهمية العلا على المستوى العالمي، ويسند مبدأ أنّ الثقافة هي محرك التنمية المستدامة على المدى البعيد». وحسب المدني، فإنّ ثمة أهدافاً مشتركة تجمع بين اليونيسكو والسعودية لجهة أهداف «رؤية 2030» وما تسعى إليه الهيئة الملكية، لجهة تعزيز النمو والتبادلات الثقافية والفكرية والعلمية.
وأضاف المدني أن أهداف الهيئة الملكية من خلال المحافظة على العلا وتطويرها هي تمكين التعرف عليها على المستوى العالمي والتعريف بماضيها والنظر إلى مستقبلها كوجهة عالمية للزوار، كما لأبناء المنطقة، وذلك بالتعاون مع اليونيسكو.
وجاء في البيان أنّ اتفاق الشراكة يستهدف تحويل العلا إلى «أكبر متحف حي في العالم» بالاستناد إلى المعارف والمهارات التي سيتم اللجوء إليها من أجل تطوير المشهد التراثي والثقافي والطبيعي للعلا، بحيث تصبح وجهة متميزة.
ومما يخطط له دعوة جامعيين متألقين من العالم أجمع لزيارة العلا واكتشاف مكنوناتها واكتشاف أسرار لغاتها وتاريخها ونشر ذلك.
وستعمل الهيئة الملكية إلى جانب اليونيسكو والخبراء العالميين على خطين رئيسيين؛ الأول يندرج في إطار «ذاكرة العالم» الذي يركز على المحافظة على التراث العالمي، والثاني من خلال توفير منح من أجل البحث العلمي والمحافظة على التراث والترويج له ونشره ونقل المعارف. ومدة الاتفاق 5 سنوات، وهو يرتكز إلى 10 برامج، ومن بين أهدافه تسجيل مواقع تراثية وطبيعية سعودية على لائحة اليونيسكو من أجل حمايتها والترويج لمخزوناتها وثرواتها.
وعملياً، فإنّ القطاعات المعنية هي المحافظة على التراث والتعليم وتعزيز المهارات والكفاءات وحماية الطبيعة والإبداع الفني، وكل ذلك على خلفية أن يكون سكان المنطقة هم المستفيدون الرئيسيون من تطوير العلا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».