«وهل يرقد الموج»... نغمات الأجداد في بلاد القبائل

«وهل يرقد الموج»...  نغمات الأجداد في بلاد القبائل
TT

«وهل يرقد الموج»... نغمات الأجداد في بلاد القبائل

«وهل يرقد الموج»...  نغمات الأجداد في بلاد القبائل

للشاعرة والإعلامية الجزائرية المقيمة في فرنسا لويزة ناظور، صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان: «وهل يرقد الموج»، عن دار «أزمنة» الأردنية، وتحتوي المجموعة 27 نصّاً شعرياً في 130 صفحة.
ولويزة ناظور، هي شاعرة وإعلامية من أصول جزائرية ولدت في فرنسا، وعملت في العديد من المؤسسات الإعلامية، إذ صدرت لها ثلاث مجموعات شعرية؛ هي: ديوان «الريشة والأسفار» 2010، عن دار لارماتان، باريس، باللغتين العربية والفرنسية. وديوان «أوديسا الكلمات» 2014، عن دار بورداريك ـ باريس، وديوان «تنهض بي بعيداً» عن كل من دار «تيمقاد» و«منشورات الاختلاف» الجزائرية و«ضفاف» اللبنانية. وشاركت في الكتاب الجماعي «باريس كما يراها العرب» 2016، عن دار الفارابي ـ لبنان، بنص «مدينة تصدح بتراتيل الحب والتاريخ». وكتاب «الرسائل المغربية» 2019، عن دار الفارابي، بنص: «فاس طيف الغائب الذي يملأ النفس إلى حد الفيضان».
المجموعة الجديدة قدّم لها من المستعرب البارز أندريه ميكيل بقوله: «ليست هذه هي المجموعة الشعرية الأولى للويزة ناظور، لكنّ المَسار الذي سلكتْهُ فُتِح من جديدٍ هنا في رحلةٍ سوف تُثريها اِكتشافاتٌ أُخرى. إنّها امرأة تلك التي تُرشِدنا، امرأة مولودة في فرنسا وتعيش فيها، لكنها قضت قِسطاً كبيراً من حياتها في الجزائر، كل ذلك في فضاءين رئيسيين: فضاء الشفاهية، ونغمات الأجداد في بلاد القبائل، ولكنّه توسع لكي يستدعي العالم كله من أجل شهادةٍ قِزامُها الآمال والخيبات، من ناحية، الكلام المكتوب، في الجزائر أو في فرنسا، فيما وراء بحر يوقِّع، بإرادة الرجال وحدَها، مستقبلاً واعِداً أو مُحْبَطاً».
يضيف: «تجربة لويزة ناظور تصدِم، منذ البداية، من خلال ملمَحَين مُتناقِضَين للوهلة الأولى، ولا شيء يربطهما إلّا المَوهِبَة: تقسيم مُخفَض إلى الحدّ الأدنى الذي لا غِنى عنه حتى في علامات الترقيم، وتنهُّدات، وصرخاتٍ أحياناً، وباختصار، ثمة قلبٌ يكتُب بارتعاشات مشاعرها، لكنّ هذا كلُّه في نفَسٍ مُتواصِل، على طريقة هذه الموجة التي تعود صورتُها هنا وهناك، نفَس يستعيد، بطريقته كما بلغته، نفس التقاليد العربية الكلاسيكية حول هذه الموضوعات التي لا تنفَد التي هي الحُبّ، والموت، والآخِرَة. من أمسيات الحجر الصحي
يا بارِيسِيَ أنا... والصَّمْتُ البَهِيجِ!
وأنتِ خاوِيَةً على عُرُوشِكِ
تَنْتَعِشُ فِيكِ مَظَاهِرَ الحُسْنِ
وتَطِيبُ النُّفُوسُ
بِمُفْرداتِ كُلِّ قَصِيدٍ
يَهِيمُ فِيكِ بالـمَدْحِ...
الشَّوارِعُ الـمَرْصُوفَةِ بالحَصَى
وغُصُونِ الشَّجَرِ
تَقْرَعُ صَدَى خَطَواتِي السَّارِحَةِ
في أَغْوارِهَا
الجِسْرُ النُّحاسِيُّ الدَّافِئُ
يَشُدُّ حَبْلَ الوِصَالِ
فيَسْتَغْرِقُ الـهُيَامُ فِيكِ...!
بارِيسِيَ! يا مَرْكَبَ السِّحْرِ
وصَهْوَةَ الخَيالِ الشَّارِدِ!
لَطَالـَما أَرَدْتُكِ ليَ لِوَحْدِي
بأنَانِيَةِ الـمُحِبِينَ
يا وِجْدانَ أَهْلِ الأَرْضِ
وقِبْلَةَ العَاشِقِينَ...!
نَهْرُكِ البَهِيُّ يَعُودُ
فَيُغْرِقُني في صَخَبِ السُّكُونِ
وفي ذاكِرَةِ هذا الوُجُودِ
تَكْبُرُ نَاصِيَةَ العَدَمْ
فيـَكْسِرُ رُبْعَ الصَّمْتِ
هاجِسُ الزَّمَنِ العَلِيلْ...
يهيجُ في مُخَيِّلَتِي بَحْرُ التَّضَادِّ


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.