صادق الصبّاح: طفح الكيل والسياسة لن تمنعني من حب الخليج

كرّمه مهرجان «أيام قرطاج السينمائية» ويفتخر بـ«الهيبة»

المنتج صادق الصبّاح مكرّماً في تونس
المنتج صادق الصبّاح مكرّماً في تونس
TT

صادق الصبّاح: طفح الكيل والسياسة لن تمنعني من حب الخليج

المنتج صادق الصبّاح مكرّماً في تونس
المنتج صادق الصبّاح مكرّماً في تونس

كرّم مهرجان «أيام قرطاج السينمائية» المنتج اللبناني صادق الصبّاح، بعد عودة الحدث من «الكوفيد» إلى الحياة. ردّ الرجل الحب بالحب، فولد بين الطرفين اتفاق لإطلاق جائزة باسم شركة «الصبّاح إخوان» لدعم شباب تونسيين متخرّجين حديثاً لصناعة فيلم سينمائي. يعود إلى بيروت بعد محطتين: تونس وتركيا. على أرض أبي القاسم الشابي، شارك في نقاش إشكالية المنصات والسينما، وهل يلتهم الغول الجديد الشاشة الكبيرة؟ وزار التلفزيون التونسي وأهداه مسلسلاً. ثم حطّ في إسطنبول، ووضع اللمسات الأخيرة على عقد يُسعد قلبه: «الهيبة» هو المسلسل العربي الأول الذي يشتري الأتراك حقوقه لتحويله إلى مسلسل تركي.
تحاوره «الشرق الأوسط» في النجاحات ومشاريع الشركة. وهي بالجُملة، بين التحضير لرمضان 2022 والتفكير في رمضان 2023، وحياكة الأحلام القريبة والبعيدة، منها مسلسل مع رامي عياش وسيرين عبد النور، وآخر مع نادين نجيم في سبتمبر (أيلول) 2022، هي الغائبة عن رمضان المقبل، لكنها الحاضرة في مكانها الخاص.
لا مجال بعد اليوم لتدوير الزوايا وإلقاء أشعار ترقّع الأوطان الممزّقة. يختصر رئيس مجلس إدارة «الصبّاح إخوان» الغضب بكلمتين: «طفح الكيل!». يُخبر «الشرق الأوسط» عن توقف مسلسل خليجي استعد لتصويره في بيروت، وبنى من أجله ديكوراً ومدرسة. ويلقي اللوم على «غياب القيادات الحكيمة في الجمهورية اللبنانية». يرفض اهتزاز العلاقة الأخوية بين لبنان والخليج: «السياسة هي المشكلة. روابط التاريخ والمودّة راسخة. لن تستطيع ارتكابات سياسية منعي من حب إخوتي في السعودية والإمارات والدول الخليجية. يعلمون ذلك، فيميّزون بين السياسة والشعب اللبناني الذي يكنّ التقدير للمملكة. الثوابت لا تتغيّر. متجذّرة وصادقة».
يشبّه لبنان بالأخ المريض المتعالي على أمراضه، فإذا به في عزّ السقم، يتكبّر على أخيه الكبير ولا يداري العِشرة. مرة أخرى: «إنه غياب القادة». ليس شطارة التستّر على ممارسات تحفر القبر اللبناني. المسألة تتجاوز توقّف مشروع خليجي كانت ستصوّره «شركة الصبّاح» في بيروت، فمنعت الدول المخذولة من نكران الجميل سفرَ مواطنيها إلى أرض الخراب. المسألة أنّ المصير معلّق في مهبّ الريح. فالنسبة إلى المنتج المصرّ على أفضل العلاقات مع المملكة والخليج، «من المؤلم هذا التخبّط الذي يجرف لبنان مرة إلى الشمال ومرة إلى اليمين. فموج البحر المجنون يمزّق القطاعات ويشرّعها على أسوأ الاحتمالات. نكمل اليوم بالمشاريع اللبنانية والمصرية، مع نقل المشاريع الخليجية إلى الخارج».
المملكة وُجهة الخطط وجسر عبور الأفكار إلى الواقع. فيما يتعذّر تنفيذ المشاريع الخليجية في لبنان، يرفع الصبّاح ورقة رابحة: «بدأنا في إنتاج الدراما السعودية بمشاركة شركة (رايتكس). نصوّر مسلسلاً في الرياض عنوانه (العزلة)، ونحضّر أعمالاً من صميم المملكة، نضع خبراتنا وجهدنا فيها». بالتوفيق وإلى المزيد.
أراد تسجيل موقف إيجابي في تونس التي اختار مهرجانها العريق تكريم جهده الشخصي وإصرار شركته على مقارعة الارتطام. فوقّع مع وزارة الثقافة التونسية على بروتوكول جائزة سنوية تحمل اسم «الصبّاح إخوان»، تُوزّع في «أيام قرطاج السينمائية»، لدعم فنيين وسينمائيين تونسيين شباب، بعد إيجاد آلية لها وتشكيل لجنة تختار فكرة فيلم يُمنح صاحبها المبلغ المادي لتنفيذها، بين مجموعة أفكار الأفلام المرشّحة.
يعني له نقاش يدور حول مستقبل السينما، والبث التدفقي العملاق يبتلع كل شيء. يلخّص وجهة نظره: «لكل سوقه وجمهوره، وأحد لا يلغي الآخر. السينما والمنصات يكمل بعضها بعضاً. علما بأن سحر الصالات المظلمة لا يُضاهى». كما لا يُضاهى وَقْع «الهيبة» في وجدانه. بفخر؛ يخبر «الشرق الأوسط» عن مفاوضات سرية خاضتها الشركة لبيع حقوق نقل المسلسل إلى التركي: «3 أشهر من المراسلات البريدية والاتصالات واجتماعات الـ(زوم)، إلى أن وقّعنا العقد النهائي قبل أيام. المناخ متشابه والجغرافيا تقريباً واحدة. وتتشابه أيضاً الأحداث حيث البؤر الأمنية في البلدين».
لا تتدخّل شركة «الصبّاح» بمَن سيكون «جبل» التركي، الذي سيؤدي دور النجم تيم حسن. تكتفي بإرسال السير الذاتية الخاصة بالشخصيات لضمان عدم ضياع الهوية. يعنيها حُسن تنفيذ الـ«فورما» والحفاظ على الجودة. ينطلق الأتراك بـ12 حلقة بداية، «والتصوير قد يبدأ في مطلع العام المقبل»، فإن لاقت نجاحاً جماهيرياً، تابعت الشركة التركية الضخمة تصوير باقي الحلقات.
ومن الإنجازات، اختيار مجلة «برودكاست» العالمية مسلسلي «عشرين عشرين» و«باب الجحيم» من إنتاج «الصبّاح»، للمنافسة على جائزتها السنوية مع نحو 150 مسلسلاً من منطقة الشرق الأوسط. حين عاتب يوسف الخال صادق الصبّاح على المسافات بين الرجلين، أجابه: «تأخذني الأشغال، كمن يحمل مائة بطيخة في يده». يثمر الحِمْل توسّعاً وانتشاراً ونجاحاً وجوائز وإنجازات.
جمعه اتصال بنيكول سابا التي تَردد حديث عن سوء تفاهم وقع بينهما بعد مشاركتها في الجزء الثاني من «الهيبة». يُكمل الصبّاح السرد: «كان اتصال فشّة خلق. وانتقلنا من العتب الإيجابي على الهاتف، إلى زيارة ود في المكتب. حضرت نيكول وزوجها يوسف الخال، وانتهى اللقاء بغسل القلوب. تُضخّم الخلافات، وحين تُفكك، تُفرّغ من الوهم».
ينفي أنّ ما يجري في شركته اليوم هو خلط أوراق: «نحتضن العدد الأكبر من النجوم، من دون أن يلغي نجمٌ الآخر». تجري حالياً كتابة مسلسل سيرين عبد النور ورامي عياش: «عمل قصير للمنصات، يبدأ تصويره أول السنة. المشاريع الأخرى على النار».
اتصلت به نادين نجيم بعد الزلّة الأخيرة، فطمأنها: «لا يحتمل الموضوع التضخيم». قالت إنّ «السوشيال ميديا» في فورة، فهدّأ قلبها. يتفهّم خيارها الغياب عن رمضان المقبل، «والمهم هو الاحترام والعلاقة العائلية بيننا». يحفّزه غياب النجوم، بعد مواسم رمضانية ناجحة، على مضاعفة الاجتهاد. ألن تترك نادين فراغاً رمضانياً؟ يجيب بأنّ تيم حسن خرج أيضاً من السباق الرمضاني، والنجاح الكبير لم يخفت: «الحياة تستمر بالتحديات».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».