اختراق هواتف فلسطينيين يفتح الجدل حول تصنيف 6 منظمات «إرهابية»

أول حالة معروفة علناً لاستهداف نشطاء فلسطينيين

سحر فرانسيس مديرة مؤسسة «الضمير» تتحدث في مؤتمر صحافي برام الله عن اختراق الهواتف (أ.ف.ب)
سحر فرانسيس مديرة مؤسسة «الضمير» تتحدث في مؤتمر صحافي برام الله عن اختراق الهواتف (أ.ف.ب)
TT

اختراق هواتف فلسطينيين يفتح الجدل حول تصنيف 6 منظمات «إرهابية»

سحر فرانسيس مديرة مؤسسة «الضمير» تتحدث في مؤتمر صحافي برام الله عن اختراق الهواتف (أ.ف.ب)
سحر فرانسيس مديرة مؤسسة «الضمير» تتحدث في مؤتمر صحافي برام الله عن اختراق الهواتف (أ.ف.ب)

قال باحثون أمنيون ونشطاء في مؤسسات فلسطينية صنفتها إسرائيل «إرهابية»، في قرار أثار الغضب والجدل، إنه تم زرع برنامج التجسس الشهير «بيغاسوس»، التابع لشركة الهاكرز الإسرائيلية «NSO Group»، على الهواتف المحمولة لستة نشطاء فلسطينيين في مجال حقوق الإنسان، نصفهم ينتمون إلى هذه المؤسسات، وآخرون يعملون في وزارة الخارجية الفلسطينية.
ويمثل هذا الكشف أول حالة معروفة علناً لنشطاء فلسطينيين مستهدفين من قبل برنامج التجسس الذي استخدم ضد كثير من المسؤولين والمعارضين في العالم، وأثار أزمات بين إسرائيل وعدة دول. وقد تم كشف الأمر قبل وقت قصير من إعلان وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، 6 مؤسسات من المجتمع المدني الفلسطيني منظمات إرهابية منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتأتي النتائج التي أكدها بشكل مستقل باحثون أمنيون من «منظمة العفو الدولية» و«Citizen Lab» في جامعة تورونتو، في تقرير تقني مشترك بعد فترة قصيرة من إدراج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على القائمة السوداء «مجموعة NSO»، ومنافس إسرائيلي أقل شهرة (كانديرو)، لمنعهما من استخدام التكنولوجيا الأميركية.
وأكدت 3 منظمات فحصت هواتف الناشطين الخليوية أنها تعرضت فعلاً للاختراق. وتبين أن 4 من بين الناشطين استخدموا خطوطاً تابعة للشركات الإسرائيلية «سيلكوم» و«بارتنر» و«هوت موبايل»، وهم من سكان القدس، ويحملون الجنسيتين الأميركية والفرنسية، ويعملون في مؤسسات «الحق» و«الضمير» ومركز «بيسان للبحوث والإنماء».
وقالت مؤسسة «الحق» إنها اكتشفت في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن أحد موظفيها، وهو الباحث الميداني في القدس غسان حلايقة، قد تم اختراق جهازه بواسطة برنامج «بيغاسوس»، واتضح لاحقاً أن المحمول الخاص بمدير مؤسسة «بيسان» للأبحاث، أُبي العابودي، الذي يحمل الجنسية الأميركية، قد تعرض أيضاً للاختراق، إلى جانب المدافع عن حقوق الإنسان صلاح الحموري الذي يحمل الجنسية الفرنسية.
وأكد الباحثون الأمنيون أنه من غير المعروف على وجه التحديد متى أو كيف تم انتهاك الهواتف، ومَن يقف خلف ذلك.
ولم تعقب الشركة الإسرائيلية على الاتهامات، لكن مسؤولاً في وزارة الأمن الإسرائيلية قال، في بيان مقتضب، إن تسمية المنظمات الست استند إلى أدلة قوية، وإن أي ادعاء يتعلق باستخدام برمجيات «NSO» لا أساس له من الصحة.
وتم الكشف عن هذه الاختراقات، أمس (الاثنين)، بعد يوم من إعلان الجيش الإسرائيلي حظر 5 مجموعات حقوقية فلسطينية في الضفة الغربية، عقب قرار لوزير الجيش، بيني غانتس، الشهر الماضي، بتصنيف 6 مؤسسات فلسطينية على أنها «إرهابية». وتم بالفعل حظر مجموعة سادسة أعلن عنها غانتس أنها «منظمة إرهابية» من قبل الجيش في العام الماضي.
ويمنح إعلان الحظر الجيش صلاحية إغلاق مكاتب تلك المنظمات، واعتقال أعضائها، من بين خطوات أخرى. وتصر إسرائيل على أن المنظمات الست التي تم حظرها حديثاً، وهي «اتحاد لجان المرأة العربية» و«الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان» و«مركز بيسان للبحوث والإنماء» و«منظمة الحق» و«الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين» و«اتحاد لجان العمل الزراعي»، تعمل واجهة لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وهو ما نفته المنظمات، ولاقى تشكيكاً من قبل مموليها الأوروبيين والدوليين.
وقرر قائد القيادة الوسطى، الميجر جنرال يهودا فوكس، حظر المنظمات «بعد أن قُدمت إليه معلومات وفيرة متنوعة موثوقة تشير إلى أن تلك المنظمات تمثل جناحاً لـ(الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) الإرهابية»، كما جاء في بيان للجيش.
وكان قرار إسرائيل حظر المجموعات الست موضع تساؤل من قبل الولايات المتحدة وحلفاء أوروبيين، وانتقدته الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، ووصفته بأنه هجوم على المجتمع المدني الفلسطيني.
وحذرت الخارجية الفلسطينية، أمس، من تداعيات قرار جيش الاحتلال الإسرائيلي ملاحقة المؤسسات الفلسطينية الست، وحملت في بيان صحافي «الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة المباشرة عن أي ضرر يلحق بهذه المؤسسات أو العاملين فيها جراء هذه القرارات التعسفية التي تندرج في إطار العقوبات الجماعية المفروضة على شعبنا الفلسطيني».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.