عباس إلى موسكو... وموفدون إلى دول أخرى «لإنقاذ حل الدولتين»

السلطة الفلسطينية تطالب بمضاعفة الضغط لإحياء «الرباعية» وإطلاق مؤتمر سلام

الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)
TT

عباس إلى موسكو... وموفدون إلى دول أخرى «لإنقاذ حل الدولتين»

الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)

قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، إن الرئيس محمود عباس سيزور موسكو في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وسيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تلك الزيارة. ولم يعطِ المالكي مزيداً من التفاصيل حول الزيارة التي تأتي ضمن جهود فلسطينية لدفع عملية السلام في المنطقة، قبل اتخاذ خطوات أحادية. وتأتي زيارة عباس المرتقبة إلى روسيا بعد إعلان موسكو أنها تنوي إجراء جولة محادثات مع القيادة الفلسطينية، والمحادثات التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت الشهر الماضي.
وهذه ليست أول محاولة لتدخل روسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ سبق لموسكو أن ضغطت من أجل لقاء يجمع عباس برئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، ووافق عباس آنذاك لكن نتنياهو رفض.
وكانت «الشرق الأوسط» نشرت أن عباس يأمل بضغط روسي من أجل تفعيل اللجنة الرباعية الدولية بشكل ملموس.
وتشكلت اللجنة الرباعية الدولية عام 2002، بهدف رعاية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، لكنها توقفت عن العمل بسبب اعتقاد الأطراف أن دورها غير فاعل أو مؤثر.
وفي عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رفضت الإدارة الأميركية تفعيل دور اللجنة إلا إذا وافق الفلسطينيون على حل وفق صفقة القرن، ومع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الحكم حدثت تغييرات، وعقدت اللجنة في 24 مارس (آذار) الماضي اجتماعها الأول منذ تولي بايدن الرئاسة، وأطلقت خلال اجتماعها الافتراضي هذا دعوة لاستئناف مفاوضات هادفة على أساس حل الدولتين الذي يتوافق مع قرارات الشرعية الدولية، ثم عقدت اجتماعاً ثانياً، لا صلة له بمفاوضات السلام، في مايو (أيار) الماضي، خصص لمناقشة سبل الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، ولم تجتمع بعد ذلك.
ويريد عباس زيادة الضغط على الدول الأعضاء في اللجنة الرباعية وقادة آخرين في العالم.
وتحرك موفدون من قبل عباس للاجتماع إلى زعماء العديد من دول العالم، حاملين رسائل تقول إنه لا يمكن استمرار الوضع الحالي كما هو، وإن الفلسطينيين مستعدون للمفاوضات.
وطلب عباس الضغط من أجل عقد مؤتمر دولي للسلام تنتج عنه آلية دولية متعددة الأطراف، تضم الرباعية ودولاً أخرى من أجل رعاية مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.
وشرح عباس أنه مضطر، بخلاف ذلك، لاتخاذ إجراءات من طرف واحد، بعدما وصلت القضية إلى مفترق طرق وأصبح حل الدولتين مهدداً فعلاً وإلى الأبد. وكان عباس قد قدم مبادرة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي خلال عام واحد، أو اتخاذ إجراءات قد تشمل ربط اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل باعترافها بقرار التقسيم، ووقف اتفاقات مع إسرائيل، وإنهاء المرحلة الانتقالية عبر إعلان دولة تحت الاحتلال، والتحلل من قرارات الشرعية الدولية، وكل ذلك ستتم دراسته بتأنٍ خلال اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية المرتقب خلال شهرين، والذي سيكون على جدول أعماله أيضاً ترتيب الأوراق داخل المنظمة وملء الشواغر فيها. ويصل عباس إلى موسكو بعد أسابيع من وصول القيادي في حركة «فتح» محمد دحلان إليها، من دون أن يتضح ما إذا كانت موسكو تحاول فعلياً عقد مصالحة داخل «فتح» نفسها. وقال ديمتري دلياني، وهو أحد مسؤولي تيار الإصلاح الذي يقوده دحلان ويضم فتحاويين غادروا الحركة أو فصلوا منها، إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتوسط ويبذل جهوداً لإنهاء «الانقسام الفتحاوي».
ويأتي ذلك بعد أن التقى دحلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء 2 نوفمبر (تشرين الثاني) في العاصمة الروسية موسكو.
وأضاف دلياني: «نتوقع أن يبحث الجانب الروسي قضية المصالحة مع عباس، ولا نعلم ما هي ردة فعله على ذلك، ولكن نأمل أن تتكلل الجهود بالنجاح».
ولم يعقب أي مسؤول في «فتح» على هذه التصريحات.
ويرفض عباس منذ أعوام مصالحة دحلان، رغم تدخل دول عدة في المنطقة. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن موقفه لم يتغير.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.