أوروبا وإيران... واختبار «حجز الرهائن»

«الشرق الأوسط» تروي معاناة أربعة معتقلين من بريطانيا وفرنسا والسويد

ريتشارد راتكليف وابنته غابرييلا يطالبان بالإفراج عن البريطانية - الإيرانية نازنين زاغري - راتكليف خارج مقرّ وزارة الخارجية في لندن (إ.ب.أ)
ريتشارد راتكليف وابنته غابرييلا يطالبان بالإفراج عن البريطانية - الإيرانية نازنين زاغري - راتكليف خارج مقرّ وزارة الخارجية في لندن (إ.ب.أ)
TT

أوروبا وإيران... واختبار «حجز الرهائن»

ريتشارد راتكليف وابنته غابرييلا يطالبان بالإفراج عن البريطانية - الإيرانية نازنين زاغري - راتكليف خارج مقرّ وزارة الخارجية في لندن (إ.ب.أ)
ريتشارد راتكليف وابنته غابرييلا يطالبان بالإفراج عن البريطانية - الإيرانية نازنين زاغري - راتكليف خارج مقرّ وزارة الخارجية في لندن (إ.ب.أ)

إنها الساعة الثالثة و45 دقيقة فجراً. يقف شرطيان عند خيمة صغيرة منصوبة في شارع «كينغ شارلز»، حيث مقر وزارة الخارجية البريطانية وسط لندن. يطلب شرطيان من رجل يحتمي من البرد بسترة شتوية بيضاء مغادرة «مخيمه» أمام المبنى الحكومي. يدخل الثلاثة في نقاش، ثم يغادر الشرطيان.
«لقد أدركوا من نحن وسبب وجودنا هنا. لكنهم قد يعودون غداً»، هذا ما قاله صاحب السترة البيضاء وهو ريتشارد راتكليف، زوج البريطانية الإيرانية نازنين - زاغري راتكليف المحتجزة في طهران منذ عام 2016.
بدأ ريتشارد إضراباً عن الطعام قبل قرابة أسبوعين خارج مقر وزارة خارجية بلاده، احتجاجاً على «فشل» لندن في الإفراج عن زوجته التي تواجه احتمال العودة إلى السجن في إيران، بعدما أنهت فترة محكوميتها الأولى. وينتقد جهود لندن التي يعدها «غير كافية» في مواجهة ما يصفه بـ«سياسة احتجاز الرهائن» الإيرانية.
ضم أقارب محتجزين أوروبيين مزدوجي الجنسية صوتهم إلى راتكليف، وطالبوا حكوماتهم بمضاعفة الجهود للإفراج عن المعتقلين، الذين يقولون إنهم أصبحوا «أوراق مساومة» في يد طهران.
في تحقيق عبَر ثلاث دول أوروبية، تحدثت «الشرق الأوسط» مع أُسر البريطانيين - الإيرانيين نازنين زاغري - راتكليف وأنوشه أشوري، والفرنسي بنجامين بريير، والسويدي - الإيراني أحمد رضا جلالي، في محاولة لفهم ملابسات سياسة «احتجاز الرهائن» الإيرانية، والتحديات التي تطرحها أمام العواصم الغربية المنخرطة في مفاوضات مع طهران هذه الأيام.

أربعة مطالب

  راتكليف وابنته غابرييلا يحتجون على استمرار احتجاز نازنين وسط لندن الجمعة (أ.ف.ب) 

فقد ريتشارد الأمل في نجاح استراتيجية بريطانيا لإطلاق سراح زوجته، وقال لـ«الشرق الأوسط»، من موقع احتجاجه، «لا أعتقد أنها ستنجح، ستنتهي إلى النتيجة نفسها». وتابع ريتشارد الذي بدأت مظاهر البرد القارس تظهر على محياه: «كانت لدينا أسباب للتفاؤل خلال فترة الصيف، كانت هناك الكثير من المفاوضات بين الحكومتين البريطانية والإيرانية، لكنها اصطدمت بعوائق، ثم توقفت».
وأوضح البريطاني الذي يقود حملة مكثفة لإطلاق سراح زوجته منذ احتجازها عام 2016، أن لقاءه الأخير مع وزيرة الخارجية البريطانية زاد من عزمه للإضراب عن الطعام، بعدما تبين له أن لندن لن تفرض أي عواقب على إيران عقب صدور حكم جديد على نازنين. وتابع: «قد تكون هناك عواقب إذا أُعيدت نازنين إلى السجن. لكن الأوان سيكون قد فات بالنسبة لنا». «هذا ما شجعني على اتخاذ قرار الإضراب عن الطعام. إنه قرار نستطيع اتخاذه، بدون انتظار الحكومة».
اعتُقلت الإيرانية - البريطانية البالغة 43 عاماً في 2016، أثناء زيارة عائلتها في طهران. اتهمت نازنين زاغري - راتكليف، التي كانت تعمل مديرة لمشروع في مؤسسة «تومسون رويترز» الذراع الخيرية لوكالة الأنباء، بالتآمر لقلب النظام الإيراني، وحُكم عليها بالسجن خمس سنوات. وبعدما أمضت هذه العقوبة، حُكم عليها في نهاية أبريل (نيسان) الماضي بالسجن لمدة عام ومُنعت من مغادرة إيران لمدة عام آخر بسبب مشاركتها في مسيرة أمام السفارة الإيرانية في لندن عام 2009، وخسرت زاغري - راتكليف استئنافها ضد هذا الحكم منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، ما أثار مخاوف من إعادتها إلى السجن.
ويرى ريتشارد راتكليف أن زوجته «رهينة» لدى طهران، وأنها تُستخدم، إلى جانب بريطانيين محتجزين آخرين، ورقة مساومة لتسوية قضية دين تاريخية بقيمة 400 مليون جنيه إسترليني، تطالب به طهران منذ عام 1979.
وقدم ريتشارد أربعة مطالب للحكومة البريطانية، صنفها وفق مبدأ العصا والجزرة. المطالب المندرجة تحت «العصا» ثلاثة، وتشمل «إقرار الحكومة البريطانية بأن إيران تمارس سياسة احتجاز الرهائن في حق نازنين والمعتقلين مزدوجي الجنسية الآخرين، محاسبة المسؤولين عن هذه السياسة عبر فرض عقوبات (ماغنتسكي) عليهم، أو مواجهتهم قضائياً، والعمل مع الحلفاء في الاتفاق النووي للحصول على التزام من طرف طهران بوقف احتجاز الرهائن ومعاملتهم كأوراق تفاوض». أما المطلب المندرج تحت «الجزرة» فواحد، ويدعو لندن إلى تسوية قضية الدين التاريخي الذي تطالب به طهران. ويقول ريتشارد إنه قدم هذه المطالب للحكومة البريطانية وراء أبواب مغلقة في السابق، وهو يتطلع اليوم إلى استجابتها، رغم إقراره أن غالبية الحكومات «تفضل الانتظار عندما تواجه إضراباً عن الطعام».
ورداً على هذه المطالب، أكد متحدث باسم الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط»، أن «قرار إيران المضي في هذه التهم التي لا أساس لها ضد نازنين زاغاري - راتكليف هو استمرار مروع للمحنة القاسية التي تمر بها. بدلاً من التهديد بإعادة نازنين إلى السجن، يجب على إيران إطلاق سراحها بشكل تام حتى تتمكن من العودة إلى ديارها». وتابع: «نحن نبذل قصارى جهدنا لمساعدة نازنين في العودة إلى ابنتها الصغيرة وعائلتها، وسنواصل الضغط على إيران بشأن هذه النقطة».
يدرك البريطاني، الذي يخوض ثاني إضراب عن الطعام في عامين، صعوبة المهمة التي يواجهها. ويقول إنه في المرة الأولى اتخذ قراره تضامناً مع زوجته التي بدأت إضراباً عن الطعام من سجن إيفين في طهران، واستمر فيه 15 يوماً. ويقول: «قد أُضرب عن الطعام للفترة نفسها، أو أطول، وفق التطورات. لكن المهمة تطرح العديد من التحديات، والتأقلم مع المبيت في الشارع يتطلب عدة أيام، خصوصاً مع انخفاض درجات الحرارة ليلاً».
أما نازنين، فتنتظر بقلق بالغ احتمال مطالبتها بالعودة إلى السجن «في أي لحظة». يقول ريتشارد إن زوجته مرت بعدة مراحل في الفترة الماضية، تدرجت من الصدمة بعد صدور الحكم الجديد بحقها، إلى الغضب من استمرار «الحرس الثوري» في ممارسة هذه الألاعيب، إلى الحزن من أن هذا الوضع لا يزال مستمراً. «إضرابي عن الطعام جزء من هذا الحزن الذي نمر به».
ويخشى ريتشارد أن تجد نازنين نفسها في موقف ضعيف بعد انتهاء مشاركة الوفد الإيراني في أعمال قمة غلاسكو للمناخ. ويرى أن إضرابه عن الطعام خارج مقر وزارة الخارجية «يضعنا في موقف أقل ضعفاً. لكن، لننتظر ونرى».

قضية دين تاريخية 

أسرة أنوشه أشوري تحتج على استمرار اعتقاله في طهران خارج مقر رئاسة الوزراء في لندن 13 أغسطس الماضي (رويترز)

مثل راتكليف، ترى إليكا أشوري صلة واضحة بين سجن والدها أنوشه أشوري وقضية الدين التاريخية العالقة بين بريطانيا وإيران منذ عام 1979.
روت إليكا لـ«الشرق الأوسط»، تفاصيل اعتقال والدها، الذي يحمل الجنسيتين الإيرانية والبريطانية، فقالت: «اتجه والدي إلى إيران في صيف عام 2017 للاهتمام بوالدته (86 عاماً) التي كانت ستخضع لعملية جراحية في الركبة». اعتُقل هذا المهندس المتقاعد، البالغ من العمر 66 عاماً، وهو في طريقه للتسوق في أغسطس (آب) 2017، «توقفت شاحنة فجأة، سُئل عن اسمه، وبمجرد تأكيده وُضع كيس على رأسه ونُقل إلى سجن إيفين». حُوكم أنوشه أشوري بتهمة التجسس لصالح الموساد، وهو يقضي الآن عقوبة سجن لمدة 10 سنوات. «أحيل إلى الحبس الانفرادي لمدة شهرين ونصف الشهر، ثم نُقل إلى السجن العام، حيث لا يزال قابعاً حتى اليوم».
أفادت إليكا بأن عائلتها التي صُدمت بالتهم الموجهة لأنوشه، حاولت استئناف الحكم في إيران. «لكن من الواضح أن التهم لم تكن حقيقية. لذا فإنهم رفضوا طلب الاستئناف». وتابعت: «اكتشفنا آنذاك أن (تهمة التخابر) هي التهمة الأساسية التي تستخدمها الحكومة الإيرانية لاعتقال مزدوجي الجنسية، واستخدامهم رهائن لتحقيق مصالح طهران».
وتربط إليكا بين سجن والدها وقضية الديون، وتقول إن «الأمر لم يعد سراً». «كانت هناك محادثات بين الحكومتين لتسوية هذه الديون. لكن حدثين أساسيين طرآ في العامين الماضيين؛ الجائحة و(بريكست)، مما ساهم في تأخير العملية». وتضيف: «كانت هناك صفقات على وشك الإبرام، لكنها فشلت لأسباب لم يتم إخبارنا بها». وترى إليكا أن والدها سقط ضحية «أضرار جانبية» بين دول تحاول عقد صفقات تخدم مصالحها.
ولا ترى المملكة المتحدة أنه «من المفيد» الربط بين القضايا الثنائية الأوسع نطاقاً، وبين قضية المحتجزين تعسفياً في إيران. ولطالما أكدت لندن استمرارها في استكشاف الخيارات المتاحة لحل هذه القضية البالغة من العمر 40 عاماً.
ومنذ اعتقال أنوشه، عقدت عائلته وممثلوه عدة لقاءات مع وزارة الخارجية البريطانية، لكن «نادراً ما أدى ذلك إلى إحراز تقدم ملموس»، وفق إليكا. وأوضحت: «لقد عقدنا اجتماعات مع كل من جيريمي هانت ودومينيك راب (في إشارة إلى وزيري الخارجية السابقين). تتشابه طبيعة هذه الاجتماعات، يقدمون لنا تحديثاً عن المفاوضات الجارية، ويؤكدون أن قضايا مزدوجي الجنسية المعتقلين مهمة بالنسبة لهم، وأنهم يبذلون قصارى جهدهم». وأسفت إليكا لحصول أسرتها على «الإجابة نفسها منذ أربع سنوات». بالنسبة إلى إليكا، فإن المشاركة في هذه الاجتماعات «تتم من أجل راحة بالنا، ولطمأنة والدي بأنه لم يتم نسيانه... لكن لا شيء حقيقي يصدر عن هذه الاجتماعات». وعن تأثير الحكومة الإيرانية الجديدة على قضية والدها، ترى إليكا أن «حكومة رئيسي تُعد أكثر تشدداً من الحكومة السابقة. لكنني آمل أنه نظراً لتمتع الحكومة الجديدة بانسجام تام، وغياب الانقسامات داخلها، فربما تكون القرارات أسهل، وربما يكونون أكثر استعداداً للتعاون مع حكومة المملكة المتحدة لأسباب تتعلق بالتجارة». وتستدرك: «لا يمكننا التنبؤ. نأمل فقط فيما هو أفضل».
وفي تعليق عن استمرار إيران في اعتقال أنوشه أشوري، قال جيمس كليفرلي وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأسبوع الماضي، «نتفهم الإحباط الذي تشعر به أُسر الأشخاص المحتجزين في إيران (...) وسنستمر في العمل لضمان إطلاق سراحهم». وتابع في جلسة بمجلس العموم البريطاني: «لكن اللوم يقع على عاتق الحكومة الإيرانية... إذ أنهم من وجه هذه التهم غير المشروعة، واحتجزوا مواطنين بريطانيين مزدوجي الجنسية، وهم الذين لديهم السلطة الحصرية لإطلاق سراحهم، وهو ما ينبغي عليهم فعله».

رحلة سياحية تتحول إلى جحيم 

 بنجامين بريير اعتُقل قرب مشهد بتهمة التجسس والدعاية ضد النظام الإيراني

توقفت بلاندين بريير، عن تلقي رسائل من أخيها بنجامين بريير (35 عاماً) الذي كان في رحلة سياحية إلى إيران، في مايو (أيار) 2020، واكتشفت بلاندين وعائلتها أن الشاب الذي يحمل الجنسية الفرنسية وسافر إلى إيران بسيارة «فان» من فرنسا، تعرض للاعتقال في مكان قريب من مدينة مشهد، حيث كان يزور متنزهاً طبيعياً، بتُهمة قيادة طائرة «درون» والتقاط صور في «منطقة محظورة». ووُجهت إلى بنجامين بعد ذلك تهمة التجسس والدعاية ضد النظام الإيراني.
تنفي بلاندين هذه الاتهامات بشدة، وتؤكد أن أخاها الذي يقبع في سجن بمدينة مشهد منذ 14 شهراً، كان «مجرد سائح فرنسي عادي، اشترى طائرة درون سياحية من (سوبر ماركت)». وتضيف: «سافر سائحاً إلى إيران، ووقع في حب البلد وشعبه. وبين عشية وضحاها، وجد نفسه مسجوناً». ويُعد بنجامين السجين الأجنبي الوحيد، الذي تعترف إيران باحتجازه علناً، والذي لا يحمل جنسية مزدوجة.
يتلقى بنجامين زيارات قنصلية منتظمة، تُنظم مرة كل شهرين. «لقد ناشدنا الحكومة الفرنسية مراراً وتكراراً، ومع الرئيس إيمانويل ماكرون، للتدخل نيابة عن بنجامين. لكننا ما زلنا في حالة جهل تام بشأن قضيته». تضيف بلاندين في حديث هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «لا نتلقى أي تحديث من السلطات بشأن قضية بنجامين، بخلاف أنه بخير، وأنه لم يتعرض لسوء معاملة».
وفي مواجهة صمت السلطات الفرنسية، قررت عائلة بنجامين قبل بضعة أشهر التحدث علناً عن قضيته «لمحاولة تحريكها». تقول بلاندين: «لقد طُلب منا التزام الصمت بشأن احتجاز بنجامين في البداية، على أمل تسوية قضيته. إلا أن الأمور ما كانت لتتحسن في حال واصلنا صمتنا. لذلك، قررنا إثارة قضية أخي علناً. فالوضع غامض، ونحن محرومون من أي معلومات بشأن قضيته».
تعتقد بلاندين، على غرار الأُسر الأخرى التي تكافح من أجل الإفراج عن المحتجزين، أن شقيقها قد يكون «ورقة مساومة» تستخدمها طهران لخدمة مصالحها. وتقول: «نظراً إلى أنه ليست لدينا معلومات عن العملية القضائية في إيران، وفي غياب حكم في قضية بنجامين، هذا هو السيناريو الوحيد المنطقي»، مضيفة: «يمكننا الآن القول بوضوح إن بنجامين رهينة مفاوضات بين الدول، وإنه يُستخدم ورقة مساومة». وطالبت بلاندين حكومة بلادها «بفعل ما هو ضروري لإعادته إلى الوطن».

تهديد بالإعدام 

احتجاج خارج السفارة الإيرانية في بلجيكا على سجن السويدي - الإيراني أحمد رضا جلالي ديسمبر 2020 (غيتي)

تحولت رحلة عمل كان يُفترض أن تستمر أسبوعين إلى كابوس يطارد أحمد رضا جلالي وأسرته الصغيرة المقيمة في السويد. توجه أحمد رضا إلى إيران، مستجيباً لدعوة أكاديمية لحضور ورش عمل حول طب الكوارث.
تقول زوجته فيدا مهران - نيا في حديث مع «الشرق الأوسط»، «اعتُقل أحمد رضا على يد مسؤولين من وزارة الاستخبارات والأمن الوطني أثناء سفره بالسيارة من طهران إلى كرج، في 25 أبريل 2016، لم يُقدم المسؤولون أي مذكرة توقيف أو وثيقة رسمية أخرى، كما لم يبلغوا أحمد رضا بسبب اعتقاله. وبعد حوالي أسبوعين من احتجازه، ادعى المسؤولون أنه يتعاون مع إسرائيل». وتؤكد مهران - نيا أنه لم يتم تقديم أي دليل أو إثبات على هذه التهم، التي «لا أساس لها من الصحة»، من قبل السلطة القضائية الإيرانية أو وزارة الاستخبارات.
حُكم على أحمد رضا بالإعدام لاتهامه بنقل معلومات سرية لجهاز الموساد الإسرائيلي، وهو يقبع اليوم في سجن إيفين.
وحول جهود الإفراج عن أحمد رضا، تقول مهران – نيا، «لا نعرف تفاصيل الخطوات التي اتخذتها الحكومة السويدية لإطلاق سراح أحمد رضا. يكرر المسؤولون السويديون لنا دائماً أنهم يثيرون قضية جلالي خلال اجتماعاتهم واتصالاتهم الدبلوماسية مع السلطات الإيرانية، لكننا لا نرى تحسناً». وتتابع: «في الواقع، لم يتم تقديم أي مثال واحد على إجراء حقيقي تم اتخاذه من أجل حرية أحمد رضا من قبل الحكومة السويدية». في المقابل، أشادت مهران - نيا بقرار السلطات السويدية «الرائع» منح الجنسية السويدية لأحمد رضا في فبراير (شباط) 2018.
وبخلاف محتجزين آخرين، حُرم أحمد رضا من الاتصال بأسرته في السويد. وقالت فيدا: «لقد مر عام تقريباً على منع مسؤولي سجن إيفين الاتصال بين أحمد رضا وعائلته، سواء في إيران أو في السويد». وتابعت: «إلا أنه سُمح له من حوالي 3 أشهر، بالتواصل مع عائلته داخل إيران، وذلك بعد وفاة والدته».
تلقى أحمد رضا «معاملة قاسية للغاية في السجن، تضمنت استخدام عدة أساليب غير إنسانية». واكتفت فيدا بالإشارة إلى جملة استخدمها خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة، مفادها أنه «لا توجد سوى كلمة لوصف سوء المعاملة الجسدية والنفسية الشديدة التي تعرض لها جلالي، وهي التعذيب».
ورجحت فيدا استخدام إيران زوجها أحمد رضا «ورقة مساومة لممارسة الضغط السياسي على الاتحاد الأوروبي، لا سيما بلجيكا والسويد». وتوضح: «هناك مجريات قانونية ومحاكمات تجري في هذين البلدين، تثير غضب النظام الإيراني. وتفترض وسائل الإعلام الدولية وكيانات مختلفة أن النظام الإيراني يستخدم أحمد رضا رهينة».

مفاوضات «النووي» والمعتقلون

يعتبر مراقبون أن الدول الأوروبية، والغرب عموماً، فشلوا في مواجهة سياسة «احتجاز الرهائن» التي تنتهجها إيران، فيما يدعو البعض إلى فرض إجراءات عقابية تمنع طهران من الاستمرار في هذه الممارسة، وتحضها على الإفراج عن المحتجزين تعسفياً.
تقول الدكتورة كارلا فيرستمان، محاضرة القانون في جامعة «إسيكس»، إن «هناك جدلاً حول كيفية الرد على الدول التي تنتهج سياسة أخذ الرهائن. قد لا ترغب دولة في اتخاذ إجراءات من شأنها تشجيع المزيد من عمليات أخذ الرهائن، ولكن في الوقت نفسه من الضروري أن تأخذ الدول في الاعتبار العواقب الإنسانية والمعاناة الشديدة للأشخاص المحتجزين وعائلاتهم». وترى فيرستمان في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من المهم بالنسبة للدول التي تواجه هذا النوع من الممارسات أن تنسق إجراءاتها لتعظيم تأثيرها الجماعي».
وتؤكد الحكومتان البريطانية والأميركية أن الإفراج عن مواطنيهم المعتقلين في إيران «أولوية قصوى». وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أكد متحدث باسم الخارجية البريطانية أن لندن «تدعو الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى وضع إيران في مسار مختلف»، لافتاً إلى أن وزيرة الخارجية ليز تراس، ضغطت في لقائها مع نظيرها الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في الجمعية العامة للأمم المتحدة مطلع أكتوبر، بشأن هذه المسألة، و«ستواصل الضغط حتى عودة الرعايا البريطانيين المحتجزين ظلماً إلى بلادهم».
وبينما تستعد الدول الأطراف في الاتفاق النووي الإيراني لاستئناف المفاوضات مع طهران نهاية الشهر الحالي، تشدد لندن وواشنطن على ضرورة فصل محادثات فيينا عن قضية مزدوجي الجنسية.
يقول متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، «نعد العودة السريعة والآمنة للمواطنين الأميركيين المحتجزين ظلماً في إيران إلى ديارهم أولوية قصوى. نحن مصممون على إطلاق سراحهم بغض النظر عما يحدث على المسار النووي»، مشدداً على أن «مفاوضات خطة العمل الشاملة هي جهد منفصل ومستمر».
واعتبر المتحدث أن الحكومة الإيرانية استخدمت الاحتجاز التعسفي في محاولة للإكراه وانتزاع تنازلات من الولايات المتحدة ودول أخرى لأكثر من أربعين عاماً. وفيما تتحفظ واشنطن على الإفصاح عن عدد المحتجزين الأميركيين مزدوجي الجنسية في إيران، لأسباب أمنية وأخرى تتعلق بالخصوصية، أكد المتحدث أن إيران تحتجز أربعة مواطنين أميركيين على الأقل، هم باكير وسياماك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز، الذي يحمل الجنسية البريطانية كذلك. وقال: «ينبغي على الحكومة الإيرانية كذلك أن توضح مصير العميل السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت ليفنسون والمواطنين الأميركيين الآخرين المفقودين أو المختطفين في إيران».
ورجحت فيرستمان أن تتسبب الاعتقالات التعسفية في زيادة عزلة إيران، موضحة: «نادراً ما تتعلق سياسة احتجاز الرهائن بـ(تحقيق) نتائج مباشرة أو الحصول على تنازلات. بل تُسبب هذه الممارسة زيادة عدم الثقة وتعقيد العلاقات الدولية، فضلاً عن بث الخوف لدى الأشخاص الذين يعيشون في الخارج من العودة إلى إيران لزيارة العائلة أو للانخراط بشكل مهني أو اقتصادي مع البلد. ولذلك تداعيات طويلة المدى على البلاد، ويعزز عزلة إيران».
وترى الأكاديمية أن للأمم المتحدة «دوراً مهماً» في مواجهة هذه الممارسة، إذ «تقوم آلية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة - بما في ذلك المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بإيران وفريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، بالتعليق على هذه الممارسة بانتظام». وتضيف: «لكن، وبالنظر إلى البعد الدولي للمشكلة واستهداف (إيران) مواطنين من مجموعة من الدول ما يؤثر على السلام والأمن، فإن لكل من الجمعية العامة ومجلس الأمن دوراً مهماً يلعبانه».



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم