السيسي يمهد لتدخل عسكري مصري أوسع في اليمن

قال إن بلاده لن تتخلى أبدًا عن الخليج.. ولمح إلى إجراءات يتطلبها التدخل البري

الرئيس السيسي محاطا بقادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقب اجتماع المجلس في القاهرة أمس ({الشرق الأوسط})
الرئيس السيسي محاطا بقادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقب اجتماع المجلس في القاهرة أمس ({الشرق الأوسط})
TT

السيسي يمهد لتدخل عسكري مصري أوسع في اليمن

الرئيس السيسي محاطا بقادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقب اجتماع المجلس في القاهرة أمس ({الشرق الأوسط})
الرئيس السيسي محاطا بقادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقب اجتماع المجلس في القاهرة أمس ({الشرق الأوسط})

في أقوى إشارة على عزم مصر توسيع مشاركتها في عملية «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية لدعم السلطة الشرعية في اليمن، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن «مصر لن تتخلى أبدا عن أمن الخليج»، وذلك عقب جلسة طارئة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أمس. ولمح إلى اجتماعات مرتقبة لمجلس الدفاع الوطني ومجلس الأمن القومي المصري ومجلس الوزراء، وهي إجراءات دستورية لازمة للموافقة على مشاركة القوات المسلحة في عمل عسكري خارجي.
وبث التلفزيون المصري الرسمي أمس كلمة الرئيس السيسي، الذي ظهر محاطا بقادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عقب اجتماع المجلس الذي استغرق أكثر من ست ساعات. وقال الرئيس المصري في رسالة لمواطنيه «شعرت بأن هناك قلقا لدى الرأي العام في مصر (تجاه المشاركة المصرية في حرب اليمن)، لكن حين نقول إننا نقف وندافع عن أشقائنا فهذا أمر ليس خاضعا للنقاش.. ومصر لن تتخلى أبدا عن أشقائها في الخليج. نحن قادرون على ذلك، وسنقوم معهم بحمايتهم والدفاع عنهم إذا تطلب الأمر ذلك».
وأعلنت مصر مشاركتها في تحالف من عشر دول بقيادة سعودية، يعمل على استعادة شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بعد أن بدأ المتمردون الحوثيون الهجوم على مدينة عدن الجنوبية التي أعلنها هادي عاصمة مؤقتة للبلاد.
ولمح الرئيس السيسي إلى إجراءات دستورية يتطلبها تدخل الجيش في عمليات عسكرية. وقال إن قضية اليمن «بحثت على مدار ست ساعات في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهناك اجتماعات أخرى مع مجلس الدفاع الوطني ومجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء، لأن الأمور تبحث بشكل مؤسسي، لكننا نضع إطارا آخر كلنا نتوافق عليه، وهو أن حماية الأمن القومي العربي لن تكون إلا بنا جميعا، ولن يدير أحد أبدا ظهره للآخر، هذا موضوع في غاية الأهمية».
وأضاف السيسي أن «هذا التعاون العربي من أجل البناء والتعمير وليس للعدوان على أحد. نحن نتحدث عن حماية وتأمين». وتساءل السيسي «من سيتصدى لحماية (مضيق باب المندب) وهو أمن قومي مصري وعربي؟.. نحن سنفعل». وقال السيسي «كان ضروريا أن يستمع الشعب المصري لكلماتي هذه إن كان يثق ويطمئن إلى حرصي على سلامة كل ابن أو بنت من أبناء مصر، وإلى حرصي على كل قطرة دم مصري.. لكن نحن أمة في خطر تدافع عن نفسها».
وأضاف الرئيس المصري قائلا «من يقترب من أشقائنا في الخليج سنتصدى له بقوة. أقول هذا الكلام للمصريين قبل أي أحد آخر. ومع كل التقدير لخلفية تدخلنا في اليمن في الستينات فإن دورنا الحالي مختلف، والأمور تخضع لتقديرات دقيقة جدا، ولن نضيع بلادنا وبلاد أشقائنا بحسابات خاطئة». ويشير السيسي بذلك إلى قرار التدخل العسكري المصري في اليمن خلال حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1962 لدعم الجمهوريين، والذي ينظر إليه كأحد أسباب إنهاك الجيش، مما تسبب في هزيمة مصر عام 1967، أمام إسرائيل.
وقال الرئيس المصري إن بلاده تتحرك «في إطار سياسي لتجنب خسائر لا داعي لها»، مشددا على أن مصلحة مصر ومصلحة العرب تحقيق الاستقرار في اليمن وفي سوريا وفي ليبيا. وأشار السيسي إلى الدعم الخليجي القوي الذي قدم إلى بلاده في أعقاب ثورة 30 يونيو (حزيران)، لكنه تابع قائلا «لن أقول إن دفاعنا عن دول الخليج لأنها وقفت إلى جوارنا، فهذا أمر لا يليق بنا، بل سندافع عن أمن أشقائنا لأن هذه بلادنا العربية.. وحينما قلت تحيا الأمة العربية (خلال اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى القمة) فهذا ليس شعارا إنما فعل وإرادة، ولن يقترب أحد من أشقائنا في الخليج لأن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي».
وظهر السيسي وإلى جواره رئيس أركان الجيش، الفريق محمود حجازي، الذي عاد إلى القاهرة أمس قادما من الرياض في زيارة استغرقت ساعات، حضر خلالها اجتماعا لرؤساء أركان عدد من الدول العربية. وقال بيان للجيش المصري إن الفريق حجازي شارك في اجتماع رؤساء أركان الدول العربية في إطار تفعيل قرارات مؤتمر القمة العربية بإنشاء قوة عربية مشتركة تستهدف الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، لكن مصدرين دبلوماسيين قالا لـ«الشرق الأوسط» إن اجتماع قادة الأركان ناقش سير عمليات «عاصفة الحزم».
وقالت مصادر مصرية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أمس إن تصريحات السيسي تؤكد أن التدخل البري لم يعد مستبعدا، بل ربما مرجحا. وأشارت إلى أن الحديث عن إطار سياسي يعكس رغبة مصر في وجود إطار سياسي للعملية العسكرية البرية المحتملة بقوة الآن.
وأضافت المصادر أنه «لا يجب فصل تصريحات الرئيس المصري عن سياق العمليات الجارية حاليا في اليمن وحرج الموقف في عدن، ودعوات القوى الكبرى إلى التوجه مرة أخرى إلى التسوية.. لكن بأي شروط؟ هذا هو السؤال الحرج. فإذا حسم الحوثيون المعركة في عدن لصالحهم فستذهب الأطراف العربية إلى التسوية بموقف ضعيف نسبيا».



جبايات انقلابية في صنعاء تفاقم معاناة اليمنيين

متسوقون في سوبر ماركت في صنعاء قبل أيام قليلة من عيد الأضحى الماضي (أ.ب)
متسوقون في سوبر ماركت في صنعاء قبل أيام قليلة من عيد الأضحى الماضي (أ.ب)
TT

جبايات انقلابية في صنعاء تفاقم معاناة اليمنيين

متسوقون في سوبر ماركت في صنعاء قبل أيام قليلة من عيد الأضحى الماضي (أ.ب)
متسوقون في سوبر ماركت في صنعاء قبل أيام قليلة من عيد الأضحى الماضي (أ.ب)

اضطر مجيب ناصر إلى بيع عربته التي قام بتصميمها قبل سنوات عدة لاستخدامها في بيع البطاطس المسلوقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، وأخذ يفكر منذ شهرين في نشاط تجاري لا تطاله الجبايات أو تمنعه الإتاوات من الاستقرار، ويخشى أنه لن يصل إلى نتيجة.

يقول ناصر لـ«الشرق الأوسط» إنه لجأ أكثر من مرة إلى تغيير مواقع عمله؛ هرباً من المشرفين الحوثيين الذين ينتزعون يومياً وأسبوعياً وشهرياً مبالغ كبيرة من دخله، لكنه فوجئ أخيراً بتراكم المبالغ والغرامات التي قُيِّدت عليه؛ نتيجة تنقلاته قبل سداد الجبايات المفروضة عليه، واكتشف أن لدى سلطات الجماعة وسائل رقابة وسجلات منظمة للجبايات.

باعة متجولون في صنعاء يعرضون «الكدم» وهو أحد أنواع الخبز الشهيرة في اليمن (رويترز)

كان ناصر معلماً، اضطره توقف رواتب المعلمين إلى بيع البطاطس المسلوقة، وهي مهنة يزاولها آلاف اليمنيين؛ نظراً لإقبال السكان على تناول هذه الوجبة زهيدة الثمن طوال اليوم، ورغم أنها أصبحت مزدحمة بآلاف العاطلين المقبلين عليها، فإن ذلك الزحام لم يسبب تراجعاً في مداخليهم، كما فعلت الجبايات والإتاوات إلى درجة دفعتهم إلى التخلي عنها.

واشتكى التجار وملاك المحال التجارية والباعة المتجولون في صنعاء ومدن أخرى، خلال الأيام الماضية، من عودة أتباع الجماعة الحوثية لفرض جبايات جديدة عليهم، بعد شبه توقف منذ عيد الأضحى الماضي، الذي يعدّ أحد أهم مواسم الجبايات طوال العام، في الوقت نفسه الذي أقرّت فيه الجماعة زيادة رسوم قطاعات خدمية عمومية.

وأكد عدد من ملاك المحال التجارية أن المسلحين الحوثيين المكلفين جمع الجبايات منهم، يحملون خلال زياراتهم أجهزة كومبيوتر محمولة أو لوحية مُحمّلة بأنظمة وسجلات إلكترونية تتضمن البيانات المالية لمختلف المستهدفين بالجبايات، بمَن فيهم الباعة المتجولون.

وتبعاً لذلك، فإن لدى الجماعة الحوثية القدرة على فرض غرامات على كل مَن ينقل محل نشاطه التجاري أو يفتتح نشاطاً آخر دون أن يبلغها مسبقاً، ويعمل على تصفية ما عليه من مبالغ تم فرضها كجبايات دورية، أسبوعية أو شهرية أو فصلية أو سنوية.

تأجير المساحات العامة

منذ مارس (آذار) الماضي بدأت الجماعة الحوثية تحصيل آلاف الدولارات من الباعة المتجولين وأصحاب البسطات في سوق شرق العاصمة صنعاء بالقوة، نظير إيجار للمساحات التي يشغلونها لممارسة أنشطتهم التجارية.

وكشفت وثيقة أن القيادي في الجماعة نجيب شرف الدين، الذي عينته وكيلاً لأمانة العاصمة لشؤون الاستثمار، كلف أحد أتباعها ويدعى محمد الجبر، مهام مسؤول سوق الزهراوي في حي الصافية؛ لتحصيل الجبايات من الباعة وأصحاب البسطات.

اتفاق بين قيادات حوثية على تحصيل الجبايات من الباعة المتجولين في إحدى أسواق صنعاء (إكس)

وبموجب الاتفاق بين شرف الدين والجبر، يلتزم الثاني بتوريد ما يزيد على 4700 دولار شهرياً (2.5 مليون ريال يمني) إلى خزينة المدينة التي يسيطر عليها الأول، بعد أن يعمل على استقطاع مستحقاته والفريق العامل معه. وأشرف على الاتفاق القيادي الحوثي حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة صنعاء.

ووفقاً لمصادر مطلعة؛ فإن هذا المبلغ يزيد على المبلغ الذي كان يتم تحصيله سابقاً بأكثر من الضعفين، إذ كان يتم توريد نحو 1500 دولار شهرياً فقط (800 ألف ريال)، قبل مارس (آذار) الماضي.

وفي سياق آخر، ذكرت مصادر في جامعة صنعاء أن إدارة الجامعة المعينة من الجماعة الحوثية رفعت رسوم السكن الطلابي إلى أكثر من 500 في المائة بالتزامن مع بدء العام الجامعي الجديد، ووصل المبلغ المفروض على كل غرفة إلى نحو 57 دولاراً (30 ألف ريال يمني) بعد أن كان أقل من 10 دولارات (5 آلاف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار في مناطق سيطرتها يساوي 530 ريالاً.

وكان السكن الطلابي في جامعة صنعاء، قبل هذه الزيادة، خدمة شبه مجانية للطلاب القادمين من الأرياف والمناطق النائية، ويتم تحصيل رسوم رمزية مقابل خدمات النظافة وتوفير المتطلبات الضرورية.

الجبايات الحوثية المفروضة على الباعة والتجار والمحلات تضاعف الأسعار (رويترز)

وأثارت هذه الزيادة استياءً بين طلاب الجامعة والأوساط الأكاديمية، حيث يُنظر لها بوصفها جزءاً من مخطط تحويل الجامعات اليمنية والمؤسسات التعليمية إلى مصادر للإيرادات والجبايات على حساب الخدمات العلمية والتعليمية التي تواجه الإهمال والتدهور، بحسب المصادر.

وتوقّعت المصادر أن يضطر عشرات الطلاب إلى مغادرة السكن الجامعي نظراً لعدم مقدرتهم على دفع تلك المبالغ، خصوصاً مع زيادة كبيرة في رسوم مختلف الخدمات التعليمية والكتب والمستلزمات الدراسية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وغلاء الأسعار الذي يشمل مختلف نواحي الحياة.

ابتزاز باسم المستهلكين

يواجه ملاك المخابز في صنعاء خطر الإفلاس بعد فرض جبايات جديدة عليهم، مع إجبارهم على بيع الخبز بالتسعيرة السابقة نفسها ودون تغيير في أحجام أو أوزان الأرغفة.

وأفادت مصادر تجارية بأن الجماعة الحوثية كلفت، عبر قطاع التجارة الذي تسيطر عليه، فرقاً للنزول الميداني اليومي للرقابة على أوزان وأحجام الأرغفة وأسعارها، وتحصيل غرامات فورية على أي مالك مخبز يتم اتهامه بارتكاب مخالفة، حيث تحدث مشادات واشتباكات شبه يومية بين ملاك المخابز وأفراد فرق الجبايات الحوثية.

عامل في مخبز في صنعاء حيث يواجه ملاك المخابز حملات جباية حوثية تهددهم بالإفلاس (أ.ف.ب)

ويعاني ملّاك المخابز مما يسمونه «الابتزاز» الذي يمارسه أتباع الجماعة المكلفين جمع الجبايات، والرقابة على الأوزان والأسعار، تحت مبرر حماية المستهلك من الاستغلال بمنع رفع سعر الخبز، إذ يتم إجبارهم على البيع بالتسعيرة المُقرَّة، بينما تتسبب الجبايات والغرامات في إلحاق الخسائر بهم، دون مراعاة لحقوقهم في تحقيق الأرباح.

وفرضت الجماعة الحوثية، العام الماضي، تسعيرة جديدة للخبز أقل من التسعيرة السابقة، تحت مبرر انخفاض أسعار القمح، إلا أنها وفي موازاة ذلك زادت من فرض الجبايات على ملاك المخابز تحت مسميات متعددة، ومن بينها جبايات لدعم المقاتلين في الجبهات ودعم الاحتفالات بالمناسبات الخاصة بالجماعة، بالإضافة إلى المساهمة في تمويل نظافة الشوارع، وصيانة الطرقات.