حملة اعتقالات وإقالات واسعة في السودان... وإدانة أممية

اتصالات لتعيين رئيس وزراء جديد بديلاً لحمدوك... وتعيين «إسلاميين» في مراكز حيوية

TT

حملة اعتقالات وإقالات واسعة في السودان... وإدانة أممية

ألقت السلطات العسكرية في السودان القبض على ثلاثة من كبار القادة السياسيين والتنفيذيين، غداة إطلاق سراح أربعة من الوزراء ألقي القبض عليهم بعد «الانقلاب العسكري» الذي نفذه قائد الجيش نهاية الشهر الماضي، في الوقت الذي تواصلت فيه الاعتقالات لأعداد غير معلومة من النقابيين والنشطاء وقادة لجان المقاومة الشعبية في الأحياء، وتردد أن بعضهم تعرض للضرب والتعذيب أثناء عمليات الاعتقال، كما أصدرت السلطات قرارات جديدة بإعفاء مسؤولين في مركز حيوية عديدة، وتعيين «إسلاميين من النظام السابق» في مكانهم.
وقالت «بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان»، المعروفة اختصاراً بـ«يونيتامس»، في تغريدة على حسابها الرسمي على موقع التراسل «تويتر»، أمس، إن السلطات العسكرية اعتقلت أعضاء المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» طه عثمان إسحاق، وشريف محمد عثمان، وحمزة فاروق، لحظة خروجهم من مقر البعثة بالخرطوم ظهر أول من أمس، بعد اجتماع مع رئيس الممثل الخاص للأمين العام، رئيس البعثة.
وأدانت البعثة بشدة عملية الاعتقال، وطالب قيادة الجيش بالكف عن اعتقال السياسيين والناشطين، ودعتهم لـ«التوقف عن ارتكاب مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان»، واعتبرت الاعتقالات التي تمت بعد اجتماع في مقرها تعويقاً للمساعي الحديثة التي تبذلها البعثة، وحثت السلطات على الإفراج الفوري عن كل المعتقلين قبل وبعد 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
واعتبرت عمليات الاعتقال، على وجه الخصوص اعتقال أعضاء المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» من أمام مقرها، عرقلة لـ«مساعي إعادة الاستقرار والعودة إلى مسار التحول الديمقراطي في السودان، وتلغي أي أثر إيجابي لإطلاق سراح أربعة من الوزراء».
وفي وقت متأخر من ليلة أول من أمس، أطلقت السلطات العسكرية سراح وزراء الاتصالات هاشم حسب الرسول، ووزير الثقافة والإعلام حمزة بلول، ووزير الشباب والرياضة يوسف آدم الضي، ووزير التجارة والتموين علي جدو، وذلك استجابة لضغوط محلية ودولية، وأبلغ وسيط دولة جنوب السودان توت قلواك، الصحافيين، أن السلطات ستواصل إطلاق سراح المعتقلين على دفعات، ما عدا آخرين قالت إنهم يواجهون تهماً قانونية ويواجهون بلاغات جنائية.
واتخذ قائد عام الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، إجراءات انقلابية أعلن بموجبها حالة الطوارئ في البلاد، وتعليق بنود في الوثيقة الدستورية، وإقالة مجلسي السيادة والوزراء وإعفاء حكام الولايات والمديرين التنفيذيين، وإلقاء القبض على عدد من كبار المسؤولين والسياسيين ووضعهم قيد الاعتقال التحفظي في جهات غير معلومة، بما فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي وضع قيد الإقامة الجبرية في منزله، وعضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، وعدد آخر من القادة السياسيين والوزراء والنشطاء.
وتتناقل مجالس السودانيين أنباء عن اعتقالات واسعة بين النشطاء وأعضاء لجان المقاومة، من وسائط النقل العام والأحياء السكنية، بصورة مهينة للكرامة الإنسانية، ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المعتقلين الفعلي، لأن القوى التي تعتقل متعددة وتعمل في مناطق واسعة، وتقدر مواقع التواصل أن حملات الاعتقال والقبض طالت مئات الشباب والنشطاء والقادة الشعبيين من الكوادر الوسيطة التي تحرك الاحتجاجات.
ميدانياً، خرجت مظاهرات في عدد من مناطق العاصمة الخرطوم منددة بالانقلاب ومطالبة بالحكم عقب صلاة الجمعة، على وجه الخصوص من «مسجد السيد عبد الرحمن» بأم درمان، وهو أحد المساجد التابعة لطائفة الأنصار الدينية وحزب الأمة القومي، وكان مركزاً لتجمع النشطاء إبان الثورة الشعبية.
وأصدر القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، قرارات جديدة، أمس، حل بموجبها مجالس إدارات الشركات الحكومية والمشاريع الزراعية القومية، وذلك إكمالاً لحملات إقالات واسعة أعقبت الانقلاب، أقال بموجبها قادة الخدمة المدنية، وعين مكانهم موالين لنظام الإسلاميين المعزول، على رأسها وزارة الخارجية وبنك السودان المركزي، وعدد آخر من الوزارات والمؤسسات الحكومية.
كان البرهان قد أصدر قرارات أعاد بموجبها عدداً من الوزراء المقالين لوزاراتهم، أبرزها وزارة المالية ووزيرها جبريل إبراهيم، الذي يعد من عتاة المدافعين عن الانقلاب، ووزارة المعادن، مستثنياً لهما من قراراته بحل مجلس الوزراء بصفتهما ممثلين في الحكومة وفقاً لاتفاقية سلام جوبا، برغم عدم وجود رئيس وزراء أو وزراء آخرين في الحكومة منذ حلها.
من جهة أخرى، علمت «الشرق الأوسط» أن السلطات العسكرية شرعت في اتصالات مع عدد من الأشخاص سياسيين ومدنيين، لإقناعهم بقبول رئاسة الوزراء خلفاً لرئيس الوزراء المعترف به دولياً عبد الله حمدوك، إلا أن تلك الاتصالات لم تثمر عن تحديد شخص أو أشخاص محددين، وذكر المصدر الذي تحدث للصحيفة، أن معظم الذين تم التواصل معهم رفضوا قبول المنصب، بل إن بعضهم شدد على أهمية وجود حمدوك على رئاسة الوزارة في الفترة المقبلة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».