مسؤول دولي يكشف التوصل إلى «خطوط عريضة» لاتفاق محتمل في السودان

واشنطن لـ«استعادة كاملة» للحكومة الانتقالية وغوتيريش يطالب البرهان بإطلاق حمدوك

المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى السودان بيرثيس ومبعوث الاتحاد الأفريقي إلى شرق أفريقيا أولوسيجون أوباسانجو خلال لقاء أمس
المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى السودان بيرثيس ومبعوث الاتحاد الأفريقي إلى شرق أفريقيا أولوسيجون أوباسانجو خلال لقاء أمس
TT

مسؤول دولي يكشف التوصل إلى «خطوط عريضة» لاتفاق محتمل في السودان

المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى السودان بيرثيس ومبعوث الاتحاد الأفريقي إلى شرق أفريقيا أولوسيجون أوباسانجو خلال لقاء أمس
المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى السودان بيرثيس ومبعوث الاتحاد الأفريقي إلى شرق أفريقيا أولوسيجون أوباسانجو خلال لقاء أمس

كشف المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرثيس أمس الخميس أن الجهود الدبلوماسية المكثفة عربياً ودولياً أفضت إلى «خطوط عريضة» لاتفاق محتمل على العودة إلى تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، موضحاً أن ذلك يتضمن عودة الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك وإطلاق المعتقلين ورفع حالة الطوارىء. وحض على إنجاز هذا الاتفاق خلال «أيام لا أسابيع» قبل أن يتشدد الجانبان في مواقفهما مجدداً.
وترافقت هذه التصريحات من واشنطن مع اتصال أجراه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان. وقال الناطق باسم الأمم المتحدة فرحان حق إن الأمين العام «شجع التطورات المتعلقة بكل الجهود المبذولة لحل الأزمة السياسية في السودان وإعادة النظام الدستوري والعملية الانتقالية في السودان بشكل عاجل». وجدد غوتيريش «دعوته إلى إطلاق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والمدنيين الآخرين المحتجزين تعسفاً»، مؤكداً أن «الأمم المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب شعب السودان في سعيه لتحقيق تطلعاته في مستقبل سلمي ومزدهر وديمقراطي».
ونقل حق عن المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى السودان فولكر بيرثيس أن جهود الوساطة المكثفة أدت إلى التوصل إلى «خطوط عريضة لاتفاق محتمل في شأن العودة إلى تقاسم السلطة» بين المدنيين والعسكريين، بما في ذلك عودة رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك، مستدركاً أنه لا بد من إنجاز الاتفاق «في أيام وليس في أسابيع» لأنه كلما تأخر الأمر «سيصير أكثر صعوبة على الجيش، حيث ستزداد الضغوط لتعيين حكومة ما، مهما كانت صدقيتها. وستتصلب مواقف الجانبين». وأوضح أن الاتفاق المحتمل يشمل عودة حمدوك إلى منصبه وإطلاق المعتقلين ورفع حال الطوارىء، فضلاً عن إجراء تعديلات على بعض المؤسسات الانتقالية.
وقال حق إن بيرثيس «يواصل حواره مع جميع أصحاب المصلحة، ليس فقط الجيش والحكومة ولكن أيضاً مع الأعضاء الآخرين... والجماعات الأخرى في السودان»، مضيفاً أن بيرثيس «على اتصال مع الأميركيين، لكن كما قلنا، نرحب بكل الجهود، ليس فقط من جانبنا بالطبع، ولكن من قبل الأطراف الأخرى لضمان العودة إلى الحكومة الانتقالية». وقال بيرثيس الذي يترأس أيضاً البعثة الانتقالية المتكاملة للأمم المتحدة في السودان، يونيتامس لوكالة «رويترز» إن «السؤال الآن.. هل كلا الجانبين على استعداد للالتزام بذلك؟ هنا لا يزال لدينا على الأقل بعض العقبات». ورأى أن المحادثات الراهنة تمثل فعلاً «الفرصة الأخيرة» للجيش من أجل التوصل إلى اتفاق تفاوضي، ملمحاً إلى وجود مناقشات داخل الجيش حول ما إذا كان سيجري التوصل فعلاً إلى اتفاق كهذا.
وأكد المسؤول الأممي أن هناك العديد من جهود الوساطة الجارية في الخرطوم، موضحاً أن الأمم المتحدة تواصل القيام بدورها وتدعم هذه الجهود وتقدم المبادرات والأفكار والتنسيق مع بعض هؤلاء الوسطاء. وشدد على أن الأمم المتحدة تتواصل مع الأطراف المعنية التي تتواصل بدورها مع الأمم المتحدة أيضاً، بما في ذلك البرهان وحمدوك وغيرهما من رموز ما كانت شراكة انتقالية ولكن أيضا مع النخبة وقوى إعلان الحرية والتغيير وغيرهم. ورفض التعليق على «مواقف رئيس الحكومة أو قائد الجيش أو شروطهما أو مطالبهما».
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن المسؤولين الأميركيين يجرون «اتصالات واسعة النطاق في المنطقة، ولا سيما مع شركائنا السعوديين والإماراتيين والمصريين الذين لديهم جميعاً رغبة في استقرار السودان»، مشدداً على ضرورة «العودة الكاملة للحكومة الانتقالية بقيادة مدنية» في هذا البلد. وذكر بأن أكثر من أربعة مليارات دولار من المساعدات الدولية من الشركاء الثنائيين والمؤسسات المالية الدولية وما لا يقل عن 19 مليار دولار من الإعفاءات الدولية للديون «معرضة للخطر في حال عدم إعادة الحكومة بقيادة مدنية في السودان».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.