السنغالي محمد مبوغار سار يفوز بـ«غونكور» الفرنسية

عن روايته «الذاكرات الأكثر سرية للرجال»

الصحافيون في انتظار النتيجة خارج المطعم
الصحافيون في انتظار النتيجة خارج المطعم
TT

السنغالي محمد مبوغار سار يفوز بـ«غونكور» الفرنسية

الصحافيون في انتظار النتيجة خارج المطعم
الصحافيون في انتظار النتيجة خارج المطعم

بإجماع ستة أصوات فازت رواية «الذاكرات الأكثر سرية للرجال» للسنغالي محمد مبوغار سار (31 عاماً) الصادرة عن منشورات «فيليب ري» بجائزة «غونكور». وسبق أن جرى ترشيح هذه الرواية لأكثر من جائزة ولقيت تأييداً من النقاد. وهي عبارة عن يوميات شاعر أفريقي شاب ينتقل إلى فرنسا لتتبع آثار كاتب أفريقي يدعى تي سي أليمان، نال شهرة واسعة واستحق لقب «رامبو الأفريقي» رغم أنه لم ينشر قبل غيابه سوى رواية واحدة. وتأتي الجائزة بعد مرور 100 عام على أول «غونكور» ينالها أفريقي، عام 1921، وهو رينيه مارون.
تنافست أربع روايات في القائمة القصيرة على الجائزة التي تعتبر الأرفع من نوعها التي تكافئ الروايات المكتوبة باللغة الفرنسية. وبينما كان أعضاء لجنة التحكيم يلتئمون في اجتماعهم السنوي التقليدي، أمس، على غداء في مطعم «دروان»، وقف عشرات الصحافيين والمصورين في الشارع عند باب المطعم، ينتظرون اسم الرواية الفائزة، والتي عادة ما يعلن عنها في تمام الواحدة إلا ربعاً.
الروايات الثلاث الأخرى التي كانت في القائمة القصيرة هي «الرحلة في الشرق» لكريستين أنجو والصادرة عن دار «فلاماريون». ونالت هذه الرواية، أيضاً، جائزة «ميديسي» قبل أيام، إحدى الجوائز المهمة للرواية الفرنسية. وهي تتناول موضوعاً شائكاً، هو زنا المحارم الذي تعترف المؤلفة بأنها كانت من ضحاياه.
والثانية هي رواية «طفل اللقيط» لسورجي شالاندون والصادرة عن دار «غراسيه». والمؤلف صحافي ذو تاريخ في المهنة، يرسم في روايته صورة لأب محتال يبرع في اختراع الحكايات والمواقف الغريبة، وتأثير تلك الشخصية على الابن الذي ورث شيئاً من طباعها.
ووجدت رواية «ميلواكي بلوز» للكاتب لوي فيليب دالمبير طريقها أيضاً إلى القائمة القصيرة. وهي صادرة عن «سابين ويسبيسر» وتتحدث عن مأساة صبي نشأ في حي فقير للسود في الولايات المتحدة، يبرع في كرة القدم ويتمسك بها كفرصة للخروج من واقعه البائس ومن مصير رفاقه الواقعين في فخ المخدرات. وحين يقترب من حلمه تصطاده رصاصة في الشارع من شرطي أميركي.
وعلى عادة الجوائز الكبرى، لم تمر تصفيات الجائزة الفرنسية من دون منغصات. منها أن عضو لجنة التحكيم الناقدة كامي لورنس نشرت نقداً سلبياً لرواية «بطاقة بريدية» للكاتبة آن بيريست، وهي إحدى الروايات التي كانت في القائمة الطويلة. وكان رأي الناقدة، أن موضوعها قريب جداً من رواية «أطفال الكاديلاك» للكاتب فرنسوا نودلمان. ونظراً لأن هذا الأخير هو شريك حياة الناقدة؛ فقد طُرحت أسئلة حول دوافع مقالها، وأيضاً حول نزاهتها في تحكيم الجائزة. وبنتيجة تلك الأزمة، أضاف القائمون على الجائزة شرطاً جديداً يستثني أزواج المحكمين وزوجاتهم من الترشح لها. وتم استبعاد رواية نودلمان من المنافسة وتوصية أعضاء اللجنة بتفادي نشر مقالات حول الروايات المختارة في قوائم الجائزة.
ونظراً لظهور الروايات نفسها في قوائم أكثر من جائزة، أعرب رئيس أكاديمية «غونكور» ديدييه دوكوان عن أمله بألا تُمنح جائزتان أو أكثر لرواية واحدة. أي أن تخرج الرواية الفائزة بإحداها من التنافس على بقية الجوائز. وقال، إن «من الضروري التفكير بمصالح أصدقائنا أصحاب المكتبات. فحين تخطف رواية أكثر من جائزة فإنها ستكون وحيدة في الواجهة»، أي أنها تحرم كتباً أخرى من الضوء وبالتالي الرواج.
يحصل الفائز بـ«غونكور» على صك قيمته 10 يوروات رمزية، لا غير. لكن مكافأته المادية الحقيقة، بالإضافة إلى المكسب المعنوي، تأتي من عائدات الرواية الفائزة التي تحقق في الغالب مبيعات بمئات الآلاف من النسخ ومن الترجمات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».